ضمن جولات الحوار الاستراتيجي بين البحرين والولايات المتحدة الأميركية، الذي يجريانه في إطار تعزيز العلاقات المشتركة، ومواصلة العمل على تمتين التكامل على كافة المستويات في أنحاء الشرق الأوسط؛ عُقد في العاصمة الأميركية واشنطن، الخميس الماضي الحوار الاستراتيجي الثالث، بين البلدين، في خطوة فتحت الباب على تساؤلات حول جدوى وأهمية هذا الحوار بالنسبة للبلدين.

الحوار ترأسه وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف الزياني، والأميركي أنتوني بلينكن، وأكد خلاله الأخير على تطلع بلاده لمواصلة العمل في إطار “منتدى النقب” والتعاون المشترك فيه، إلى جانب مواصلة تلك العملية التي يمكن بطريقة عملية للغاية أن تعمق وتعزز التكامل في جميع أنحاء المنطقة، لافتا إلى أنها قد تكون مصدراً قويا للأمن والاستقرار والازدهار لجميع شعوب المنطقة.

يشار إلى أن، “منتدى النقب” كان قد انعقد عام 2022، في إسرائيل، بحضور وزراء خارجية البحرين ومصر والإمارات والمغرب، وكان يهدف إلى “إظهار جبهة سياسية وأمنية موحّدة ضد إيران”.

شراكة أميركية بحرينية استراتيجية

بلينكن كان قد أشار إلى أن مملكة البحرين تُعد حليفا وشريكا قديما للولايات المتحدة الأميركية، مؤكدا أن انعقاد الحوار الاستراتيجي دليل على أهمية العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية والبحرين، والرغبة في تعميق وتوسيع التعاون في مجموعة كاملة من المجالات، لافتا إلى أن البلدين يقفان معا بقوة من أجل الأمن في الخليج، ويعملان بتنسيق وثيق بشأن سلسلة من التحديات الإقليمية.

من جهته، لفت وزير الخارجية البحريني، خلال حديثه إلى أهمية العمل المشترك بين البلدين في معالجة القضايا الإقليمية والعالمية، من الأمن إلى الازدهار الاقتصادي، وكذلك احتضان التعايش ومكافحة التطرف، مؤكدا أن الجانبين يدركان القيمة الدائمة للشراكة بين البلدين وإمكانياتها للتعاون في المستقبل.

طبيعة الحوار الاستراتيجي المفتوحة والملموسة بين الطرفين، تعكس الصداقة والتحالف الأمني بين الولايات المتحدة والبحرين منذ عقود، فقد أشارت المحادثات إلى أهمية القيم المشتركة، بما في ذلك احترام مبدأ سيادة الدول والقانون الدولي المنصوص عليه في ميثاق “الأمم المتحدة” وضرورة عدم توجيه أي تهديدات أو استخدام القوة ضد حدود أي دولة أو سلامة أراضيها أو استقلالها السياسي.

إلى ذلك، كان الجانبان الأميركي والبحريني قد أكدا، الالتزام بتعزيز التعاون الإقليمي ضمن مجموعات عمل “منتدى النقب”، ولا سيما مجموعات العمل المعنية بالأمن والصحة الإقليمية التي ترأسها مملكة البحرين والولايات المتحدة الأمريكية، في حين يبني الاتفاق الإبراهيمي على التقدم المستمر في البحرين في مجال حماية الحريات الدينية وتعزيز مجتمع متعدد الثقافات.

حول ذلك يقول خبير العلاقات الدولية عمر عبد الستار في حديث مع موقع “الحل نت”، “باختصار شديد، الولايات المتحدة تجري حوارات استراتيجية مع كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي، ومن ضمنها البحرين”، مردفا أن تلك الحوارات بدأت منذ الأربعينيات وتعززت في التسعينيات.

عبد الستار يردف، أن هذه المنطقة -منطقة دول مجلس التعاون الخليجي- خارجة عن نطاق التفاوض أو الصراع الدولي، لذلك لا أحد يستطيع أن ينافس الولايات المتحدة عليها أو على بوصلتها السياسية.

إعادة رسم للعلاقات الأميركية

بحسب خبير العلاقات الدولية، الآن هناك حقبة جديدة والولايات المتحدة تعرفها. هناك تركيز أميركي على الروس والصين، ودول “مجلس التعاون الخليجي” ترى أن سياسة الرئيس الأميركي جو بايدن، مع إيران لا تتفق مع أولوياتها في هذا الموضوع، وهو ما أرادت الأخيرة إعادة رسمه بما يتوافق مع رغبة شركائها.

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف الزياني/ إنترنت + وكالات

مع ذلك يبقى الحفاظ على استقرار هذه المنطقة أمر ضروري جداً كجزء من الحفاظ على أمن دول “مجلس التعاون الخليجي” من عدم الاستقرار، على حد قول عبد الستار.

لذا فإن العلاقة الخليجية الأميركية، وفقا للخبير الدولي منضبطة أمنيا، لكن الحقيقة أن الولايات المتحدة مشغولة بأمور خارج المنطقة، وعلى دول المنطقة الحفاظ على الاستقرار إلى إشعار آخر، ومن هنا جاء اتفاق الصلح السعودي الإيراني.

بالتالي إن هذا الحوار الاستراتيجي بين البلدين يأتي ضمن مجريات التغيرات الإقليمية والدولية التي تشهدها الساحة العالمية، وهو ما تريد البحرين وأميركا الإشارة إليه بأنه غير كاف للتأثير على مسار شراكتهما، وهو ما يعزز من مصالح البلدين ويرسخ حجم التبادلات الاقتصادية.

البحرين وأميركا، تربطهما علاقات صداقة تاريخية ووثيقة، كما أن بينهما شراكة استراتيجية تقوم على أساسها صداقة البلدين، وهو ما تطرق إليه الحوار الاستراتيجي وإلى سُبل تنمية وتطوير التعاون المشترك في كافة المجالات التي تخدم المصالح المتبادلة وتسهم في الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة.

كل ذلك يأتي ليؤكد عمق العلاقات التي ساهمت بشكل كبير في تنشيط التبادلات التجارية بين البلدين، والتي وصل حجمها إلى ما يقارب من 10 مليارات دولار خلال الخمس سنوات الماضية، وما يقارب من 25 مليار دولار خلال الخمس عشر سنة الماضية.

حجم العلاقات الأميركية البحرينية

إذ ارتفع التبادل التجاري بين الدولتين بعد توقيع اتفاقية التجارة الحرة من 400 مليون دولار في العام 2006 إلى ما يقارب من 2.6 مليار دولار في العام 2016، في حين لم ينخفض التبادل التجاري عن المليار سنويا منذ توقيع الاتفاقية.

البحرين والولايات المتحدة الأميركية يؤكدان على العلاقات الاستراتيجية بينهما/ إنترنت + وكالات

فعلى هذا الأساس، قد استثمرت الولايات المتحدة أكثر من 570 مليون دولار في البحرين خلال العام 2020، في حين استثمرت البحرين 365 مليون دولار في الولايات المتحدة خلال العام العام 2020، وجاء ذلك ضمن أهم بنود الاتفاقية بين البلدين التي أكدت على إزالة جميع الحواجز الجمركية وغير الجمركية أمام التجارة، وهذا من شأنه أن يقلل من أعباء تكلفة التصدير ويزيد من القدرة التنافسية لمنتجات البحرين في الأسواق الأميركية، وبالعكس.

بالعودة إلى مجريات الحوار الاستراتيجي، فقد بحث أوجه التعاون السياسي والاقتصادي والأمني والثقافي بين البلدين، وسبل تطويرها وتنميتها بما يعود بالخير والنفع على البلدين والشعبين الصديقين، كما استعرضا نتائج اجتماعات فرق العمل المشتركة، للتعاون السياسي، والتنسيق الأمني، والتجارة والاستثمار، والتعليم والثقافة.

في السياق، قالت الوكالة البحرينية إن الاجتماع بحث الجهود المشتركة في مجال الأمن الإقليمي والأمن البحري ومواجهة التهديدات الناشئة والأخطار عبر الوطنية من خلال مبادرات جديدة لتوسيع المساعدة والتدريب في مجالات مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني وبرامج أمن الحدود والتعاون في إنفاذ القانون.

الجدير بالذكر، أن الحوار الاستراتيجي بين المنامة وواشنطن انطلق في ديسمبر 2020، بهدف تعزيز مجالات التعاون ذات الأولوية الشاملة لتعزيز الازدهار من خلال التجارة والاستثمار، وتعزيز الأمن المتبادل، وبناء التفاهم من خلال التبادلات بين الشعبين في مجالات التعليم والثقافة والعلوم والبيئة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات