بينما تعيش تونس وسط أزمات متوالية تضع الحكومة بموقف حرج أمام ضغوط الشارع التونسي المتزايدة نتيجة تراجع مستوى الخدمات وارتفاع تكاليف المعيشة، وفي الوقت الذي يستمر “صندوق النقد” الدولي فرض شروطه على تونس -التي ترفض الانصياع لها تماما وتعتبرها مساسا بالأمن الوطني- مقابل تقديم المساعدة؛ ثمة بارقة أمل يجدها الرئيس التونسي قيس سعيّد يمكن أن تخرج بلاده من أزمتها، وذلك من خلال تعزيز التعاون مع الإمارات.

وسط هذه الحالة التي تعيشها تونس، يبدو أن في المقابل أيضا هناك استعداد إماراتي لذلك، وهذا ما أظهرته، وفق مراقبين، زيارة وزير الدولة الإماراتي الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان لتونس، ولقائه الرئيس قيس سعيّد بقصر قرطاج، الجمعة الماضي، حيث حمل اللقاء الذي جمع الجانبين إشارة جديدة وأكثر وضوحا بشأن موقف الإمارات الداعم لتونس ومساعدتها على الخروج من الوضع الصعب الذي تعيشه.

الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان أكد توجيهات من القيادة الإماراتية، بأنها حريصة على مواصلة مساندة تونس في عدة ميادين وتوفير الدعم الضروري لتجاوز التحديات التي تواجهها، مشيرا إلى أن الوفد الذي يرافقه في هذه الزيارة سيتولى التنسيق مع الجهات التونسية المعنية من أجل تحديد مشاريع مشتركة في عدة مجالات للبدء في تنفيذها في أقرب الآجال، فيما أشار الرئيس سعيّد إلى متانة العلاقات الثنائية وتذليل كل التحديات أمام الموقف الإماراتي.

موقف إماراتي داعم لتونس مسبقا

موقف الإمارات الداعم لتونس، لم يكن وليد اللحظة، فسبق وعبر الرئيس الإماراتي عن ذلك، وكان آخرها خلال لقائه بوزير الخارجية التونسي نبيل عمار في أبوظبي، حيث أكد الشيخ محمد بن زايد على متانة العلاقات التونسية الإماراتية وعراقتها وخصوصيتها، والاستعداد التام للمزيد من تطويرها والارتقاء بها إلى مستويات أرفع من التعاون والشراكة.

الرئيس التونسي قيس سعيد يستقبل وزير الدولة الإماراتي والوفد المرافق له/ إنترنت + وكالات

على النحو هذا، تعوّل تونس على ازدهار علاقاتها الممتدة لأكثر من خمسة عقود مع الإمارات، والذي تجلى في تعدد اللقاءات بين المسؤولين التونسيين والإماراتيين وتبادل الزيارات في الفترة الأخيرة، حيث تتطلع للاستثمار في التأثير الإماراتي دوليا وإقليميا، أملا في التوصل لحل مع “صندوق النقد” الدولي، للحصول على التمويلات التي تحتاجها البلاد للخروج من أزمتها، ذلك إلى جانب الاستفادة من ما يمكن أن تضخّه أبوظبي من أموال في السوق التونسي.

فالتأثير الإماراتي ووزنه والعلاقات التي تمتلكها الدولة الخليجية مع التكتلات الدولية والمؤسسات المالية، يمكن بحسب مختصين، أن يفتح الباب أمام حوار تونسي مع “صندوق النقد” الدولي للتوصل إلى اتفاق يراعي إمكانياتها ويستجيب لمخاوفها ويمنحها المدة الكافية لتحقيق الإصلاحات المطلوبة.

“صندوق النقد” الدولي، يطالب تونس التي تواجه أزمة شاملة وتحديات كبيرة في المالية العامة يمكن أن تزعزع استقرار البلاد مع آثار غير مباشرة قد يتردد صداها في منطقة وسط البحر المتوسط، تنفيذ حزمة إصلاحات اقتصادية قاسية قبل تقديم الدعم لها. 

فهذه التحديات المالية بالنسبة لتونس هي ليست خيالية، فبالفعل هناك مؤشرات على تداعي الأوضاع في تونس، منها اختفاء سلع أساسية مدعومة وأدوية من المتاجر بشكل دوري، إلى جانب تأخر صرف أجور بعض موظفي الدولة في فترة سابقة، علاوة عن عجز الدولة في سداد ديونها الخارجية، لكن بالرغم من ذلك الرئيس التونسي لا يزال رافضا لما يصفها بـ “إملاءات صندوق النقد” الدولي.

لذلك في ظل رؤية ضبابية ترسم المشهد في تونس التي تعثرت مفاوضاتها مع “صندوق النقد” الدولي منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي؛ تُعلّق الآمال بشكل كبير على الدور الذي يمكن أن تلعبه الإمارات في دعم البلاد التي تمثل الديون فيها حوالي 80 بالمئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي، وتواجه أزمة سيولة واسعة، أمام مواجهة أزماتها.

في هذا السياق يقول الباحث وأستاذ الاقتصاد السياسي التونسي نزار الجليدي، لموقع “الحل نت”، إن ما يربط تونس بالإمارات هو أكثر مما يفرق بينهم، لذلك إن هذه الزيارات وزيارات أخرى قادمة، هي عنوان لتأسيس مرحلة جديدة من التعاون الجديد، بإشارة إلى زيارة وزير الدولة الإماراتي الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان لتونس، وما سبقها وما سيليها من زيارات.

تونس تبحث عن تأثير الإمارات الدولي والإقليمي

الإمارات بحسب حديث الجليدي، دولة سخية جدا في التعامل مع فضائها العربي، لذلك هي تجد في تونس وجهة للموقف العربي الموحد والرافض للجماعات الإرهابية والتكفير والجماعات التي تسقط العالم العربي في براثن العنف.

تونسيون يرفضون رفع الدعم/ إنترنت + وكالات

الجليدي يضيف، أن تونس والإمارات عنوان تعاون جديد ممكن وعلاقات دائمة ومستدامة واقتصادية، مبينا أنه لا أحد يمكن أن ينكر أن الاقتصاد التونسي يحتاج لجرعات أوكسجين، بالتالي الإمارات تملك هذه الجرعات والكثير من الحضور الدولي الذي يمكن أن يساعد تونس في الخروج من أزمتها الاقتصادية.

في إطار ذلك، لفت أستاذ الاقتصاد السياسي التونسي، إلى أن تونس تعول على الإمارات في أن يكون صوتها عاليا في الدفاع عن الملف التونسي للخروج من أزمتها الاقتصادية، في حين تعول الإمارات على الخبرة التونسية والكفاءات التونسية في إنجاز مشاريعها المستقبلية ورؤيتها للعالم التي باتت من الأرقام الصعبة في الدبلوماسية والاقتصاد.

لذلك، وفق الجليدي، فإن عناوين التكامل بين تونس والإمارات موجودة ومتوفرة، وبينما تحتاج تونس اليوم علنا إلى مساعدة الإمارات المتحدة، فإن تونس تضع نفسها أيضا على الذمة مع الإمارات في خيارات مشتركة من أجل عالم عربي يكون له صوت جديد في خضم التغيرات السياسية الجديدة.

هذا وكانت الحكومة التونسية قد تفاوضت على اتفاق مبدئي للحصول على قرض قيمته 1.9 مليار دولار من “صندوق النقد” في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لكن المحادثات لوضع اللمسات النهائية توقفت منذ أشهر، واستند الاتفاق إلى التزامات بوضع أسس أكثر استدامة للنهوض بالشؤون المالية التونسية وطمأنة المانحين بإمكانية سداد القروض، إلى جانب الإصلاحات التي تهدف إلى تنمية الاقتصاد.

فالحكومة التونسية برئاسة نجلاء بودن التي تمت إقالتها قبل أيام قليلة ماضية، كانت قد اقترحت توسيع القاعدة الضريبية وتنفيذ سياسات تستهدف مساعدة الفقراء لتحل محل الدعم الباهظ للوقود والغذاء وإعادة هيكلة الشركات الخاسرة المملوكة للدولة، لكن الرئيس قيس سعيّد عارض مقترحات حكومته، واصفا إياها بـ “إملاءات” من “صندوق النقد”، وذلك خشية من أن يثير إلغاء الدعم اضطرابات شعبية يمكن أن تتسبب بأحداث دامية.

يشار إلى أن الاقتصاد التونسي كان قد تعرض لضربات متكررة منذ انتفاضة 2011، وأضرت هجمات دامية لمسلحين عام 2015 بقطاع السياحة الحيوي، وتسببت جائحة “كوفيد-19” في 2020 في انكماش الاقتصاد بنسبة 8.8 بالمئة، كما دمر الجفاف الزراعة، مما أدى إلى تفاقم العجز التجاري.

تراكمات سياسية تثقل تونس اقتصاديا

في حين استمرت الائتلافات الحاكمة على مدى العقد الماضي في تجنب اتخاذ قرارات صعبة، ويقول محللون إنها فشلت في التعامل مع مصالح تجارية قوية أعاقت المنافسة، فيما حاولت معالجة مشكلة البطالة من خلال زيادة التوظيف في الشركات الحكومية التي أصبحت غير مربحة، ما فاقم الأوضاع بتونس بشكل كبير.

الرئيس التونسي يرفض “إملاءات” “صندوق النقد” الدولي/ إنترنت + وكالات

نتيجة لذلك، قال “صندوق النقد” الدولي، في عام 2021 إن فاتورة أجور الدولة تبلغ نحو 18 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي من بين أعلى المعدلات في العالم، فيما يمثل الدعم 8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، في حين تمثل ديون الشركات الحكومية الخاسرة 40 بالمئة منه.

في خضم ذلك، بلغ عجز الموازنة العام الماضي 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، فيما بلغت ديون الدولة 77 بالمئة منه، ومن المتوقع أن تبلغ احتياجات الاقتراض الخارجي لهذا العام أكثر من 5 مليارات دولار، في حين سجلت مستويات التضخم بالبلاد، في حزيران/يونيو الماضي، 9.3 بالمئة، بتراجع طفيف عن شهر أيار/مايو الذي سجل 9.6 بالمئة، وذلك بعد تسجيل 10.1 بالمئة في نيسان/أبريل، و10.4 بالمئة في شباط/فبراير الماضي.

أما بالعودة إلى العلاقات التونسية الإماراتية، التي يأمل الرئيس التونسي قيس سعيّد الاستثمار فيها من أجل دعم بلاده، فقد شهدت تعاونا متصاعدا تجلى بالخصوص في ارتفاع قيمة التبادل التجاري بين البلدين، الذي بلغ سنة 2021 حوالي 240 مليون دولار، بزيادة 29 بالمئة مقارنة بسنة 2020، مع ارتفاع عدد الشركات التونسية المصدرة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة لتبلغ حوالي 228 شركة.

بحسب إحصائيات رسمية، فقد ارتفع التبادل التجاري بين البلدين بنسبة 7,4 بالمئة عام 2000 على أساس سنوي؛ حيث بلغت 1.2 مليار درهم أي 330 مليون دولار، قبل أن تعود الشهور العشرة الأولى من عام 2021، لتسجل نموا قدره 9 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من 2020.

إلى جانب ذلك، تسعى تونس بشكل حثيث لاستعادة ثقة المستثمرين الأجانب، على رأسهم الإماراتيين، أملا في إحياء مشاريع استثمارية استراتيجية كبرى يمكن أن تخدم الجانبين، وذلك للنهوض بواقع البلاد الاقتصادي على المدى البعيد وليس الآني فقط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
1 تعليق
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات
Ahmet Ali
8 شهور

انتباه!
يمكنك تغيير حياتك كلها وحياة عائلتك بفكرة واحدة فقط.
لقد قمت ببيع كليتي لسداد ديوني وبدء عمل تجاري حتى نتمكن أنا وعائلتي من عيش حياة أفضل والخروج من سلالة الفقر. هم لكن الكلى والكبد. يجب على الأشخاص المهتمين الاتصال برقم whatsApp: +12136028454