في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، برزت مخاوف بشأن احتمال أن تصبح البلاد مركزا جديدا للنشاط الإرهابي، لا سيما من مجموعات مثل “داعش”. مع عودة حركة “طالبان” واستعدادها المحتمل لتوفير ملاذ للمنظمات المتطرفة، يمكن أن تصبح أفغانستان مرة أخرى أرضا خصبة للأيديولوجيات العنيفة والهجمات على المدنيين الأبرياء. 

تقييم استخباراتي سري أشار إلى أن قادة تنظيم “داعش” يخططون لهجمات إرهابية دولية من أفغانستان، إذ لم يمر حتى عامان منذ الانسحاب العسكري من أفغانستان، حتى بات إرهابيو “داعش” يستخدمون البلاد للتخطيط لهجمات في جميع أنحاء أوروبا وآسيا. وتُعد ولاية خراسان التابعة لتنظيم “داعش” الجغرافيا الأبرز للتخطيط لمؤامرات ضد الولايات المتحدة، بحسب وثائق “البنتاغون” المسربة التي أوردتها صحيفة “واشنطن بوست”.

لكن كيف سيستخدم تنظيم “داعش” أفغانستان كنقطة انطلاق لهذه الهجمات، وما هي الأهداف المحتملة لهذه الهجمات، أيضا ما هو الدور الذي تلعبه شبكات “التيسير” التي تيسّر عمل وتحركات التنظيم المطرّف في قدرته على تنفيذ هذه الهجمات، وكيف يتم استهدافها بجهود مكافحة الإرهاب.

“داعش” تحضر لهجوم خارجي

في 16 آذار/مارس الفائت، ذكر الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأميركية من خلال شهادته أمام لجنة القوات المسلحة بـ “مجلس الشيوخ” الأميركي بشأن عمليات “داعش” في أفغانستان، أن “البنتاغون” قدّر أن التنظيم سيكون جاهزا للقيام “بعملية خارجية ضد المصالح الأميركية أو الغربية في الخارج في أقل من ستة أشهر دون سابق إنذار”. 

مسؤولون عسكريون أميركيون يعتقدون أن تنظيم "داعش خراسان" لديه نحو 2000 مقاتل متشدد - موقع "الحرة".
مسؤولون عسكريون أميركيون يعتقدون أن تنظيم “داعش خراسان” لديه نحو 2000 مقاتل متشدد – موقع “الحرة”.

المزيد من التقارير الاستخباراتية السرية التي تم تسريبها مؤخرا، وبحسب موقع “فوكس نيوز” الأميركي، تظهر أن إرهابيي “داعش” في أجزاء أخرى من العالم يسعون للحصول على الخبرة لصنع أسلحة كيميائية وتشغيل طائرات بدون طيار. كما كشفت عن “مؤامرة يقوم فيها أنصار الجماعة باختطاف دبلوماسيين عراقيين في بلجيكا أو فرنسا في محاولة لتأمين إطلاق سراح 4000 مسلح مسجون”.

جاء في التقييم أيضا أن “داعش يطوّر نموذجا فعّالا من حيث التكلفة للعمليات الخارجية يعتمد على موارد من خارج أفغانستان، ونشطاء في البلدان المستهدفة، وشبكات تسهيل واسعة النطاق”. ومن المرجح أن يمكّن هذا النموذج التنظيم من التغلب على العقبات مثل الخدمات الأمنية المختصة، وتقليل بعض الجداول الزمنية للتخطيط، وتقليل فرص الفشل.

تنظيم “داعش” يسعى إلى ترسيخ موطئ قدم له في أفغانستان منذ عام 2015. حيث استغلوا عدم الاستقرار السياسي والعنف في البلاد لتجنيد أعضاء جدد وتنفيذ الهجمات.

الصحفي الأفغاني سهيت الله سمسور، لـ”الحل نت”.

الجماعة وبحسب ما تحدث به سمسور لـ”الحل نت”، عملت على تثبيت وجود قوي لها في بعض المقاطعات الشرقية والشمالية من أفغانستان، حيث تمكنت من تجنيد مقاتلين محليين وإنشاء معسكرات تدريب. وقد تمكنوا أيضا من تمويل عملياتهم من خلال الانخراط في أنشطة إجرامية مثل الابتزاز والاختطاف والاتجار بالمخدرات.

السر وراء ولاية خراسان

عانت أفغانستان من الصراع وعدم الاستقرار على مدى عقود، ولم يؤد صعود تنظيم “داعش” إلا إلى تفاقم مشاكل البلاد. على مدى السنوات القليلة الماضية، أصبحت أفغانستان محطة جديدة لهجمات “داعش” الإرهابية. وعلى الرغم من تركيزه في البداية على سوريا والعراق، إلا أن التنظيم سعى لتوسيع نفوذه الآن في أفغانستان، حيث أقام معقلا له في الجزء الشرقي من البلاد.

تزايد عمليات التنظيم في أفغانستان شكل تهديدا كبيرا لاستقرار البلاد وأمنها. كانت الجماعة مسؤولة عن عدة هجمات مميتة على المدنيين وقوات الأمن، بما في ذلك التفجيرات الانتحارية وإطلاق النار والاغتيالات المستهدفة. لم تتسبب الهجمات في وقوع العديد من الأرواح فحسب، بل أدت أيضا إلى زيادة الشعور بالخوف وانعدام الأمن بين الأفغان، مما أعاق جهود تعزيز السلام والاستقرار والتنمية في البلاد.

وفقا للصحفي الأفغاني، فإن فرع التنظيم في أفغانستان وباكستان يُعرف بـ “ولاية خراسان”. وخراسان منطقة تاريخية تغطي أجزاء من أفغانستان وباكستان وإيران وآسيا الوسطى. يستخدم التنظيم هذا الاسم للتأكيد على هدفهم المتمثل في إقامة ولاية لدولتهم المزعومة في هذه المنطقة.

“داعش خراسان” استهدفت مجموعة من الأهداف في أفغانستان، بما في ذلك المباني الحكومية ونقاط التفتيش العسكرية والشرطة والأماكن العامة المزدحمة. كما استهدفوا الأقليات الدينية، مثل المسلمين الشيعة وعمال الإغاثة. وشنّت الجماعة هجمات في مدن مثل كابل وجلال آباد ومزار الشريف.

شبكات التيسير وقدرة “داعش”

انعكاسات التقارير الاستخباراتية على أمن الدول المستهدفة، بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا، برأي سمسور لها تداعيات على أمن البلدان خارج حدود أفغانستان. حيث أظهرت الجماعة قدرتها على تنفيذ هجمات في دول مجاورة مثل باكستان والهند. أيضا المخاوف من أن الجماعة قد تستخدم أفغانستان كقاعدة للتخطيط وشنّ هجمات في أوروبا أو الولايات المتحدة لا تزال قائمة.

عناصر من "طالبان" - موقع "غيتي"
عناصر من “طالبان” – موقع “غيتي”

تبعا لما أفاد به سمسور، فإن شبكات التيسير تلعب دورا في نمو مخاطر التنظيم، بما في ذلك تلك التي تشارك في التمويل والتجنيد واللوجستيات، إذ إن لها دورا حاسما في قدرة “داعش” على تنفيذ الهجمات. ورغم استهداف هذه الشبكات من خلال مجموعة من التدابير، بما في ذلك العقوبات المالية وعمليات إنفاذ القانون وحملات التوعية العامة، إلا أن نتيجتها لا تزال ضعيفة.

الصحفي الأفغاني، أكد من خلال المعلومات المحلية أن هناك بعض التعاون بين “داعش” و”طالبان”، على الرغم من عدم وضوح مدى هذا التعاون. لكن الجماعتين تشتركان في عدو مشترك مثل “قوات التحالف” التي تقودها الولايات المتحدة. ومع ذلك، هناك أيضا تقارير تكشف مدى التوترات بين المجموعتين، لا سيما على الأراضي والموارد.

لا يزال تهديد “داعش” في أفغانستان مصدر قلق كبير للمجتمع الدولي. أظهر التنظيم قدرته على تنفيذ هجمات مدمرة، ليس فقط في أفغانستان ولكن أيضا في الدول المجاورة. ستستمر تكلفة عمليات مكافحة الإرهاب بأفغانستان في الاعتماد على الموارد من خارج البلاد، وكذلك على القدرة على تعطيل شبكات التسهيلات والعاملين في البلدان المستهدفة. 

إن الوضع في أفغانستان معقّد، مع عودة “طالبان” واستمرار التحديات السياسية والأمنية. ومع ذلك، فمن الأهمية أن يواصل المجتمع الدولي العمل لمواجهة التهديد الذي يشكله تنظيم “داعش” في خراسان والجماعات المتطرفة الأخرى، لا سيما وأن التنظيم يخطط فعلا لاستهداف الولايات المتحدة والقارة الأوروبية وبعض الدول في آسيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة