في حين يستمر انهيار قيمة صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي، يتواصل انخفاض الواقع المعيشي وارتفاع الأسعار بشكل جنوني وسط حالة من الاستياء والغضب بين السوريين في الداخل.

سعر الليرة السورية، سجلت اليوم الخميس، تدهورا قياسيا جديدا في السوق السوداء ليصبح الدولار الواحد أكثر من عشرة آلاف ليرة سورية، وفق تطبيقات إلكترونية تراقب حركة العملة. بينما حدد “مصرف سوريا المركزي” سعر صرف الليرة السورية بـ 9200 ليرة مقابل الدولار الأميركي الواحد.

في هذا الصدد، أوضح خبير اقتصادي من العاصمة دمشق لإذاعة “المدينة إف إم” المحلية، أن هذا التراجع التاريخي في سعر الصرف يرجع إلى انجرار “البنك المركزي السوري” وراء أسعار السوق السوداء، وهو ما أثار موجة من انتقادات واسعة من قبل المتابعين للتحليل الاقتصادي وتهرّبه من الأسباب الحقيقية وراء انهيار الليرة.

تراجع سعر الليرة

في السياق، قال الخبير الاقتصادي الدكتور علي محمد عن تحليله لانهيار الليرة السورية، إنه لا توجد سلطة نقدية في العالم تحدد سعر الصرف بشكل يومي، وانجرار الحكومة وراء السوق السوداء سبّب ذلك، وأضاف للإذاعة المحلية يوم أمس الأربعاء، “عندما تترفع الليرة في السوق السوداء، ترفع الحكومة أيضا وعندما تنخفض تخفّض هي كذلك، وما يحدث لسعر الصرف ينافي كل ما له من عوامل اقتصادية، ولا يمكن تفسيره لأي سبب اقتصادي بحت، خاصة وأن ما يحدث الآن وتقريبا منذ انتهاء شهر رمضان ينافي كل ما هو في العادة، من حيث تدفق الحوالات المالية التي تساهم في استقرار الليرة ولكن ما يحدث مغاير لذلك..”

الخبير الاقتصادي أشار في حديثه إلى أن تغير قيمة صرف الليرة السورية وأي عملة محلية مرهون بمجموعة من العوامل التي تتحكم بسعر الصرف وتؤثر عليه، بدءا من الناتج المحلي والميزان التجاري والصادرات والواردات وميزان المدفوعات و أمور أخرى، وكل هذه الأمور مستقرة في سوريا، وبالتالي فإن أسباب تراجع الليرة تعود إلى أن ثمة مضاربة على سعر الصرف من قبل بعض التجار.

بالإضافة إلى عوامل الحرب، حيث أصبحت سوريا دولة مستهلكة بشكل رئيسي، والإنتاج المحلي عند أدنى مستوياته، وعجز الحكومة في انتعاش الإنتاج المحلي، ورغم ذلك فإن جميع السلع مسعرة وفق قيمة الدولار الأميركي مقابل الليرة، الأمر الذي يؤدي إلى ضعف القوة الشرائية والظروف المعيشية في البلاد.

هذا التحليل أثار سخرية المتابعين، فقد اعتبروا حديثه لا منطقي وتهرّب من الأسباب الحقيقية وراء تراجع الليرة، حيث علّق أحدهم بالقول “هاد خبير فلافل مو خبير اقتصاد. تراجع الليرة بهذا الشكل يعني أن الدولة أفلست وفقط لا غير”، في حين قال متابع آخر “اغبى فريق اقتصادي بيمر ع البشرية من يوم سيدنا آدم لليوم، أكيد هناك عوامل أخرى.. وأياد خفية”.

بينما انتقد آخرون بشكل ساخر “هلا دكتور أنت؟.. كان الدولار بـ 50 ليرة وهلأ صار بـ 11 ألف ليرة، هي مضاربة!! يعني أخر دقيقة حكيت صح، عم يحكي منطق دبلوماسي لذلك ما ممكن يذكر الأسباب الحقيقية لانهيار الليرة واكتفى بشماعة الحكومة، الحرب الحصار قلة الموارد.. وتناسى حديث بثينة شعبان وتصريحات عرنوس وتنبؤات الحايك وفغالي وليلى”.

في حين أشار أحدهم بقوله “المركزي يفتقر حاليا للأدوات ويقوم بوضع سياسات نقدية فقط للحد من التدهور، لكن لا يمكن إيقاف هذا التدهور ليس فقط بسبب عدم دوران عجلة الإنتاج السبب الرئيسي، ففقدان الثقة بالعملة الوطنية كعملة ادخار واللجوء للذهب أو العملات الأخرى الأكثر استقرارا “.

أسباب انهيار الليرة

في وقت سابق وعلى إثر تراجع الليرة السورية، أرجع بعض المسؤولين في حكومة دمشق إلى “المضاربين والمتلاعبين”، وأنها مرتبطة بـ “لصوص الصرف”، كما وأشار الإعلام المحلي السوري المتواجد في مناطق خاضعة لسيطرة دمشق، إلى أن “سعر الليرة ينزلق بين الفنية والأخرى، بسبب ما ينتابه من موجات مضاربة، أبطالها ثلّة من اللصوص، لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة”، وبالتالي، يمكن أن يُنظر إلى هذا على أنه اعتراف واضح من قِبل الحكومة بعدم قدرتها على إيقاف هؤلاء المضاربين، الذين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد.

المصرفي، قاسم زيتون، في تصريحات صحفية سابقة، برّأ “المركزي السوري” من تهمة اتباعه للسوق الموازية، بل العكس تماما فإن ارتفاع سعر الصرف عند الحدود الحالية فقط، هو بفضل سياسات المركزي المتشددة للحفاظ على سعر صرف بالحدود الممكنة، وأضاف “لم يكن بالإمكان أكثر مما كان”.

ما يدعو للغرابة حقا كيف يمكن لحكومة ما أن تقف عاجزة أمام عدد من الأشخاص، وهم يتحكمون باقتصاد البلاد والحياة المعيشية اليومية، بكل هذه الأريحية.

يرجّح الخبراء سبب تراجع الليرة إلى أنه نتيجة لغياب الخطط الاقتصادية الحقيقية لدى الحكومة السورية من بدائل اقتصادية، فضلا عن ضعف الإنتاج المحلي، وعدم دعم الحكومة للقطاع الصناعي والزراعي وغيرها من القطاعات التي تساهم في زيادة الناتج المحلي وبالتالي دعم العملة الوطنية.

بحسب بيانات موقع “الليرة اليوم”، تراجع سعر الليرة السورية خلال العام 2022 الفائت، بنسبة 68 بالمئة على أساس سنوي، في حين تراجعت بنسبة 13 بالمئة على أساس شهري. وسجلت الليرة السورية نهاية العام 2012 نحو 97 ليرة مقابل الدولار الواحد، لتبدأ التراجعات الكبيرة مع بداية العام التالي، إذ وصل سعر صرف الدولار في آذار/مارس 2013 نحو 120 ليرة، وتجاوز سعر الدولار 300 ليرة في نهاية العام.

منذ مطلع العام الجاري، غيّر “المركزي السوري” أسعار صرف الدولار عدة مرات، ضمن سلسلة محاولات مستمرة للسيطرة على عمليات التصريف في السوق السوداء. لكن كل ذلك لم يجدِ نفعا، حيث إن تهاوي الليرة في تصاعد مستمرة.

المعيشة بالدولار

في سياق الواقع المعيشي في سوريا، يعتبر معظم المسؤولين أن الأسعار في سوريا واقعية، ويتم تسعير الخدمات الحكومية بما يتماشى مع الأسعار العالمية. في الوقت نفسه، يعترفون بأن المعضلة تكمن في قيمة الرواتب والأجور، وليست في الأسعار، بحسب العديد من التقارير المحلية السابقة.

انهيار الليرة السورية- “إنترنت”

في الأثناء، أغلقت الكثير من المحال التجارية أبوابها بعد صدور تسعيرة “المركزي السوري” لليرة. وبحسب تقرير لموقع “اقتصاد” المحلي نقلا عن مصادر لم يسمّها، فإن دوريات التموين بمرافقة عناصر أمنية، قامت منذ الصباح بجولة على المحال التجارية وطلبت من أصحابها فتحها، وإلا ستضطر لكسر أقفالها، وهو ما أجبر أصحاب المحال على فتحها، لكنهم يرفضون البيع للزبائن، جراء تراجع سعر الصرف باستمرار.

أحد أصحاب هذه المحال، أكد أن ما يبيعونه للزبون اليوم بسعر معين، سوف يضطرون غدا لشرائه من تجار الجملة بسعر أعلى، وهو ما يعني خسارته، الأمر الذي يعرّض أصحاب المحال الصغيرة والمتوسطة للخسارة بسبب عدم استقرار سعر الصرف، وتسعيرة التجار الكبار للسلع بالدولار.

العديد من الخبراء والمواطنين، يلقون باللوم على الحكومة وسياساتها الخاطئة، التي أدت بالبلاد إلى أسوأ أزمة معيشية يعيشها السوريون اليوم. 

بعض الشهادات المحلية من الداخل السوري قالت لموقع “الحل نت”، إن كل شيء في سوريا يُحتسب بالدولار، بينما الرواتب ثابتة ولا زيادة فيها من قبل الحكومة، وفي نظرهم، تعتمد الحكومة السورية على مدّخرات المواطنين والمصادر المالية الأخرى لدى المواطنين، سواء من الحوالات المالية الخارجية أو غيرها، في إدارة شؤونهم.

لكن المواطنين لن يصمدوا لفترات طويلة حيال الوضع المعيشي الذي يتدهور يوما بعد يوم، فدون قيام الحكومة بأية من واجباتها تجاه الأهالي، سواء عبر رفع الرواتب بما يتماشى مع الواقع المعيشي أو ضبط سعر الصرف وتفلّت الأسعار شبه اليومي في الأسواق، فإن الأوضاع ستتدهور أكثر فأكثر وبالتالي المواطن سيفكّر بالهجرة خارج البلاد كما هو متداول بين أحاديث العامة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات