دمشق المدينة التي كانت ذات يوم عاصمة لدولة عظيمة، تغرق الآن في الفقر والبطالة، شوارعها خالية من الناس، وأسواقها مغلقة، والسبب في ذلك هو الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ سنوات. حيث أدت هذه الأزمة إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير، وإلى نقص في السلع الأساسية.

نتيجة لذلك، أصبح الكثير من السوريين غير قادرين على توفير الطعام والمأوى والماء، ويعيشون الآن في فقر مدقع. ومع ذلك، فإن الأزمة الاقتصادية لم تؤثر على الجميع بنفس القدر. فهناك فئة من الناس لا تزال تعيش في الترف والبذخ. وهذه الفئة هي التي تمتلك أونصات الذهب.

أونصات الذهب هي رمز للثروة والسلطة، وهي أيضا رمز للتفاوت الاجتماعي. فبينما يعاني الكثير من السوريين من الفقر، فإن هناك من يمتلك هذه الأونصات التي تُقدّر قيمتها بالملايين، ورنينها الذي يعلو على أصوات الجياع والمتألمين الذين فقدوا الكثير خلال الأشهر السابقة.

ما الذي فقده السوريون؟

في حصيلة للوقائع التي جرت خلال الأشهر الستة من عام 2023، ذكر المذيع جورج طحان، في برنامج “مع جورج” على إذاعة “نيار إف إم” المحلية، أمس الخميس، أنه فقط في سوريا توالت الأزمات على السوريين دون مراجعة الحكومة لها؛ بل حتى اجتماعاتهم لم تتطرق إلى واقع الحال.

دمشق الأزمة الاقتصادية الفقر البطالة نقص السلع الأساسية الترف والبذخ أونصات الذهب الثروة والسلطة التفاوت الاجتماعي الجوع
ابن رجل الأعمال السوري رامي مخلوف – إنترنت

طحان استشهد بكلمات للمطرب وديع الشيخ، ليذكر عدة وقائع حدثت خلال الأشهر الفائتة، حيث لفت بصيغة “بس من عنا”، إلى أن أصناف غذائية تغادر مائدة السوريين، إذ بسبب الغلاء بات البطيخ والجبنة والزعتر وغيرها من المواد كماليات بالنسبة للمائدة السورية.

المذيع السوري تطرق إلى قضية الدجاج والبيض وغلائهما، وكيف بات سعر البيضة الواحدة يتخطى 500 ليرة سورية، في حين تركت لحمة الغنم والعجل رفوف ثلاجات العديد من العائلات السورية، في حين احتل صدارة المشتريات ما يسمى بـ”الفروج الستوك” والذي يعاني فقط من تقلّص في الوزن، حيث لا يتجاوز وزنه الكيلوغرام.

حديث طحان، أثار جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث ذكر عامر حسان الذي يعمل في محافظة دمشق، أن المذيع تعمّد الحديث عن مجريات أمام أناس لن يستفيدوا منه شيء سوى سماعه.

لم يتوقف حديث حسان عند هذا الحد، بل زاد “الحكي للي فووق واللي فوق مسكرين أبوابهم وما بيسمعوا هالترهات، وأصوات الجياع والمتألمين”. ولفت إلى أن هذه الطبقة لا تسمع سوى صوت رنين أونصات الذهب وأصوات سياراتهم الفارهة وطياراتهم التي تأخذهم إلى بلدان السياحة والبذخ وصرف العملة، التي جمعت من أكتاف القابعين أمام المكيفات.

الموظف في محافظة دمشق استهجن تكرار حديث أزمة السوريين على المنابر الإذاعية، مبينّا أنه كيف ستسمع هذه الطبقة المرفهة أوجاع المواطنين وهم لا يلقون لهم بالا، ولا يستشعرون وصول الكهرباء لساعة واحدة في ظل أجواء تصل حرارتها إلى 40 درجة، مطالبا طحان وأمثاله بتوفير طاقتهم للسباحة في حال تم استقبالهم داخل أندية السباحة، في إشارة إلى غلاء الدخولية.

الراتب خط أحمر صامد لن يرتفع

منذ بداية العام الجاري واجه راتب الموظف السوري صعوبات كبيرة في مواجهة الحد الأدنى من تكاليف المعيشة السورية، فرغم أنه مع بداية العام كان لا يحقق الحد الأدنى من تكاليف الحصول على غذاء لأسرة مؤلفة من ثلاثة أفراد، إلا أنه واصل النزيف أمام ارتفاع أسعار السلع والخدمات في سوريا.

دمشق الأزمة الاقتصادية الفقر البطالة نقص السلع الأساسية الترف والبذخ أونصات الذهب الثروة والسلطة التفاوت الاجتماعي الجوع
زوجان سوريان يجلسان معا على مقعد في حديقة عامة للفقراء في العاصمة السورية دمشق – إنترنت

بحسب تقارير متخصصة فإن رواتب العاملين والموظفين في سوريا الثابتة منذ بداية العام الجاري، فقدت نحو 35 بالمئة من قيمتها منذ مطلع العام، حيث واصلت أسعار السلع والخدمات في البلاد ارتفاعها، أمّا ردود أفعال الحكومة فاقتصرت على اقتراح خطط تتعلق بزيادة الرواتب دون إقرارها حتى الآن.

على الرغم من هذه المشاكل، إلا أن الحكومة السورية لم تقم برفع الرواتب منذ سنوات عديدة. ويُعد هذا الأمر أحد أهم أسباب معاناة الشعب السوري، حيث أصبح الراتب لا يكفي حتى لتغطية الاحتياجات الأساسية للحياة. وحتى وإن قامت الحكومة برفع الراتب حاليا، فإنه لن يواكب ارتفاع الأسعار. ونتيجة لذلك، سيظل حال المواطن السوري على ما هو عليه.

هزالة الأجور السورية وصلت إلى حدّ تهديد الأمن الغذائي بالنسبة للعاملين، خاصة أولئك الموظفين في القطاع الحكومي، الذين أصبحوا غير قادرين على تحمّل تكاليف الغذاء بمختلف أنواعه، بعد أن خرجت العديد من المواد من قائمة مشترياتهم لا سيما اللحوم والمكسرات وبعض أنواع الفواكه.

مجلس الوزراء يجتمع ويتناسى المواطن

رغم ما مرّ به السوريون خلال النصف الأول من العام الجاري، إلا أن الحكومة السورية بكل وزرائها لم يتطرقوا إلى حال المواطنين، بل كانت آخر اجتماعاتهم تتعلق بمسألة ظهور الكاتب المصري يوسف زيدان على التلفزيون السوري بسبب إثارة الشكوك حول مواقفه بشأن “التطبيع” مع إسرائيل.

دمشق الأزمة الاقتصادية الفقر البطالة نقص السلع الأساسية الترف والبذخ أونصات الذهب الثروة والسلطة التفاوت الاجتماعي الجوع
الغلاء يضرب أسواق دمشق – إنترنت

منذ كانون الثاني/يناير وحتى حزيران/يونيو الفائت، ارتفعت أسعار اللحوم في سوريا 16 بالمئة، فيما زادت أسعار الحلويات 11 بالمئة، و13 بالمئة أسعار الألبان والأجبان، أما سعر البيض زاد 41 بالمئة. خلال 2023 ارتفع سعر المحروقات 20 بالمئة مرتين على التوالي.

ما يشير إليه الوضع، أن الغلاء هو صناعة وطنية، فمع دخول فصل الصيف وغياب الكهرباء المتواصل في سوريا، ارتفعت تكاليف تخزين المواد الغذائية التي تحتاج إلى درجات حرارة منخفضة كي لا تفسد، كالألبان والأجبان التي شهدت ارتفاعات متتالية في أسعارها خلال الفترة الماضية، الأمر الذي أصبح يهدد وجودها في قائمة الأغذية التي تستهلكها العائلات السورية.

ارتفاع الأسعار لم يوفر حرفيا أي مادة في سوريا، وكان الأساس ارتفاع أسعار المحروقات الذي أثّر بشكل سلبي وسريع على جميع السلع، لدوره الأساسي في عملية الإنتاج، وخلال العامين الماضيين شهدت أسعار هذه المواد ارتفاعات متكررة، ففي العام 2020 كان سعر مادة البنزين 575 ليرة، بينما وصل سعره اليوم إلى 8600 ليرة.

يبدو أن قطار الأسعار تجاوز خطط الحكومة في محاولاتها مساعدة السوريين على مواجهة الصعوبات المعيشية، حيث أن المسؤولين الحكوميين يتحدثون منذ نحو عام عن خطة لزيادة الأجور والرواتب، ومنذ ذلك الوقت ضربت موجات عديدة من الارتفاعات في أسعار المواد الأساسية بما فيها المحروقات، ولم يتم إقرار خطة الزيادة بعد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات