مع انطلاق موسم مونة الشتاء في سوريا، تشهد الأسواق موسما بعد آخر انخفاضا في معدلات الإقبال على تموين المواد الغذائية، التي اعتاد السوريون تخزينها بهدف استهلاكها خلال فترة الشتاء، حيث تواجه العائلات السورية خيارات صعبة في ظل الغلاء الذي ضرب جميع المواد الغذائية مقارنة بمتوسط الدخل الثابت في البلاد.

عادة ما تكون أسابيع شهري آب/أغسطس، وأيلول/ سبتمبر، هي أسابيع ذروة المونة، حيث تنتشر مواد المونة في الأسواق السورية، من مكدوس وملوخية وبامياء وكشك ومربيات، وبالطبع فقد قفزت أسعار هذه المواد كغيرها من السلع في الأسواق السورية، الأمر الذي زاد من صعوبة مهمة المونة بالنسبة لمعظم العائلات.

هذه الأيام يتجه السوريون عادة إلى صنع المكدوس وهي من أشهر أكلات المونة في البلاد، إلا أن أسعار مكونات هذه الأكلة جعلتها بعيدة عن قدرة الأهالي، وبحسب تقرير لمنصة “غلوبال نيوز” المحلية، فإن متوسط تكلفة القطعة الواحدة من المكدوس بلغت نحو 1700 ليرة سورية.

تكلفة مونة المكدوس

والمكدوس هو عبارة عن باذنجان صغير محشو بالجوز أو الفستق مع الفليفلة الحمراء وزيت الزيتون، ولكن أسعار هذه المكونات ارتفعت بشكل كبير مقارنة بالأعوام السابقة، حيث يبلغ سعر كيلو الباذنجان حاليا في سوريا نحو 3 آلاف ليرة، فيما يبلغ سعر كيلو الفليفلة 4 آلاف، أما كيلو الجوز فقد سجل آخر سعر له بمتوسط 90 ألف ليرة سورية.

كذلك يحتاج صنع المكدوس إلى زيت الزيتون أو الزيت النباتي كخيار أقل ثمنا، ويبلغ سعر الأخير 25 ألف ليرة لليتر الواحد، وبالنظر إلى هذه الأسعار فإن تكلفة مونة 50 كيلوغرام من المكدوس قد تصل إلى مليون ليرة سورية هذا العام.

“مافي مونة هو 5 كيلو للأكل الآني”، قالت هنادي الآغا، وهي أم في عائلة مكونة من 5 أفراد، مؤكدة أن الأسعار المرتفعة لمواد المونة، جعلتها تمتنع عن التموين من هذه الأكلات هذا العام، فمونة الشتاء الكاملة أصبحت تحتاج ميزانية قد تصل إلى الملايين.

الآغا، أضافت في اتصال هاتفي مع “الحل نت”، “هذا العام يمرّ علينا كما العام السابق، لم نموّن كميات كافية للشتاء، قمت بصنع نحو 5 كيلو من المكدوس من أجل استهلاكه هذه الفترة، فهي أكلة مميزة ويحبها معظم أفراد العائلة، لكن تموين كمية تكفي طوال العام أمرٌ مرهق ماديا، كذلك الأمر بالنسبة للمربى والجبنة، مواد المونة أصبحت غالية بشكل لا يمكن تحمله”.

قد يهمك: سوق موازية للهواتف المهربة.. السوريون في مواجهة ارتفاع جمركة الموبايلات

من جانبه أكد أمين سر جمعية حماية المستهلك بدمشق والخبير الاقتصادي عبد الرزاق حبزة، أن الإقبال على شراء المواد المكوّنة للمكدوس من باذنجان وفليفلة في أدنى حدوده، موضحا في تصريحات للموقع المحلي، بأنه من خلال الجولات على الأسواق والحديث مع الناس فقد أكدت النسبة الكبيرة منهم بأنهم لن يموّنوا المكدوس إلا كنوع من “الشهوة” بمعدل بضع كيلوغرامات فقط.

من ناحية أخرى ومع استمرار أزمة التغذية الكهربائية في سوريا، ووصول ساعات التقنين في العديد من المناطق السورية إلى 22 ساعة يوميا، يواجه السوريون صعوبات كبيرة في تخزين المواد الغذائية، إذ يؤكد الأهالي أن الغذاء يفسد لديهم، خصوصا مع ارتفاع درجات الحرارة وصعوبة تشغيل البرادات المنزلية.

تُعرف المونة، بأنها ما يدّخره المواطنون من قوت ومواد غذائية، ويسمى المكان الذي يتم حفظ المواد الغذائية بداخله بهدف التخزين، “بيت المونة”. والتموين في المنازل السورية ثقافة قديمة، تتعلق بأنواع من المأكولات المرتبطة بالتراث السوري، وتقوم على تخزين مواد غذائية موسمية بكميات كبيرة بهدف استخدامها خلال فترات أخرى من السنة.

تراجع الإقبال على المونة

التموين في سوريا، تراجع بشكل كبير خلال الأعوام السابقة وهذا العام بشكل أكبر كما رصده “الحل نت”، لارتباطه بشكل مباشر بالوضع الاقتصادي، وتأثّره بتراجع الإنتاج الزراعي، وضعف الاستيراد والتصدير وحركة التجارة.

مع غياب الكهرباء يعتمد الأهالي وأصحاب المحال التجارية على المولدات الكهربائية، إلا أن قرارات الحكومة المتعلقة برفع أسعار المحروقات، شكلت عبئا اقتصاديا إضافيا على صناعة وبيع مختلف السلع في الأسواق السورية.

من المواد الأساسية التي يتم استهلاكها بشكل أساسي في المنازل السورية وشهدت ارتفاعات متتالية خلال الفترة الماضية، زيت الزيتون الذي أصبح استهلاكه يشكّل عبئا ثقيلا على العائلات السورية، الا أنها لم تتجه إلى الاستغناء عن هذه المادة، كونها مكون رئيسي في العديد من وجباتهم اليومية، خاصة وأنهم استغنوا عن مواد كثيرة في السابق واستبدلوها بزيت الزيتون، فقد وصل سعر عبوة الزيت إلى نحو 1.2 مليون ليرة.

فئة واسعة من الأشخاص في سوريا، تحوّلت من شراء العبوات الكبير إلى شراء كميات محدودة من الزيت تكفي تحضير طبخة أو طبختين، وهذه الكميات عادة لا تتجاوز 100 غرام، ويعزي كثيرون سبب هذا الارتفاع إلى نشاط التجار في جمع المادة من المعاصر وتصديرها بعد أن سمحت الحكومة بذلك، بحيث أصبح الطلب أكثر من العرض بكثير إضافة إلى استغلال هذا الارتفاع لاحتكار المادة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات