على نطاق واسع تبرز بعض المعلومات المثيرة عن تحالف غير متوقع يجتمع في ساحات القتال السورية، حيث يبدو أن إيران وتنظيم “داعش” الإرهابي قد وجدا طرقا للتعاون والتنسيق. معلومات استقصائية كشفت عن صلات وثيقة تربط بين “حزب الله” اللبناني و”الحرس الثوري” الإيراني وتنظيم “داعش” في سوريا، وهو ما يثير تساؤلات حول بداية تحالف جديد بين هذه الجماعات الإرهابية.

بحسب ما ذكره موقع “الحرة”، يبدو أن هناك تواجدا قويا للتنسيق على مستوى عال بين الميليشيات الإيرانية وتنظيم “داعش”، حيث تقوم هذه الميليشيات نيابة عن “الحرس الثوري” بتزويد التنظيم الإرهابي بالمعلومات مقابل عدم اعتراض قوافل نقل وتهريب الأسلحة عبر الأراضي السورية. وهذا الاتفاق يثير الشكوك حول الأسباب والدوافع وراء هذا التحالف المروع.

إن هذا التعاون غير المتوقع والتنسيق الوثيق بين إيران وتنظيم “داعش” في سوريا يثير أسئلة حول طبيعة هذا التحالف الجديد والمخاطر التي يمكن أن يشكلها على الساحة الإقليمية والدولية. وهل يشهد العالم ظهور تحالف جديد بين الجماعات الإرهابية المتنافسة، وما الأهداف والمصالح المشتركة التي تدفع هذه الجماعات إلى التعاون، وكيف يمكن للمجتمع الدولي التصدي لهذا التحالف ومكافحة الإرهاب بشكل فعال.

إحياء تنظيم “داعش”

في تطور مفاجئ، يظهر أن تنظيم “داعش” قد قلص استهدافه للميليشيات الإيرانية بشكل ملحوظ، بالمقابل ومن المثير للاهتمام أنه قد نفذ العديد من الهجمات ضد قوات “التحالف” الدولي و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) والجيش السوري. وهذا الانقلاب في الأوضاع يطرح العديد من الأسئلة حول الأسباب المحتملة لهذا التغيير المفاجئ في سياسة الهجمات.

إيران الحاضر الغائب في الحرب على "داعش" - إنترنت
إيران الحاضر الغائب في الحرب على “داعش” – إنترنت

علاوة على ذلك، هناك أدلة تشير إلى أن “الحرس الثوري” الإيراني قدم معلومات استخباراتية هامة لتنظيم “داعش”، وفي بعض الأحيان أرشدهم إلى أهداف حيوية قابلة للاستهداف. وبالإضافة إلى ذلك، كانت الميليشيات الإيرانية تمهّد طريق التنظيم المتطرف وتمكّن عناصره من التسلل والتنقل داخل الأراضي السورية بحرية تامة، وذلك من خلال تسهيل عمليات المرور وتهريب العناصر وتوفير الغطاء اللازم لقادة التنظيم.

بحسب ما كشف عنه موقع “الحرة”، أمس الأحد، بدأت المفاوضات بين الميليشيات الإيرانية وتنظيم “داعش” في شهر أيار/مايو من العام 2021، حيث تم إرسال برقية باللغة الفارسية من قيادة “الحرس الثوري” إلى وحدة أمنية تابعة له، تهدف إلى إيجاد وسيلة للتواصل مع “داعش” من خلال وجهاء القبائل في المنطقة.

عقب ذلك، قامت الميليشيات الإيرانية بالتعاون مع شيخ عشائري يتمتع بسمعة طويلة في التوسط بينها وبين وتنظيم “داعش”، ويُلقب هذا الشيخ بـ “عراب المفاوضات”.

على إثر هذه التحرك، أُرسل الشيخ برفقة قائد فرع الأمن العسكري التابع لـ “الحرس الثوري” إلى دير الزور للقاء ممثل تنظيم “داعش” المعروف باسم “أبو البراء”. وتم خلال هذا الاجتماع مناقشة سبل تحقيق المصالح المتبادلة، وعُرض على التنظيم توفير الأسلحة والذخيرة وتأمين مرورهم لمناطق “قوات سوريا الديمقراطية”، مقابل تقليل الهجمات على قوافل الميليشيات الإيرانية.

في اجتماع آخر، طلب ممثل “داعش” الحصول على معلومات مفصلة من “الحرس الثوري” الإيراني حول سجن “غويران”، الذي يحتجز العديد من قادة وعناصر التنظيم. وتم وضع خطط للتعاون والحفاظ على حوار مستمر بين الجانبين، وعليه في أواخر عام 2022، نفذ تنظيم “داعش” عملية هجوم على سجن “غويران” الذي تديره “قسد”، مما أسفر عن هروب المئات من عناصر التنظيم.

تحالف ومصلحة متبادلة

الحرب في سوريا مستمرة منذ أكثر من عقد من الزمن، ولقد أدى ذلك إلى زعزعة استقرار المنطقة وخلق أرض خصبة للإرهاب. وبعد التسريبات الأخيرة، بدت هناك مخاوف من تعاون إيران وتنظيم “داعش” الإرهابي خصوصا بعد الحملة العسكرية الدولية التي قضت على معاقل التنظيم الرئيسية عام 2019.

قائد حرس الحدود الإيراني العميد أحمد علي كودرزي - إنترنت
قائد حرس الحدود الإيراني العميد أحمد علي كودرزي – إنترنت

عناصر تنظيم “داعش” شنوا 100 عملية استهدفت فيها قوات “التحالف” الدولي و”قوات سوريا الديمقراطية” منذ بداية العام الحالي، لكنها لم تستهدف أيا من الميليشيات الإيرانية على الإطلاق، فيما سجلت حادثة يتوقع أنها كانت بتعامل فردي قتل فيها 6 عناصر من ميليشيات “فاطميون” الموالية لطهران.

الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، كمال حبيب، أوضح في حديثه لـ”الحل نت”، أنه من غير المستبعد أن تتحالف إيران مع “داعش”، خصوصا أن طهران لها تاريخ طويل في التحالف مع المنظمات المصنفة إرهابية، وآخرها ما أكدته “وزارة الخارجية الأميركية”، بأن “سيف العدل” يقيم في إيران وصار زعيما لـ”القاعدة” بعد مقتل أيمن الظواهري.

أيضا تم نشر وثائق سرية تتعلق بالزعيم السابق لتنظيم “القاعدة”، أسامة بن لادن، من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي أي”، ضمن مجموعة تضم حوالي 470 ألف ملف. تم الحصول على هذه الوثائق بعد الهجوم العسكري الذي نفذته القوات البحرية الأميركية في عام 2011، على المجمع الذي كان يتواجد فيه بن لادن في باكستان. وكشفت هذه الوثائق عن وجود علاقة بين تنظيم “القاعدة” وزعيمه السابق مع جماعة “الإخوان المسلمين” وإيران.

بحسب حبيب، هناك عدد من الأسباب المحتملة لهذا التعاون، أبرزها أن إيران تحاول استخدام “داعش” لتحقيق أهدافها الخاصة في سوريا. على سبيل المثال، قد تحاول إيران استخدام “داعش” لزعزع استقرار الحكومة السورية بعد عودتها لـ”الجامعة العربية” واشتراط مؤتمر عمّان بخروج القوات الأجنبية ومكافحة الميليشيات الإيرانية.

أو يكون التنظيم أداة لعرقلة جهود “التحالف الدولي ضد داعش”. ومن المرجح أيضا أن تكون إيران تحاول استخدام “داعش” لإنشاء ساحة معركة جديدة ضد الولايات المتحدة وحلفائها.

التعاون بين إيران وتنظيم داعش هو تطور خطير طبقا لحديث حبيب، وله تداعيات كبيرة على الأزمة السورية والتحالفات القائمة في المنطقة. إذ إنه يتحدى الرواية السائدة بأن إيران و”داعش” عدوان لدودان. ومع إثبات هذا التعاون، يمكن أن يعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي ويغير ديناميكيات القوة في المنطقة. وبدوره يجهد التحالفات القائمة لمكافحة الإرهاب ويحتمل أن يؤدي إلى إعادة تموضع التنظيم على الخارطة السورية.

إيران تعيد بناء بقايا “داعش” في سوريا

القيادة المركزية الأميركية، أعلنت أنها قتلت قياديا في تنظيم “داعش” يُدعى أسامة المهاجر في شرق سوريا يوم 7 تموز/يوليو الجاري. وأضاف البيان أن الضربة نفذتها ذات الطائرات المسيرة “إم.كيو-9” التي تعرضت في وقت سابق من ذات اليوم لمضايقات من مقاتلات روسية في مواجهة استمرت ساعتين تقريبا.

صورة المرشد الإيراني قرب مقر لتنظيم "داعش" - إنترنت
صورة المرشد الإيراني قرب مقر لتنظيم “داعش” – إنترنت

الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، يرى أن التحالف بين إيران و”داعش” يشكل تهديدا جديدا للأمن والاستقرار في المنطقة. فكلا الكيانين معروف بإيديولوجياتهما المتطرفة وقد شاركا في أنشطة مزعزعة للاستقرار. وقد يؤدي هذا التحالف إلى زيادة العنف والهجمات الإرهابية وزيادة تفاقم الأزمة السورية. كما أنه قد يعقد جهود مكافحة الإرهاب ويخلق تحديات للأمن الإقليمي والدولي.

قد تختلف الأهداف التي تسعى إيران و”داعش” لتحقيقها من خلال هذا التعاون. بالنسبة لإيران، يمكن أن تكون هذه مناورة استراتيجية لتعزيز مصالحها في سوريا والحفاظ على نفوذها في المنطقة. وقد تنظر إيران أيضا إلى هذا التعاون كوسيلة لتقويض خصومها الإقليميين وزعزعة استقرار الحكومة الحالية. أما بالنسبة لـ “داعش”، فإن التعاون يمكن أن يزودهم بموارد حيوية، مثل الأسلحة والاستخبارات، بما يمكنهم من إعادة تجميع صفوفهم وتعزيز وجودهم في سوريا.

الآثار المحتملة لهذا التعاون على المنطقة كبيرة تبعا لتقديرات حبيب. إذ سيؤدي إلى زيادة الأنشطة الإرهابية، وإطالة أمد الصراع السوري، وإعاقة آفاق السلام والاستقرار. وقد يؤدي التعاون أيضا إلى حدوث انقسامات بين الجهات الفاعلة الإقليمية ويعقد الجهود الدبلوماسية لإيجاد حل للأزمة السورية. علاوة على ذلك، يمكن أن يؤجج التوترات الطائفية ويؤدي إلى تفاقم خطوط الصدع القائمة، مما يزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة.

باعتبار أن القيام بعمليات إرهابية للتنظيمات المتطرفة ليس بالأمر السهل، فإنها تحتاج إلى تمويل ضخم يتجاوز ما يمكنها جمعه من أتباعها المتعاطفين. ولذلك، فإن لإيران وأذرعها دورا في تمويل هذه التنظيمات بطرق مشبوهة، وكذلك استثمار تلك الأموال وتعزيز مواردها من خلال تنظيمات الغلو والتطرف. 

التعامل مع هذا التحول المحتمل في ديناميكية الأمن يتطلب نهجا منسقا ومتعدد الأوجه من المجتمع الدولي والبلدان المتضررة. فهو يستلزم مشاركة قوية للمعلومات الاستخباراتية، وإجراءات محسّنة لمكافحة الإرهاب، وجهودًا مستهدفة لتعطيل وتفكيك الشبكات المشاركة في هذا التعاون، بحسب حبيب. 

أوجه التعاون بين إيران وتنظيمات الإرهاب والغلو لا تبرر كامل صلتها بإيران، وإنما بدأت العلاقة بين الطرفين نتيجة إعجاب بعض قادة تلك التنظيمات، مثل الظواهري وغيرهم، بالثورة الإيرانية ونظامها. قد تكون هذه الإعجابات هي التي أدت إلى تسارع خطوات التقارب وتحالف المصالح بين الطرفين. وقد يكون عدم الاعتداء بينهما يفسر بالتزامهما المتبادل بعدم التصعيد، وربما يعزى ذلك إلى توجهات استراتيجية وسياسية تتعلق بالأهداف والمصالح المشتركة، لكن الثابت في سوريا هو بداية تحالف جديد بين الإرهابيين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات