سوريا تُعد من الدولة الحليفة لدول أعضاء الـ “بريكس” الذين يكافحون من أجل محاربة هيمنة الدولار على حدّ وصفهم، وفرض نظام اقتصادي جديد يكون فيه تحالفهم مهيمنا عليه، إلا أن توجّه دمشق بجدّية نحو “الدولرة” يضعها بمواجهة حلفائها.

السير نحو “الدولرة الصامتة” يُعتبر تحدٍّ صريح من دمشق في مواجهة حلفائها في الـ “بريكس”، فالدولرة ليست مجرد اعتماد عملة أجنبية تُعتمد كبديل للعملة الوطنية في بعض التعاملات التجارية. بل أنها أكثر من ذلك، إنها تدل على أن الدولة المعتمدة للدوار تثق به للاستقرار المالي.

في حين يرفض مسؤولو الحكومة السورية التصريح علانية بربط العملة الوطنية بالدولار بشكل كلي، لكن يظل الواقع واضحا. فمع تحديات اقتصادية جمّة تواجه سوريا، لا يمكن تجاهل الانخراط في “الدولرة الصامتة” من قبل المؤسسات الرسمية في الدولة وأثرها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.

الحكومة السورية ضد “بريكس”

في نهاية تموز/يوليو الفائت، حمّل عمرو سالم وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك السابق، مسؤولية استمرار انخفاض قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية والتضخم الكبير الذي رافقها، لإدارة “بنك سوريا المركزي” بشكل رئيسي ووزارة المالية بدرجة أقل، مشيرا إلى أن قيمة العملة المحليّة يحددها الميزان بين الوارد إلى الخزينة بالقطع الأجنبي من التصدير والتحويلات الواردة بأشكالها وبين العملة الصعبة الخارجة لاستيراد المواد المختلفة ومستلزمات الإنتاج.

السير نحو "الدولرة الصامتة" تعتبر تحد صريح من دمشق في مواجهة حلفائها في "بريكس" - إنترنت
السير نحو “الدولرة الصامتة” تعتبر تحد صريح من دمشق في مواجهة حلفائها في “بريكس” – إنترنت

الوزير السابق اعتبر أن “البنك المركزي”، فشل في استقطاب القطع الأجنبي من عمليات التصدير، أو من إيداعات المواطنين والمستثمرين بسبب تعقيدات إجراءاته وعدم السماح للمودّعين بسحب وتحويل إيداعاتهم.

المؤشرات الاقتصادية، تصبّ باتجاه فرضية تؤكد نيّة دمشق تعويم الليرة السورية، وبخطوات سريعة وعلى المستوى الرسمي. إذ بالنظر إلى العتبات السعرية التي حددها “المركزي” السوري، والتي حدد فيها سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي، مع ملاحظة الهوامش زمنية ضئيلة بين العتبة والأخرى، والتي انتهت عند 9900 ليرة مؤخرا، تؤكد أن السوق الموازي “السوداء”، هي الفاعل الحقيقي بتحديد السعر و”المركزي” يتماهى معه.

حالة الاقتصاد السوري، وعلى الرغم من عدم وجود أي توجه رسمي لـ”دولرة” الاقتصاد، فإن ما يحدث فيه لا يعدو كونه أكثر من “دولرة”، لكنها “دولرة” صامتة وضمنية غير معلنة، فقد تم إحلال الدولار محل العملة الوطنية بصمت.

الزحف نحو الدولار

ظاهرة “الدولرة” في سوريا يُطلق علها أنها صامتة وبدفع من الحكومة لعدة أسباب، منها قيام جميع المستوردين والمنتجين والتجار بتسعير مستحقاتهم ومنتجاتهم ومبيعاتهم بناء على سعر صرف الدولار، وبعد ذلك يتم تحويل القيمة المحسوبة إلى العملة الوطنية بانتظام في كل يوم تحت بند نظام تسعير السلع والخدمات.

هناك حالة ضمنية وغير معلنة وغير رسمية للتخلي عن العملة الوطنية - إنترنت
هناك حالة ضمنية وغير معلنة وغير رسمية للتخلي عن العملة الوطنية – إنترنت

أيضا تسعير ملاك وتجار العقارات والسيارات ممتلكاتهم بالدولار ويقومون بتعديل تلك الأسعار يوميا وفقا لسعر الصرف للدولار، ثم يقومون بتحويل قيمتها إلى الليرة السورية حسب السعر المُحدد للدولار وهو نظام تسعير الأصول.

كذلك إعادة أصحاب الممتلكات التجارية تسعير ممتلكاتهم بالدولار ومن ثم تحويلها إلى العملة الوطنية بناء على سعر صرف الدولار الحالي، فضلا عن قيام البعض من المواطنين بالاحتفاظ بقيمة ممتلكاتهم عن طريق التخلي عن الليرة السورية، حتى وإن كانت بكميات قليلة، وتحويل ممتلكاتهم إلى الدولار للحفاظ على قيمتها.

علاوة على ذلك، اعتماد “البنك المركزي” السيطرة على قيمة العملة الوطنية، مما يجعله يعتمد على سوق الصرف غير الرسمي ويفقد السيطرة الكاملة على السياسة النقدية. فتكون النتيجة النهائية لكل ما سبق هي أن جميع الأنشطة الاقتصادية في سوريا تعتمد على الدولار أولا، ولكن تُحوّل بشكل ضمني إلى العملة الوطنية بناء على سعر صرف الدولار ثانيا. ويكون الاقتصاد بشكل علني يتحرك بناء على تحركات سعر الدولار.

يعني ذلك أن هناك حالة ضمنية وغير معلنة وغير رسمية للتخلي عن العملة الوطنية، حيث يُسمح لأصحاب الأنشطة الاقتصادية وأصحاب الأصول والممتلكات بتحويلها إلى الدولار. ويتم التقييم والتسعير بناء على الدولار وليس العملة الوطنية، ويُعتبر الدولار هو الأساس للحفاظ على قيمة الممتلكات والثروات بدلا من العملة الوطنية.

سوريا تتخلى عن الـ “بريكس”

الصين وروسيا والبرازيل والهند هذه الدول تُعتبر من الحلف القوي لدمشق، ولكن مع توجه دمشق عكس تيار الـ “بريكس”، يعني أن الدولة السورية إما لا تثق بهذه المجموعة، أو أنه رد فعلي على عدم دعوة الحلفاء لها للانضمام للمجموعة.

مع توجه دمشق عكس تيار "بريكس"، يعني أن الدولة السورية إما لا تثق بهذه المجموعة - إنترنت
مع توجه دمشق عكس تيار “بريكس”، يعني أن الدولة السورية إما لا تثق بهذه المجموعة – إنترنت

أبرز آثار “الدولرة الصامتة” التي تنتهجها الحكومة، هو رفض التعامل بالأوراق النقدية من فئة الـ 100-200 ليرة من قِبل بعض التجار وأصحاب المحال، وباتت هذه العملة التي بحوزتهم دون أي فائدة مادية.

خلال الفترة الماضية انهارت الليرة السورية حتى وصلت لأكثر من 12 ألف ليرة سورية، وراتب الموظف الحكومي في سوريا بات يبلغ اليوم نحو 11 دولارا، أي نحو 150 ألف ليرة سورية، وهو ما سيزيد من الأعباء الاقتصادية على عموم المواطنين.

خلال الفترة الماضية، أعلن “المركزي السوري” عن إصدار فئة نقدية جديدة بقيمة 5000 ليرة سورية، وهذا الإعلان يعكس عدم التزام الحكومة السورية بتحسين الوضع الاقتصادي والنقدي في البلاد، ويشكل خطوة نحو عدم إعادة الثقة في العملة المحلية.

لكن منذ فترة طويلة، تعاني سوريا من تضخم اقتصادي مدمر، وتراجع قيمة العملة المحلية بشكل ملحوظ. وبات القانون الصادر عن الرئيس السوري بشار الأسد، في عام 2020، رقم “3” و”4” القاضيان بتشديد العقوبات على المتعاملين بغير الليرة السورية، لا يُعمل به داخل البلاد.

رئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية، عابد فضلية، اعتبر أن التعامل بالعملات الأجنبية ضمن القنوات المصرفية المرخصة والمسموح بها، “عامل أمان وثقة”. خصوصا أن تسهيل إمكانية تسلم الحوالات الخارجية بالدولار، تسببت بعدم وضوح لدى سوريين بشأن استمرارية تجريم منع التعامل بالدولار من عدمه.

في النهاية، يبدو أن دمشق قررت مواجهة الـ “بريكس” بجدّية وفي طريقها لاتخاذ خطوات عاجلة للحفاظ على قيمة عملتها واستعادة ثقة المواطنين فيها؛ ليقينها بأن عدم التصرف بشكل فعّال قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما لا يحتمله الشعب السوري في هذه الظروف الصعبة التي يمرّ بها البلد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات