عند التجول بين شوارع دمشق العريقة ومدن سوريا الجميلة، قد لا يكون من السهل أن تدرك الوضع الاقتصادي المأساوي الذي يعيشه الكثيرون في هذا البلد المنكوب رغم ترويج بعض اليوتيوبرز لعكس ذلك. فالوضع الحالي واحد من أصعب التحديات التي تواجهها الأسر السورية في هذا الزمان.

عجز الميزانية للأُسر السورية وصل لنسبة 3000 بالمئة، وهو رقم حقيقي وليس خطأ مطبعي. فانعدام الاستقرار الاقتصادي والنقدي، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتدهور سعر صرف العملة المحلية، كل هذا أدى إلى تفاقم الأزمة المالية التي يواجهها الشعب السوري.

في زمن الاستقرار، كانت ميزانية الأُسرة تتمتع بالتوازن، حيث كانت النفقات محسوبة ومخطط لها بعناية. لكن بداية أزمة قرارات الحكومة السورية منذ بداية عام 2020، أدت إلى تفاقم هذه المشكلة الاقتصادية. وأدت تلك القرارات إلى انخفاض قوة الشراء لدى المواطنين السوريين بشكل مدمر. فما كان يمكن شراؤه بقيمة صغيرة من الأموال قبل عقد من الزمن، اليوم يتطلب مبالغ باهظة تفوق تصوّر الكثيرين.

متوسط احتياجات الأسرة السورية بالحد الأدنى

ما يزال المواطن السوري يثير الدهشة في قدرته على مواءمة دخله مع متطلبات الحياة في ظل الظروف الصعبة التي يواجهها. حيث تظل معادلة ميزانية الأسرة السورية العصيّة على الحل تتصدر المشهد الاقتصادي وسط تحديات جديدة ومعطيات معقّدة.

حاليا يصل متوسط احتياجات الأسرة السورية لضمان استمرارية الحياة وتحقيق الحد الكفافي إلى حوالي مليون و200 ألف ليرة سورية شهريا، مع تضمين وجبتي فلافل بمعدل سندويشة لكل فرد في الأسرة. 

المُلاحَظ أن هناك العديد من أصحاب المطاعم الشعبية التي تبيع مأكولات مثل الـ “فلافل، فول، حمص، فتة” لم يعودوا يلتزموا بالأسعار الرسمية، والتي تم تعديلها في غضون أسابيع قليلة، تحت مبررات ارتفاع تكاليف الإنتاج التي تأثرت بارتفاع أسعار الصرف.

الفارق الهائل بين هذا المستوى وأعلى دخلٍ ممكن تحقيقه، والذي يُعد سقفا للفئة الأولى، يصل إلى نحو 700 بالمئة شهريا. ومع ذلك، يجب الأخذ بعين الاعتبار أن هذه النسبة تمثّل مجرد فرضية للبقاء على قيد الحياة من خلال تأمين الاحتياجات الغذائية والمياه.

السؤال الذي يطرح نفسه، عما إذا كانت ميزانية الأسرة السورية كافية لتغطية احتياجاتهم الأساسية من المأكل والمشرب، ولكن هل هناك مساحة للنفقات الصحية، فبالرغم من الدعم الحكومي للقطاع الصحي، إلا أن هناك تكاليف مالية تتعلق بالأدوية والعلاجات، ويُتوقع قريبا رفع أسعار الأدوية بشكل جديد، مما يجعل الوضع أكثر تعقيدا وجدّية.

هل يكفي المأكل والمشرب لحد الكفاف؟

اليوم يبلغ متوسط تكاليف النقل من منطقة لأخرى داخل نفس المدينة للذهاب والعودة من العمل حوالي 2000 ليرة سورية للشخص، وبتراكم هذه التكاليف على عدد أيام الدوام الفعلي، يصل العجز إلى حوالي 1000 بالمئة مع احتساب نفقات الصحة أيضا.

لم يتبقَ للمواطن سوى استنزاف كل الوسائل التي كانت تمكنه من تغطية العجز والحفاظ على صموده، حيث استنفد جميع مدّخراته النقدية وبيع الحلي الذهبية، وتخلّى عن أدنى متطلبات الحياة.

فمع التحسن الطفيف في قيمة الليرة، اشتكى مواطنون من عدم انخفاض أسعار السلع في الأسواق، الأمر الذي يطرح التساؤلات حول أسباب عدم انخفاض الأسعار في حال تحسن العملة المحلية، في حين تقفز الأسعار بشكل لحظي عند أي ارتفاع لسعر الدولار في السوق السوداء.

الآن لم يعد بإمكان السوري التّكيف بأي شكلٍ آخر، فالحدّ الأدنى الضروري للمعيشة وتغطية احتياجات الأسرة التي تشمل المأكل والملبس والنقل والصحة والتعليم، إذ يتراوح بين 3 و3.5 مليون ليرة شهريا لأسرة مكونة من أربعة أشخاص، وهذا المبلغ يعادل حوالي 300 دولار شهريا. 

بهذه العملية الحسابية، يتجاوز مقدار العجز الشهري حاجز الـ 3000 بالمئة أو ما يعادل 2.850.000 ليرة سورية، مما يعكس حجم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يواجهها الشعب السوري يوميا.

الضغوط الاقتصادية بيئة خصبة للاستثمار؟

بحسب صحيفة “المشهد” المحلية، فإن هذا الوضع يقف وراءه فئة من السوريين، إذ بحسب تقريرها المنشور أمس الخميس، فإن الضغوط الاقتصادية والسياسية في سوريا تشكل بيئة خصبة للاستثمار من قبل ما وصفتهم بـ “المتربصين” للعب على مطالب المواطنين.

بحسب حديث الخبير الاقتصادي، ماجد الحمصي، لـ”الحل نت”، فإن فئة الرأسمالية تعتبر الضغوط الاقتصادية بيئة خصبة للاستثمار، بالرغم من أن هذا التصور  قد يبدو متناقضا في البداية. ولكن عند التعمق في السياق الاقتصادي والاستثماري، فإن هناك عدة عوامل تجعل الضغوط الاقتصادية تُشجعهم على الاستثمار في الأوقات الصعبة. 

في الأوقات الصعبة، يمكن أن تظهر فُرص استثمارية مربحة في السوق؛ لكن لمن لديهم أصول وأسهم للهيمنة على السوق والتفرد به بعد شراء جميع الأصول الأخرى التي هبطت أسعارها، بأسعار منخفضة للاستفادة من النمو المستقبلي والعائدات العالية.

فضلا عن ذلك، فإن هذه الفئة تعمل على تكوين شركات صغيرة ومتوسطة، حيث يكون من الممكن بدء العمل برأس مال محدود واختبار الأفكار والمنتجات بتكاليف منخفضة، عبر وسطاء محليين.

معظم دول العالم تشهد تضخما ماليا بسبب تدهور الاقتصاد وارتفاع الأسعار، ولكن ما يشهده الشعب السوري يُعتبر مأساة حقيقية. إن الارتفاع الكبير في الأسعار، سواء للمواد الغذائية أو السلع الأساسية الأخرى، جعل من الحياة مستحيلة للعديد من الأسر السورية. فالتضحية بالوجبات الغذائية الأساسية أصبح أمرا شائعا، وبدأ البعض يتساءل عما إذا كان يمكنهم الاستمرار على هذا النحو.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات