في أول زيارة لرئيس إيراني منذ أحد عشر عاما، وضمن جولة بدأها أمس الثلاثاء، وصل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي اليوم الأربعاء، إلى كينيا، كأولى محطاته ضمن جولته الإفريقية التي ستشمل دولتين أُخرتين، هي أوغندا وزيمبابوي، وذلك في إطار حملة العلاقات الدبلوماسية التي أطلقتها إيران مؤخرا على الساحة الدولية والإقليمية، الأمر الذي أثار تساؤلات حول مساعي طهران نحو القارة السمراء، وإذا ما كانت تمتلك ثقلا حقيقيا للولوج إلى الساحة الإفريقية.

إذ يبدو أن الواقع الدولي والعقوبات الدولية التي فرضها الغرب على إيران وأضرت بالاقتصاد الإيراني دفعها الى ضرورة البحث عن فرص وبدائل أخرى لتجاوز آثار تلك العقوبات التي تم فُرضت عليها إثر استمرار تطويرها لبرنامجها النووي وذلك من خلال تعزيز حضورها في القارة الإفريقية، لاسيما في عهد الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي.

التوجه الإيراني نحو إفريقيا، يأتي في سياق التحول في أهداف السياسة الخارجية الإيرانية، فهي محاولة من مجرد مواجهة الظروف المحلية الطارئة التي يواجها النظام الإيراني في ظل عجزه عن تلبية متطلبات المواطنين، إلى محاولة إيجاد نافذة دولية يمكن أن تخفف العزلة السياسية والاقتصادية التي فرضتها العقوبات على المصالح الإيرانية.

مضامين جولة الرئيس الإيراني لإفريقيا

بعد عقود من المحاولات التي لم تجدي نفعا في فرض واقع مغاير في القارة الإفريقية، تعود إيران، بحسب مراقبين، مجددا لتحاول اختراق جدار العلاقات مع القارة السمراء، من خلال زيارة الرئيس الإيراني التي وصفها المتحدث باسم الخارجية الإيراني ناصر كنعاني، بـ “نقطة انطلاق جديدة” مع الدول الإفريقية، لا سيما في المجالين الاقتصادي والتجاري.

إلى ذلك، ستستمر جولة الرئيس الإيراني في إفريقيا ثلاثة أيام، سيلتقي خلالها على رأس وفد يضم رجال أعمال، نظراءه الكيني وليام روتو، والأوغندي يوري موسيفيني، والزيمبابوي إيمرسون منانجاجوا، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا”.

برنامج هذه الجولة الإفريقية، سيتضمن عقد اجتماعات ثنائية مع قادة الدول الثلاث ورعاية الاجتماعات المشتركة بين أعضاء الوفد الإيراني رفيع المستوى مع نظرائهم في تلك البلدان، وأيضا توقيع وثائق للتعاون، وعقد مؤتمر صحفي لشرح نتائج اللقاءات الثنائية.

 كما سيعقُد رئيسي اجتماعات مشتركة مع رجال الأعمال ومسؤولي الشؤون الاقتصادية الإيرانيين ورعايا الدول المستضيفة، وفق “إرنا”، وذلك بإطار التعريف بالفرص والطاقات الاقتصادية والتجارية لدى إيران وكلّ من الدول الإفريقية الثلاث. 

إيران تواجه عقوبات أميركية وأوروبية مشددة، بحيث وضعت الاقتصاد الإيراني أمام أزمة مستمرة منذ 2018، لذلك سعت (إيران) في محاولات قيّمها محللون، بـ “الفاشلة”، لـ “التوجه شرقا” أملا في التخفيف من وقع العقوبات، وإيجاد فضاء تدور فيه، لاسيما في الجانب الاقتصادي بعد العزلة الدولية التي فرضتها العقوبات عليها.

الخبير في الشأن الإيراني وجدان عبد الرحمن، أكد أن إيران غير قادرة على أن تكوّن شراكات اقتصادية لتجنب العزلة الدولية وإنعاش اقتصادها المنهار، ذلك لأن العقوبات المفروضة عليها تمنع أي تبادلات معها، إذ لا يمكن لدولة جارة لها التبادل معها، فكيف يمكن لدولة إفريقية التعامل معها اقتصاديا؟ لذا إن هذه الزيارة تأتي لأغراض سياسية وأمنية.

أهداف إيران في القارة الإفريقية

عبد الرحمن وفي حديث مع موقع “الحل نت”، قال إن إيران في الوقت الحالي أصبحت بحاجة ماسة للتّوسع في القارة الإفريقية، لأنها بدأت تتعرض لضغوطات أكبر وأوسع وأشد، لذا تريد طهران أن تخلق ورقة ضغط في القارة الإفريقية تضغط من خلالها على الغرب، بيد أن ذلك غير ممكن في ظل الوضع الذي تعيشه.

الرئيس الكيني يستقبل الرئيس الإيراني ضمن جولته إلى إفريقيا/ إنترنت + وكالات

الخبير في الشأن الإيراني، أوضح أنه، في بداية الأمر يجب معرفة أن النفوذ الإيراني في إفريقيا ليس وليد اللحظة، وإنما يعود إلى ستينيات القرن الماضي، في عهد الشاه الإيراني محمد رضا بهلوي الذي أُسقط في “الثورة الإسلامية” التي قادها الخميني عام 1979، فمنذ تلك الفترة بدأ النفوذ الإيراني في إفريقيا لكنه لم يكتمل.

.

غير أنه وفي عهد الخميني، عاد المشروع الإيراني نحو إفريقيا مجددا دون أن يكتمل أيضا، بسبب بعض المجريات منها الحرب مع العراق والمشكلات الاقتصادية والداخلية، لكن في التسعينيات بدأ النظام الإيراني التحرك من جديد لتحقيق مطامعها من خلال استهدافها لدولٍ استراتيجية مثل السودان للسيطرة على البحر الأحمر، ومن ثم نيجيريا للتمدد في القرن الإفريقي، مع ذلك لم يكن التحرك الإيراني وقتها ذا زخم كبير، قبل أن يعود مجددا ليكون أكبر بعد عام 2002، عندما بدأت أيران في الملف النووي، وفق عبد الرحمن.

مبينا أن، القارة الإفريقية تتمتع بأهمية كبيرة في المشهد الدولي، لذلك وبعد بدء إيران ملفها النووي وتعرضها إلى ضغوطات غربية قاسية، حاولت أن توسع من نفوذها في القارة الإفريقية في محاولة للضغط على خصومها، وكان ذلك النفوذ واضحا من خلال دعم نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير، وكذلك في الصومال وشمال إفريقيا، وإريتريا حيث تمتلك فيها قاعدة عسكرية.

عبد الرحمن، أشار إلى أن إيران اتخذت أساليب مختلفة لفرض نفوذها في إفريقيا، مستغلة المشكلات الاقتصادية والبنيوية في الكثير من دول المنطقة، فبدأت من خلال المراكز البحثية بالتوسّع بين المجتمعات الإفريقية من خلال اللعب على الوتر الطائفي والديني، حيث عملت على استقطاب أكبر عدد ممكن من المذهب السّني وتحويلهم إلى المذهب الشيعي لاستخدامهم كورقة ضغط على الأنظمة في بلدانهم، وكذلك من خلال إنشاء المراكز الطبية مثل المستشفيات وغيرها.

إيران تكرر سيناريو الشرق الأوسط بإفريقيا

فيما اختتم عبد الرحمن حديثه لموقع “الحل نت”، قائلا، إن إيران في الوقت الحالي تريد تكرار سيناريو مواجهة الشرق الأوسط مع الغرب في المنطقة الإفريقية؛ فكما استخدمت نفوذها في عدد من الدول العربية لمواجهة الغرب، تريد أن تفعل ذلك في إفريقيا، لافتا إلى أنها ستقوم باستقطاع أموال الشعب الإيراني لتصرفها على بعض الميليشيات التي ستعمل على تأسيسها هناك أو لشراء بعض الذمم، لكن ما هو مؤكد تماما، أنها لن تستطيع التأثير اقتصاديا على تلك الدول، ذلك لأن اقتصادها متدهور أساسا.

إيران تحاول تعزيز نفوذها في إفريقيا/ إنترنت + وكالات

بالمقابل، تحاول إيران التغطية على تلك الشُّبهات التي تدور حول مساعيها في التوسع نحو القارة الإفريقية، من خلال وصفها بالاقتصادية، حيث أكد رئيسي عقب وصوله إلى كينيا، في تصريحات خلال مؤتمر صحافي مشترك؛ على “العلاقات التاريخية” بين إيران والقارة الإفريقية، مشيرا إلى إبرام اتفاقيات اقتصادية مع كينيا لرفع التجارة بين البلدين. لافتا إلى حصة إيران الضئيلة من التجارة الدولية مع إفريقيا، قائلاً إنّ “حصة إيران ليست أكثر من مليار و200 مليون دولار من أصل 1200 مليار دولار هي حجم الاقتصاد الإفريقي”. 

كما شدد على ضرورة “تبادل الطاقات” بين بلاده وإفريقيا، بالنظر إلى “الثروة العظيمة والموارد الطبيعية والمعدنية الهائلة والمواهب الكبيرة” في هذه القارة، قائلا إن “الدول الإفريقية أبدت رغبتها في العلاقة مع إيران، والعلاقات مع هذه الدول من الفرص أمام السياسة الخارجية، مؤكدا على أهمية تطوير العلاقات الاقتصادية إذ أن ثمة فرص جيدة للتعاون في مجالات الزراعة والتقنيات.

وسط ذلك، وفي جذوة حديث الحكومة الإيرانية عن الاقتصاد والعلاقات التجارية مع البلدان الإقليمية والدولية، يواجه إبراهيم رئيسي وحكومته انتقادات داخلية لأدائه الاقتصادي في ظل تفاقم المشاكل المعيشية، حيث شهدت إيران موجة من الإضراب والاحتجاجات الشعبية.

جدير بالذكر، أن إيران تسعى عبر منظمات حكومية وغير حكومية، مجتمعة في شبكة تُعرف باسم “شبكة الأعمال الإيرانية”، لنشر التشيع بالقارة الإفريقية. كما أن التغلغل الإيراني في إفريقيا يعتمد على ثلاثة أجهزة مسلحة هي، “فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني؛ ووزارة الأمن والاستخبارات الإيرانية؛ وحزب الله اللبناني”.

في حين اعتمدت الدبلوماسية الإيرانية في تغلغلها بإفريقيا على المساعدات التنموية، وبرامج التعاون الدولي. عن طريق الترويج للنموذج الإيراني عبر تقديم مساعدات ومشاريع مشتركة في مجالي التكنولوجيا والطاقة، مثل التنقيب عن النفط، وصيانة المصافي ومصانع البتروكيماويات والغاز، والزراعة والصحة، وبناء السدود والقواعد الدفاعية والعسكرية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات