على الرغم من أن العديد من الأحداث الدولية تستحوذ على اهتمام الرأي العام العالمي، إلا أن هناك حادثة أثارت الفضول والتكهنات حولها بشدة. إنها إقالة وزير الخارجية الصيني السابق تشين غانغ، والتي لم تحدث دويها فقط داخل الصين بل في كل أنحاء العالم.

في حادثة غير مسبوقة، أُقيل تشين غانغ، بشكل مفاجئ ودون تفسير رسمي من الحكومة الصينية. وبالرغم من كونه نجما صاعدا للحزب “الشيوعي” الصيني، وكان في قلب عملية دبلوماسية مهمة بين واشنطن وبكين قبل أسابيع قليلة، فإن هذا القرار أثار التكهنات حول الدوافع والتداعيات الكامنة وراء تلك الإقالة.

المخاوف بدأت تتزايد بعد أن أعلنت وكالة “شينخوا” الصينية، إقالة تشين غانغ، وتعيين وانغ يي، خلفا له. لكن لا تزال الأسباب والتفاصيل محاطة بالغموض، مما يجعل الأوضاع أكثر تعقيدا وجدلا. خصوصا أن توقيت هذه الإقالة يثير الشكوك بشأن اضطراب داخلي في السياسة الخارجية الصينية، ويفتح الأبواب أمام الكثير من التساؤلات حول ما يحدث خلف الكواليس.

ما قصة وزير الخارجية الصيني السابق “تشين”؟

بعد أن اختفى تشين غانغ، وزير الخارجية الصيني، لما يقرب من شهر، قررت اللجنة الدائمة للهيئة التشريعية الصينية خلال جلسة عُقدت على عجل، إقالته من منصبه بشكل مفاجئ. وكان هذا القرار غير عادي حيث عُيّن وانغ يي، الوزير السابق للخارجية وكبير الدبلوماسيين الصينيين، ليتولى منصبه مجددا، بعدما تخلى عنه أواخر العام الماضي.

غموض يحيط باختفاء وزير الخارجية الصيني تشين غانغ - إنترنت
غموض يحيط باختفاء وزير الخارجية الصيني تشين غانغ – إنترنت

لم يظهر تشين علنا منذ لقائه بمسؤولين روسيين وسريلانكيين وفيتناميين زائرين في 25 يونيو/حزيران الفائت. ومنذ ذلك الحين، غاب عن سلسلة من الاجتماعات الدبلوماسية الهامة داخل الصين وعلى المستوى الدولي، بما في ذلك اجتماع رابطة دول جنوب شرق آسيا “آسيان” في جاكرتا، في وقت سابق من هذا الشهر.

على الرغم من أن الصين زعمت في وقت سابق أن غياب تشين، يرجع إلى أسباب صحية، إلا أنها لم توضح بشكل كامل سبب اختفائه من جدول الشؤون الخارجية. ويرجّح أن تكون الظروف غامضة حول اختفاء الوزير السابق قد أثارت التساؤلات حول دوافع هذه الإقالة، خاصة وأنه كان ضمن عملية دبلوماسية مهمة بين الصين والولايات المتحدة قبل فترة قصيرة.

بعد دخوله السلك الدبلوماسي، تولى تشين مجموعة من المناصب الهامة في وزارة الخارجية وسفارة الصين في بريطانيا. وعام 2021، تم تعيينه سفيرا لبكين في واشنطن بعد تقلّده عدة مناصب أخرى كمتحدث باسم وزارة الخارجية ورئيس للبروتوكول. كما أشرف على تفاعلات هامة للرئيس شي، مع القادة الأجانب.

بصورة مفاجئة وسريعة، حصل تشين غانغ، والذي يبلغ 57 عاما على ترقية ليصبح وزيرا للخارجية في نهاية العام الماضي بعد انضمامه إلى اللجنة المركزية للحزب “الشيوعي”. وكانت تلك الترقية مفاجأة لمراقبي النخبة السياسية في الصين حيث كان من بين أصغر المسؤولين الذين شغلوا هذا المنصب. ويُعتبر تعيينه إشارة لثقة الرئيس شي، في قدراته الدبلوماسية، حسب ما ذكرته شبكة “سي إن إن” الأميركية.

في مقابلة سابقة مع شبكة “سي إن إن”، صرح دينغ يووين، المحرر السابق لصحيفة الحزب “الشيوعي” الحاكم، والذي يعيش الآن في الولايات المتحدة، بأن أي مشكلات تواجه تشين قد تنعكس بشكل سيء على الرئيس شي، مما يدل على أن الرئيس الصيني قد فشل في اختيار الشخص المناسب لهذه الوظيفة.

أضاف أنه إذا حدث أي شيء غير عادي بالنسبة لمسؤول كبير مثل وزير الخارجية، فإنه قد يثير تساؤلات حول استقرار العلاقات السياسية بينه وبين الزعيم الأعلى.

دينغ يووين، المحرر السابق لصحيفة الحزب “الشيوعي” الحاكم

في أحدث تطور الغموض المحيط باختفاء تشين غانغ، شهد موقع وزارة الخارجية الصينية حذف ملف تعريفه من الإنترنت مساء الثلاثاء الفائت. وفي وقت سابق من ذلك اليوم، كانت الصفحة تحمل صورته ورسالة ترحيب به، لكنها أُستبدلت فيما بعد برسالة تشير إلى “تحديث المعلومات”.

اضطراب داخلي في بكين

هذه الإقالة بحسب حديث الخبير في سياسية الحزب “الشيوعي” الصيني، تيموثي تشيك، لـ”الحل نت”، تأتي في ضوء فترة دبلوماسية حرجة ومهمة للصين، حيث خرجت من عزلتها الناجمة عن جائحة “كوفيد-19” في وقت سابق من هذا العام. كما تسعى بكين جاهدة لتحسين علاقاتها المتوترة مع الشركاء الدوليين. 

تعيين وانغ يي خلفا لوزير الخارجية الصيني السابق - إنترنت
تعيين وانغ يي خلفا لوزير الخارجية الصيني السابق – إنترنت

كان تشين يلعب دورا بارزا في جهود الولايات المتحدة والصين لاستعادة الاتصال بعضهما ببعض، بما في ذلك اجتماعه مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في 18 حزيران/يونيو الفائت، خلال زيارته لبكين.

طبقا لخبرات تشيك، فإن الحزب “الشيوعي” الحاكم، معتادٌ على اختفاء كبار المسؤولين الصينيين عن الأنظار لعدة شهور، وعادة ما تكشف هيئة الرقابة التأديبية التابعة للحزب الحاكم عن أنهم احتُجزوا للتحقيق. حيث أصبحت حالات الاختفاء المفاجئة هذه سمة شائعة في حملة شي لمكافحة الفساد.

بموجب نظام الحزب “الشيوعي” الصيني الحاكم، تُصاغ السياسة الخارجية للبلاد من قبل مسؤول رفيع المستوى، ثم يُوجه وزير الخارجية بتنفيذها. ويعود وانغ يي، إلى المنصب الذي شغله بين عامي 2018 و2022. وهو حاليا في جنوب إفريقيا لحضور اجتماع للأمن القومي لدول “البريكس”.

صعود تشين السريع في الرتب بحسب تشيك، يعكس المخاطر التي تأتي مع “سياسة الرجل الواحد” التي يتبناها شي، حيث لم يعد يتم تحديد تعيينات الموظفين من خلال عملية مراجعة داخلية قوية. فعملية صنع القرار المركزية لدى شي جين بينغ، عطّلت الضوابط والتوازنات التي كانت موجودة في الحزب “الشيوعي”.

قرار استبدال تشين، بشخصية من ذوي الخبرة مثل وانغ، يعكس رغبة القيادة العليا في الصين لتقليل تأثير التغيير المفاجئ في الموظفين، وفقا لتحليلات تشيك. ففي حين أنه لا يزال من غير الواضح ما يحدث مع تشين، فإن السماح له بالاحتفاظ بوظيفة عضو مجلس الدولة على الأقل في الوقت الحالي؛ قد يكون إشارة إلى أنه قد يكون في مأزق مهنيا ولكنه لم يمت سياسيا بعد.

حل سريع لكسب الوقت

وانغ، يُعتبر داخل الحزب “الشيوعي” دبلوماسي محترف يبلغ من العمر 69 عاما ومتحدثا اليابانية بطلاقة، حيث ترأس سابقًا مكتب شؤون تايوان في الصين لمدة خمس سنوات وشغل منصب سفير الصين في طوكيو من 2004 إلى 2007.

كان تشين يلعب دورا بارزا في جهود الولايات المتحدة والصين لاستعادة الاتصال بعضهما ببعض - إنترنت
كان تشين يلعب دورا بارزا في جهود الولايات المتحدة والصين لاستعادة الاتصال بعضهما ببعض – إنترنت

حاليا يشغل وانغ، الذي تمت ترقيته إلى المكتب السياسي للحزب “الشيوعي” المكون من 24 عضوًا في تشرين الأول /أكتوبر الفائت، منصب مدير اللجنة المركزية للشؤون الخارجية بالحزب، وهي رتبة أعلى من تشين. وهذا يجعله ليس وزير خارجية الصين، بل الدبلوماسي الأعلى في الهيكل السياسي للحزب.

على عكس تشين، يشتهر وانغ بتطويره للدبلوماسية القسرية على غرار “المحاربين الذئب” لبلاده لممارسة الضغط على الدول التي تتحدى بكين. تم عرض هذا في منتدى ثلاثي مع نظرائه في كوريا الجنوبية واليابان في وقت سابق من هذا الشهر، عندما أعرب عن انتقاده لموقف طوكيو وسيول الموالي للغرب وحث الدول الآسيوية على إقامة علاقات أوثق مع بكين.

المحلل السياسي والدبلوماسي الصيني السابق، وو يي، أوضح في حديثه لـ”الحل نت”، أنه عند التعامل مع قضية إقالة وزير الخارجية الصيني تشين غانغ، لا يمكن إغفال أهمية هذا الحدث في سياق السياسة الخارجية للصين وتداعياته على المستقبل. حيث صاحب هذه الحادثة صخب واسع داخليا، مما أدى إلى تكهنات وتساؤلات في الداخل والخارج حول الأسباب والتداعيات الحقيقية لهذا التغيير المفاجئ.

إقالة وزير الخارجية الصيني تشين غانغ، تعني تحولا في اتجاهات السياسة الخارجية للصين. كان تشين يُعتبر نجما صاعدا في الحزب “الشيوعي” الصيني، وتعيينه كوزير للخارجية شهد صعودًا سريعًا في مساره المهني. تسببت إقالته في تكهنات واسعة النطاق حول السياسة الخارجية الجديدة التي ستتبعها الصين وتأثيراتها المتوقعة.

عدم توضيح الصين بشكل كامل سبب اختفاء وإقالة تشين بحسب يي، يزيد من التكهنات والتساؤلات حول دوافع هذا التغيير. وهذا الأمر يُشكل تحديًا على المستوى الدبلوماسي للصين، حيث يمكن أن يتسبب في تأثير على الثقة المحلية والدولية في الصين كشريك دبلوماسي وعضو في المجتمع الدولي.

هذا أيضا ينعكس على التوتر السياسي والمشاكل الداخلية التي قد تكون مرتبطة بهذا القرار. فضلا عن أن تعيين وانغ خلفا لتشين كوزير للخارجية يعني أن هناك شخصية جديدة ستتولى قيادة السياسة الخارجية للصين. ويمكن أن يؤثر هذا التغيير على اتجاهات السياسة الخارجية للصين ومواقفها في القضايا الدولية.

قد تترتب على هذا التغيير تطورات جديدة في السياسة الخارجية الصينية، وربما يؤدي إلى تعديلات في مواقفها حول القضايا العالمية الحالية مثل التجارة والأمن والتغير المناخي. وعلى المستوى الداخلي، من المحتمل أن تحاول الصين اتخاذ خطوات استباقية لتبديد المخاوف المحتملة المرتبطة بإقالة تشين وتوضيح الأسباب الحقيقية والأهداف من هذا القرار.

أهمية هذا الموضوع وتأثيره الذي قد يكون مفصليا في مستقبل السياسة الخارجية الصينية، لا سيما أن هذا الاضطراب الداخلي، سيؤثر ذلك على السياسة الخارجية للصين. فضلا عن أن الإعلان السريع عن أن وزير الخارجية الجديد وغياب الرقابة يجعل الناس يتساءلون عما إذا كانت الشائعات حقيقية حول الصراعات على السلطة والفساد وإساءة استخدام السلطة والمناصب والعلاقات العاطفية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات