في رحلة مليئة بالتحديات والتناقضات، إلى أرض الأحداث الحالية في سوريا، يبدو أن قطار ضريبة القيمة المضافة المعروفة باختصار “في آي تي” قد وصل أخيرا إلى البلد المضطرب اقتصاديا بسبب ممارسة الحكومات المتعاقبة.

الاستماع إلى التقارير التي تشير إلى إنشاء لجنة خاصة لدراسة فرض ضريبة القيمة المضافة في سوريا، تبدو في بادئ الأمر أنها فكرة طريفة بربط تلك الخطوة بالأوضاع الاقتصادية محليا بدول الخليج ذات الثروات الكبيرة والرفاهية العالية. حيث تثير تساؤلات عن إمكانية أن نرى قيودا مشابهة تُفرض على البضائع والخدمات في سوريا، تُشابه ما يحدث في عمق الصحراء الخليجية، خصوصا أن الصورة غير مألوفة تماما لمحبي التناقض والاقتصادي الهزلي.

في السنوات الأخيرة، أقرت دول الخليج ضريبة القيمة المضافة كجزء من إصلاحات اقتصادية تنوي اعتمادها على المدخرات النفطية. وهذا يهدف إلى توسيع قاعدة الإيرادات المالية للدولة وتحقيق الاستقلال المالي وتعزيز الاستدامة الاقتصادية. بفضل هذه الضريبة، تحصل الحكومات على دخل إضافي يمكن استخدامه لتمويل الخدمات العامة والمشاريع التنموية.

فكرة فرض ضريبة القيمة المضافة في سوريا تحمل الكثير من التعقيدات والتحديات، وهي ليست خطوة يمكن الاستهانة بها. فهي تتطلب هيكل إداري دقيق، ومُحدّدات مالية قوية، وطرق تطبيق مُحكمة، لا سيما أن سوريا تعاني من أوضاع اقتصادية صعبة ومعقدة، وهي بحاجة ماسة إلى دعم الواردات لتلبية احتياجاتها الوطنية. ففرض ضريبة إضافية على المواطنين والشركات قد يجعل الأمور أكثر صعوبة بالنسبة لهم. إلا أنها فكرة أشبه بالحصان الذي تسعى الحكومة للركوب عليه في زمن الجفاف.

مهمة ولكن تطبيقها بشروط

مؤخرا تداولت وسائل إعلامية محلية، عن مصادر في الحكومة السورية، معلومات تفيد بتشكيل لجنة برئاسة وزير المالية تضم فنيين وأكاديميين تدرس إمكانية تطبيق ضريبة القيمة المضافة في العام القادم. وأن هذه الضريبة تعتمد على مراحل عدة، مشيرين إلى ضرورة وجود نظام الفوترة لتطبيقها، باعتبارها عملية تسلسلية.

سوريا التي ربما استوردت النظام الضريبي الجديد بعد إنهاء عزلتها مع دول الخليج العربي - إنترنت
سوريا التي ربما استوردت النظام الضريبي الجديد بعد إنهاء عزلتها مع دول الخليج العربي – إنترنت

لتوضيح فكرة هذا النوع من الضرائب، فإن أي شحنة من البرادات تم استيرادها إلى البلاد،  سيستدعي دفع قيمة مضافة بنسبة معينة، بالإضافة إلى الرسوم الجمركية. فعندما يقوم بائع الجملة بشراء هذه البرادات، سيقوم المستورد بإضافة القيمة المضافة إلى سعر الجملة أيضا. ثم يقوم بائع الجملة بإضافة القيمة المضافة عند بيع البرادات لتاجر التجزئة. وأخيرا، سيتحمل المستهلك جميع القيم المضافة في النهاية، وسيكون عليه دفعها عند شرائه للبراد.

من خلال هذا المثال، يلاحظ كيف تتراكم القيمة المضافة بشكل تدريجي على مراحل البيع المختلفة حتى تصل إلى المستهلك النهائي. وبالتالي، فإن المستهلك يدفع الجزء الأكبر من الضريبة، مما يؤثر على تكلفة المنتج النهائية. وهكذا، تُعد ضريبة القيمة المضافة نظاما تسلسليا يمكن أن يؤثر بشكل كبير على الإقتصاد وحياة المواطنين.

الضرائب، خاصة ضريبة القيمة المضافة تحتل مكانا بارزا في الدراسات المالية الحديثة بحكم كونها أهم مصدر للإيرادات العامة التي تعتمد عليها الدولة لمواجهة نفقاتها المتزايدة في الاقتصاديات المعاصرة، هذا بجانب دورها في علاج بعض الاختلالات الهيكلية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي. 

بالرغم من وجود درجات ملموسة من التباين بين الدول النامية مثل سوريا فيما يتعلق بهياكلها وفلسفتها الاقتصادية والمالية والاجتماعية وانعكاس ذلك على نظمها الضريبية، إلا أن الحصيلة الضريبية لضريبة القيمة المضافة ستشكّل أهم مورد من الموارد السيادية التي تستخدم في تمويل عجز الموازنة العامة.

في سوريا التي ربما استوردت النظام الضريبي الجديد بعد إنهاء عزلتها مع دول الخليج العربي، تتمثل المشكلة في وجود عجز هيكلي، حيث يتطلب هذا الاتجاه إلى عمل مجموعة من الإصلاحات المالية والضريبية، وتعبئة الإيرادات المحلية لتخفيض عجز الموازنة،وإن كانت ضريبة القيمة المضافة تمثل علاجا لهذا العجز؛ إلا إنها قد تؤثر سلبا على النشاط الاقتصادي؛ الأمر الذي ينتج عنه انخفاض الدخل القومي مما يؤثر سلبا على الإيرادات العامة وبالتالي عجز الموازنة.

الفساد والأجور

الفساد الناجم عن تدني الأجور هو أمر يستحق الاهتمام والبحث الجاد لإيجاد حلّ فعّال. فعلى الرغم من أن تطبيق ضريبة القيمة المضافة يُعد خطوة محتملة للتغلب على عجز الموازنة العامة، إلا أنه يترتب عليه آثار سلبية تستدعي الحذر.

ضرورة زيادة حجم الرواتب والأجور بالنسبة للدخل القومي، لتصل إلى مستوى الدول المتقدمة - إنترنت
ضرورة زيادة حجم الرواتب والأجور بالنسبة للدخل القومي، لتصل إلى مستوى الدول المتقدمة – إنترنت

عند تطبيق ضريبة القيمة المضافة في المراحل الأولى، قد يتسبب ذلك في ارتفاع معدل التضخم إذا لم يتم تحديد معدلات مناسبة ومتوافقة مع المستوى الاقتصادي للدولة. وهذا الارتفاع في التضخم قد يؤدي في النهاية إلى زيادة عجز الموازنة العامة، مما يعقّد الوضع الاقتصادي ويؤثر سلبا على معيشة المواطنين.

علاوة على ذلك، يمكن أن تؤدي الضريبة إلى تراجع في النشاط الاقتصادي خاصة في المراحل الأولى لتطبيقها، حيث يتأثر قطاع الأعمال والشركات بزيادة تكاليف الإنتاج والتوزيع. وبدوره، يمكن أن ينتج عن ذلك انخفاض في الاستثمار والنمو الاقتصادي، ما قد يؤثر سلبا على فرص العمل وحياة العاملين.

الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة “دمشق”، علي كنعان، ذكر في تصريح لموقع “هاشتاغ” المحلي، بأنه من الصعوبة بمكان تطبيق هذه الضريبة في سوريا إلا بتوافر شروط عديدة، وأول هذه الشروط ضرورة زيادة حجم الرواتب والأجور بالنسبة للدخل القومي، لتصل إلى مستوى الدول المتقدمة.

ما يشير إليه كنعان، هو ما بين 50 إلى 60 بالمئة، في حين أن الرواتب والأجور حاليا تشكل 10 بالمئة نسبة إلى الدخل القومي، أما في البلدان النامية فتصل نسبة الأجور فيها إلى 25 بالمئة نسبة إلى الدخل القومي.

لذلك، عدم دراسة تطبيق ضريبة القيمة المضافة بعناية وإحكام، فإن فرضها لن يراعي المستوى الاقتصادي والاجتماعي للدولة، وتحديد معدلات مناسبة للضريبة تساهم في تحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي، وبالتالي ستضر بالنشاط الاقتصادي العام وحياة المواطنين.

سوق العقارات إلى ركود

في صدمة جديدة للمواطن، أصدرت “الهيئة العامة للضرائب والرسوم”، المرسوم 15 لعام 2021 والمتضمن قانون البيوع العقارية وبموجب المرسوم يتم احتساب رسم وقدره 1 بالمئة من قيمة العقار السكني والتجاري 3 بالمئة، ورفعت الأحد الفائت القيمة الرائجة لكل شقة بنسبة 70 بالمئة وحتى 100 بالمئة.

التحديات التي يمكن أن تواجهها الدولة السورية في تنفيذها كبيرة كالركود في أسواق العقارات - إنترنت
التحديات التي يمكن أن تواجهها الدولة السورية في تنفيذها كبيرة كالركود في أسواق العقارات – إنترنت

هذه الزيادة الثانية في العام الجاري حيث تم رفع القيمة الرائجة في كانون الثاني/يناير الفائت، ما يطرح تساؤلا حول أن هذه القيم الرائجة مطابقة للواقع والأسعار المحتسبة، وهل تمت بموجب دراسات منطقية تراعي السوق المتوقف بسبب الظروف الراهنة.

دراسة للخبير الاقتصادي، عابد فضيلة، نشرت عام 2010 ذكر أن اللجوء إلى تطبيق الضريبة على القيمة المضافة کان الخيار الأمثل الذي لجأت إليه السلطات الضريبية في سوريا كخيار لتعويض نقص الموارد في الخزينة العامة للدولة، وعلاج العجز المتزايد المتوقع في الموازنة العامة للدولة بسبب إلغاء الرسوم الجمركية على الواردات من الدول العربية، والرسوم المتوقع إلغاؤها في حال دخول اتفاقية الشراكة السورية الأوروبية حيز التنفيذ والانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.

أيضا استنتج فضيلة أن ضعف آلية تحصيل الضريبة على القيمة المضافة في سوريا، سيؤدي إلى عدم فعاليتها وسيقلّل من أهمية الضرائب كمورد مالي للخزينة العامة للدولة، ومن ثم من فعاليتها كأداة من أدوات السياسة المالية.        

على الرغم من أهمية هذه الضريبة في دول ذات ثروات سيادية وتعيش أوضاعا اقتصادية مستقرة، إلا أن التحديات التي يمكن أن تواجهها الدولة السورية في تنفيذها كبيرة كالركود في أسواق العقارات، أو أنها ستسعى إلى تطبيق النظام دون النظر في عواقبه.

بناء على وجهة نظر كنعان، فإن أصرت الحكومة بتطبيق النظام الضريبي الجديد، يفضل البدء بمستويات متدنية جدا، مثل نصف بالمئة إلى 1 بالمئة فقط. وهذا يسمح للجميع، بما في ذلك التجار والصناعيين والجمارك، بالتدريب عليها والتأقلم مع هذا النظام الجديد. وبعد ذلك، يمكن التحرك تدريجيا نحو معدلات أعلى، ولكن بشرط زيادة الدخول بنسبة تتناسب مع الدخل القومي، بحيث لا يتعرض المستهلك لأعباء زائدة.

هذا النهج التدريجي يمكن أن يساهم في تخفيف ضغوط تطبيق الضريبة على الاقتصاد والمجتمع في البداية، مما يتيح الفرصة للجميع للتأقلم والتحضير لتطبيق معدلات أعلى في المستقبل. كما يعكس النهج المتدرج مرونة وحكمة في التعامل مع الوضع الاقتصادي الحالي.

بالتأكيد، تطبيق ضريبة القيمة المضافة يُعد تحديا يحتاج إلى تخطيط دقيق وتحليل شامل لتأثيراتها المحتملة. وإن كانت هذه الفكرة قد تُقدّم كحل لمشاكل العجز المالي، إلا أن اقترحاها بناء على نظام ضريبي شائع متّبع في دول أخرى كالخليج قد ينقل البلاد إلى هاوية أخرى.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات