تتصاعد الأحداث في شمال سوريا، حيث لم تنتهِ صرخات المدنيين النازحين وأفواج المهجرين الذين يتشبثون بآمال العودة إلى ديارهم، ولكن هناك عقبات ضخمة تعترض طريقهم. إنهم يواجهون واقعا مريرا، حيث تحاصرهم الممارسات غير القانونية التي تقوم بها فصائل المعارضة المدعومة من تركيا في منطقة عفرين.

تقرير جديد صادر عن منظمة “بيل- الأمواج” المدنية يكشف عن الانتهاكات الفادحة لحقوق الإنسان التي تُرتكب ضد السكان الأصليين في هذه المنطقة المنكوبة. بدأت هذه الانتهاكات بعملية “غصن الزيتون” العسكرية في عام 2018 وما زالت مستمرة حتى الآن. 

حسب التقارير الدورية للجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسوريا، تُعتبر الانتهاكات المتعلقة بحقوق السكن والأراضي والملكية هي الأكثر بروزا في هذه المنطقة، حيث تروي شهادات 90 شخصا من السكان المحليين الذين تعرضت ممتلكاتهم للسلب أو التدمير على يد فصائل المعارضة السورية والقوات التركية.

بينما يتجاذب العالم الأحداث والتقارير الدامية، يبقى السؤال المحوري، هل سيعود هؤلاء المهجّرين إلى ديارهم، وهل ستُمكّنهم الظروف الراهنة من تحقيق حلم العودة وإعادة بناء حياتهم المهدمة.

منهجية تغيير ديموغرافي

حق العودة إلى الديار الأصلية هو حق أساسي لكل إنسان، وهو ما يجب أن يحظى بالاحترام والحماية، خاصة في ظل النزاعات المستمرة والمخاطر التي تواجه المهجّرين من القومية الكردية. إذ إن الاستقرار المستدام وتحقيق السلام يتطلب منح الفرصة لهؤلاء النازحين للعودة وبناء مستقبل جديد في أوطانهم.

تُعتبر الانتهاكات المتعلقة بحقوق السكن والأراضي والملكية هي الأكثر بروزا في عفرين - إنترنت
تُعتبر الانتهاكات المتعلقة بحقوق السكن والأراضي والملكية هي الأكثر بروزا في عفرين – إنترنت

التقرير الذي وصل لـ “الحل نت” نسخة منه، كشف عن جرائم غير إنسانية وانتهاكات صارخة يتعرض لها السكان الأصليون في منطقة عفرين. الأرقام والشهادات التي تم جمعها من 30 امرأة و60 رجلا أصدرت تحذيرا قويا حول أبعاد هذه الجرائم المروعة. 

هذه الاعتداءات تتمثل في استهداف وتدمير ممتلكات الأفراد الأبرياء الذين لم يشاركوا في أعمال القتال، إضافة إلى سرقة منازلهم وممتلكاتهم بشكل تعسفي ونهب محتوياتها. وليس هذا فقط، بل تتعدى هذه الجرائم لتشمل ممتلكات المدنيين من الأراضي الزراعية والمواشي والأشجار المثمرة وحتى محاصيلهم الزراعية.

مع كل هذه المأساة، يظهر في المقابلات عدم اكتراث قوى الأمر الواقع بحقوق الضحايا، وتلك المخاوف المضاعفة التي يعيشها النازحون وأصحاب الممتلكات المنهوبة إذا ما فكّروا في تقديم شكوى أو محاولة استعادة ممتلكاتهم. 

كما يتجلى هذا الخوف والتهديد بشكل واضح في حالة ارتباط المنتهكين بفصائل المعارضة المدعومة من تركيا، وتتزايد المخاوف عندما ينتمي الضحايا إلى القومية الكردية ويفتقر لوجود قوة عسكرية تحميهم. حيث يتم اتهام هؤلاء الضحايا بأنهم ينتمون لـ “الإدارة الذاتية” أو مؤيدون لها، مما يضعهم في وضع مأساوي ومنسي من قبل السلطات والمنظمات الدولية.

أنماط الانتهاكات في عفرين

التقرير يلقي الضوء على الظلم والقهر الذي يعيشه السكان الأصليون في منطقة عفرين منذ عام 2018، ويكشف عن الجرائم المروعة التي يتعرضون لها بشكل يومي. وفي ظل عدم وجود قوى عادلة تحمي حقوقهم، يظل المستقبل غير واضح والعودة إلى ديارهم أمرٌ شبه مستحيل. 

إفادات الشهود والشهادات المثبتة تظهر غياب العدالة والقانون في منطقة عفرين - إنترنت
إفادات الشهود والشهادات المثبتة تظهر غياب العدالة والقانون في منطقة عفرين – إنترنت

إفادات الشهود والشهادات المثبتة تظهر غياب العدالة والقانون في منطقة عفرين، حيث يعيش السكان الباقون في المنطقة في جوّ من الخوف المستمر. وعائلات الضحايا يخشون تلقي اتصال هاتفي من أقاربهم يخبرونهم عن تفقد بيوتهم وأراضيهم المنهوبة. 

بالإضافة إلى ذلك، يعاني السكان من عدم وجود حلول محلية فعالة لحماية حقوقهم أو إعادة العدالة إليهم. والانتهاكات التي يتعرضون لها تؤثر على نفسيتهم وتدفعهم إلى اتخاذ قرارات صعبة بالنزوح قسرا من منازلهم، ونادرا ما يعودون مرة أخرى.

بالرغم من أن العديد من عمليات التدمير والنهب والاستيلاء حدثت بشكل واسع النطاق بعد السيطرة العسكرية التركية على عفرين والأشهر التي تلتها، إلا أن هذه الجرائم لم تتوقف أبدا. بل أظهرت التحقيقات أنها تزداد منهجية دون أي صلة بأي عمليات عسكرية جارية. 

بالأخص، شهدت الأراضي الزراعية انتهاكات خطيرة تمثلت في استيلاء الفصائل على محاصيل الأهالي وتقاسم أرباحها. حيث أصبح الأهالي يعملون كفلاحين مياومين في أراضيهم بينما تستولي الفصائل على محاصيلهم وتحصد أرباحها.

شمال سوريا بلا حلول فعالة

وبينما واجهت 47 حالة صعوبة بمعرفة اسم الفصيل الذي استولى على أملاكه. إلا أنّ القسم الآخر من الشهود والضحايا تمكّن من تحديد الجهة المسؤولة عن الانتهاك، إضافة للطيران التركي، في الأعداد التالية من الحالات كما ذكرها الشهود، “فرقة الحمزة” في 10 حالات، “أحرار الشرقية” في 7 حالات، “الجبهة الشامية” في 6 حالات، “الجيش التركي” في 5 حالات، “أحرار الشام” في 3 حالات، “الشرطة العسكرية” في 3 حالات، “فرقة السلطان سليمان شاه” في 3 حالات،”فيلق الشام” في حالتين، “لواء السلطان مراد” في حالتين، “الجيش الوطني السوري” في حالتين، “الشعيطات” في حالة واحدة، “صقور الشمال” في حالة واحدة، “لواء المعتصم” في حالة واحدة، و”ثوار حماة” في حالة واحدة.

يعاني السكان من عدم وجود حلول محلية فعالة لحماية حقوقهم - إنترنت
يعاني السكان من عدم وجود حلول محلية فعالة لحماية حقوقهم – إنترنت

أما في الحالات المتبقية التي تم توثيقها قال الضحايا إن الجهات الفاعلة التي قامت بالانتهاك هي فصائل من “الجيش الحر” أو “المرتزقة” من القوات “التابعة لتركيا” على حد تعبيرهم، ولكنّهم لم يتمكنوا من تحديد اسم الفصيل بالضبط.

منذ سيطرة أنقرة والفصائل الموالية لها على منطقة عفرين وعلى مدار خمس سنوات، أكدت التقارير الحقوقية الصادرة عن جهات أممية وسورية تعرض سكان المنطقة الأبرياء لانتهاكات جسيمة وممنهجة تميزت بتمييز على أساس الخلفية الإثنية والدينية والانتماءات السياسية المختلفة. 

هذه الانتهاكات تنوعت وتضمنت أعمال النهب والاستيلاء المتكررة على الممتلكات المدنية، فضلا عن عمليات التهجير القسري للسكان المدنيين وإجبارهم على مغادرة منازلهم بواسطة التهديد والابتزاز وحتى القتل والاختطاف والتعذيب والاحتجاز.

تُعد هذه الانتهاكات الجسيمة بمثابة جرائم ضد الإنسانية وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان الأساسية للمدنيين المسالمين في المنطقة. إن التنظيم الممنهج لهذه الانتهاكات وتكرارها يجعلها أكثر خطورة وتأثيرا على السكان المحليين الذين يواجهون حياة مروعة وغير آمنة يومياً، فضلا عن أن هذا الوضع يؤثر على حق العودة والاستقرار في المنطقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات