أسباب متزايد في الآونة الأخيرة تدفع السوريين إلى الابتعاد عن فكرة مؤسسة الزواج، لعل آخرها تكلفة غرف النوم، وهو ما يُعد سببا جديدا يدفع السوريين للتذكير مرات عديدة قبل اتخاذ قرار الارتباط وتأسيس عائلة. ليس هذا فقط بل التكاليف الكاملة لأثاث المنزل، من تجهيز غرفة النوم إلى الأجهزة الكهربائية، وغرفة الجلوس وإيجار المنزل وليس وصولا إلى المَهر وتكاليف الزفاف وغيرها.

يبدو أن هذه الأساسيات العادية في حياة أي فرد أصبحت أحلاما بالنسبة للسوريين في الداخل، فما بالكم بالكماليات والرفاهيات التي حُرم منها معظم السوريين اليوم نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية بشكل عام في هذا البلد الذي يرغب غالبية سكانه الهروب منه.

غرفة نوم بـ 100 مليون

نحو ذلك، قال عماد ميلانة، صاحب ورشة لتصنيع الأثاث المنزلي و”الموبيليا” إن أرخص غرفة نوم مكونة من “تخت وخزانة وبيرو وكومدينتين” تصل اليوم تقريبا لحدود 7 ملايين، وهي من الخشب التجاري نوع “إم دي إف” وهو سيئ جدا، في حين أغلى غرفة نوم تصل لـ 100 مليون وتكون من خشب الزان ويتم تلبيسه بقشر الجوز والسنديان، والطلب رغم تدنيه يكون على الغرف تجارية التصنيع بالخشب الرديء ذاته، وفق تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية.

غرف النوم تصل لـ 100 مليون ليرة سورية-“إنترنت”

ميلانة، عزا هذا الغلاء لكون المواد الأولية تُستورد وبعدها يتم توزيعها في السوق، مشيرا إلى أنه قبل عام 2011، كان سعر متر الخشب الزان المجفف وهو أفضل أنواع الخشب بـ 30 ألفا، أما اليوم فأصبح المتر من النوع نفسه 9 ملايين، وسعر متر الخشب العادي 3 ملايين، إضافة لارتفاع أسعار باقي مواد التصنيع وأجور الشحن وتكاليف الاستيراد، إضافة لبدائل الكهرباء.

حول الإقبال أو الطلب، أوضح ميلانة أنه ضعيف جدا، ومعظم المواطنين يتّجهون لشراء الأثاث المستعمل، ففي السابق كان الكثير من الناس يغيّرون فرش منازلهم كل سنتين تقريبا أما اليوم فالأغلبية يقومون ببخ الأثاث من دون إدخال تعديلات أخرى، هذا إن قاموا بعملية البخ أصلا.

من جانبه، أوضح أحمد يعقوب وهو يعمل نجار خشب، أن معاناة العمل تكمن في الارتفاع المستمر لجميع المواد الخام المستخدمة في صناعة الأثاث المنزلي. أما عن الأسعار، فكشف يعقوب أن سعر غرفة نوم مؤلفة من سرير وخزانة و”بيرو”، بجودة خفيفة، يتراوح من مليون إلى مليون ونصف المليون ليرة سورية، بينما قبل عدة سنوات فقط كانت تُباع بنصف السعر وقبل عام 2011، كانت تُباع بأقل من ربع هذا السعر بكثير، ويزداد السعر كلما أُضيفت قطعة أثاث للغرفة، وإن كانت مصنّعة من الخشب الزان فتبدأ بـ 50 مليونا.

كما أن تكلفة الأبواب الداخلية من دون قشر اليوم فتبلغ مليون ليرة، والملبّس بـ مليون ونصف المليون، باب السنديان 3 ملايين، و”طقم الكنبايات” يبدأ بـ 5 ملايين ليرة، لأن سعر الإسفنج أيضا يرتفع باستمرار، وطاولة خشب ملبّس زان بـ مليون ونصف المليون.

حول غلاء الأسعار، برّر أمين سر جمعية الحرفيين بدمشق علاء الكردي، بأن سبب ذلك هو الأوضاع الاقتصادية في البلاد وسعر الصرف، مشيرا إلى أن عدد الحرفيين القليل أيضا يعود لوفاة الكثير منهم، فضلا عن ترك العديد لهذه المهنة بسبب التقنين الكهربائي الجائر، لأن ساعة كهرباء واحدة لا تفي بغرض العمل، وأن 80 بالمئة من الحرفيين أغلقوا منشآتهم، إضافة لموضوع الضرائب التي تفرضها “وزارة المالية السورية” من دون قياسها بحجم العمل وساعاته وهو أمر بحاجة لإعادة تقييم. بمعنى أن هذه المهنة باتت غير رائجة كثيرا، ويوجد العديد من شركات الأثاث والتي أسعارها حتما تكون موازية لأسعار الصرف.

يقول العديد من المواطنين إن هذه الأسعار لا تناسب نسبة كبيرة من السوريين، خاصة وأن نسبة الرواتب والأجور متدنية، فليس من المعقول أن يكون راتب الشخص نحو 150 ألف ليرة سورية ويمتلك القدرة في الوقت ذاته على شراء أثاث يكلف أكثر من 100 مليون ليرة سورية.

العزوف عن الزواج

ليس فقط غرفة النوم باتت غالية، وإنما كل مستلزمات البيت، من الأدوات الكهربائية إلى إيجار المنازل وغيرها، فالغسالة من نوع الحافظ “أوتوماتيك” عشرة كيلو، يبلغ سعرها 6 ملايين ليرة سورية، وتقريبا كل الأنواع متساوية في الأسعار، أما البرادات فقد أصدرت “الشركة العامة للصناعات المعدنية بردى” مؤخرا لائحة جديدة بأسعار البرادات ذات التبريد العالي و”الانفيرتر”، ليصل سعر البراد قياس 24 قدم نحو 4 ملايين ليرة سورية.

أما المراوح، فيبلغ سعر المروحة العادية ذات الحجم الصغير 450 ألف ليرة سورية والمتوسطة الحجم 750 ألفا والكبيرة مليون ليرة تقريبا، ونظرا لتقنين الكهرباء انتشرت المراوح التي تعمل على البطارية بالإضافة للكهرباء وتتراوح أسعارها بين 420 ألفا إلى مليون ونصف ليرة بحسب حجمها ونوعها.

 أمّا المكيفات، فيبلغ سعر المكيف 2 طن ماركة “هاي لايف” أكثر من 5 ملايين ليرة سورية، والمكيف 1 طن ماركة “الحافظ” مليوني ونصف ليرة سورية، أما المكيفات التي تدور على العجلات فيبلغ سعرها نحو 3 ملايين تقريبا.

 وبالنسبة لإيجارات المنازل في متساوية تقريبا في جميع المحافظات السورية، لكنها في العاصمة دمشق تصل إلى 4 ملايين ليرة شهريا، ويبدأ إيجار أقل شقة أو منزل بـ 400 ألف ليرة سورية، وفي الأحياء الشعبية تكون أقل.

من الواضح أن الوضع الاقتصادي المتدهور في جميع أنحاء البلاد ينعكس سلبا على جوانب مختلفة من الحياة، مما يدفع الشباب اليوم إلى التفكير مليا في قرار الزواج وتكوين أسرة، خاصة وأن العقبات كثيرة وتزداد يوما بعد يوم، بالإضافة إلى عدم وجود فُرص عمل جيدة.

بالتالي بات الزواج بالنسبة للكثير منهم مجرد حلم لن يتحقق مع استمرار الأزمات في سوريا، وكل يوم تزداد رغبة الشباب في الهجرة إلى الخارج.

تداعيات الأوضاع المعيشية

في سياق متّصل، هواجس ومخاوف جديدة قديمة تطارد السوريين اليوم، حيث لم يعد ارتفاع الأسعار وأزمة الخبز والبنزين أكبر همومهم، فمن ناحية، يتردد الشباب في فكرة الزواج، ومن جهة أخرى، فإن معدل عدم الاستقرار في العلاقات الزوجية آخذ في الازدياد، وكل ذلك نتيجة التدهور الدراماتيكي للظروف المعيشية في البلاد.

الانهيار الاقتصادي في البلاد، زاد من نسبة الطلاق في عمومها، فضلا عن أنه دفع بنسبة كبيرة من الشباب إلى العزوف عن الزواج رغم حصولهم على شهادات جامعية، والتي من المفترض أن تمكّنهم من الحصول على فرص عمل لائقة وتزويدهم بدخل كافٍ للمعيشة، إلا أن التضخم المرتفع والارتفاع المستمر في الأسعار مقابل تآكل الرواتب والأجور أدى إلى حدوث فجوة كبيرة يصعب التغلب عليها.

تقرير لصحيفة “البعث” المحلية، يشير إلى أن الحرب خلال السنوات العشر الماضية ضيّقت الخناق على الشباب السوري وجعلت أحلامه تتلاشى ببناء أسرة، وسط غلاء مستلزمات الزواج وصعوبة تأمين وفتح بيت، بل وحتى استئجاره، فأسعار البيوت خيالية وإيجارها بأرقام غير مسبوقة لا يقدر على تحمّلها العرسان الجدد. لذا لا عجب أن يتحوّل يوم الفرح إلى كارثة مادية تطيح بأحلامهم المستقبلية وتستنفذ نقودهم ومدّخراتهم التي لم تعد لها قيمة أمام انخفاض القيمة الشرائية لليرة.

بالنظر إلى أن ارتفاع سعر الذهب بات من أبرز العوائق أمام الزواج لنسبة كبيرة من الشباب، إلا أنهم اتجهوا لطرق الالتفاف حول هذه العادات، وبالتالي صاروا يستأجرون الذهب للتزيّن به أثناء حفل الزواج ومن ثم استرجاعه للصائغ، وذلك إرضاءً وحفاظاً على العادات والتقاليد المجتمعية السائدة.

من جانب آخر، أوضح عدد من الشبان في تصريحات صحفية سابقة أنهم باتوا مضطرين للاستدانة لشراء المَحبس، حيث يصل سعر أصغر خاتم يزن 3 غرامات إلى قرابة مليوني ليرة سورية، مع أجرة صياغته. كما واشتكى بعض الشبان من تزايد الضغوط عليهم، من جراء تحوّل مهور الزواج “بين ليلة وضحاها” من الليرة السورية إلى الليرة الذهبية، ما يدفع ببعضهم إلى سحب قرض لإكمال مراسم الزواج، أو إزالة فكرة الزواج من رأسهم بالأساس.

كون الذهب يُعد سمة أساسية في الزواج بالنسبة للسوريين، أكد خبراء في علم الاجتماع، أن 60 بالمئة من الشباب السوريين عازفون عن الزواج، بسبب الخوف من المستقبل، بالإضافة إلى الدخل المتدني وارتفاع تكاليف الزواج لأرقام خيالية، فضلا عن عدم وضوح صورة المستقبل لديهم، وعدة عوامل أخرى مثل، عدم وجود مهنة محددة، ذات دخل مستقل، وهذا ما يؤجل الزواج لأجل غير محدد.

على الرغم من أن العديد من العائلات زوجّت بناتها بتكلفة أقل نتيجة لظروف المعيشة السيئة، فقد أشارت إحصائية جديدة لوزارة الشؤون الاجتماعية في الحكومة السورية، إلى أن هناك أكثر من 3 ملايين فتاة عازبة فوق سنّ الثلاثين. النسبة المئوية للفتيات اللاتي بقين في منزل أهاليهم، ومتأخرات في الزواج بسوريا تشكل الـ 70 بالمئة، وفقا للمعايير الاجتماعية المحلية.

نتيجة الأوضاع الاقتصادية الهشّة، ارتفعت معدلات الطلاق بشكل مخيف في سوريا، منذ بداية عام 2011، وزادت النسبة بشكل لافت خلال السنوات الثلاث الأخيرة بسبب سوء الأحوال المعيشية الصعبة التي جعلت ربّ الأسرة عاجزا عن القيام بواجبه تجاه أسرته.

تقرير آخر لذات الصحفية المحلية يقول إن المحاكم في مختلف المحافظات، تغص بدعاوى التفريق، والمؤلم أن الأبناء والأطفال بشكل خاص هم من يدفعون الثمن. في محافظة حماة على سبيل المثال لا الحصر، أفاد مصدر في دائرة نفوس صبورة، أن معدلات الطلاق في العامين الأخيرين وصلت إلى 200 بالمئة، مسجلة ارتفاعا عن الأعوام السابقة بمعدل 60 أو 70 حالة طلاق في العام، وذلك ضمن نطاق الناحية فقط، في الوقت الذي لم تكن تتجاوز في الأعوام السابقة 3 حالات سنويا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات