بعد النقص الكبير وفقدان أصناف عديدة من الأدوية في عموم المحافظات السورية، والتي قامت على إثرها الصيدليات والمرضى بتقنين استهلاك الأدوية، رفعت وزارة الصحة السورية أسعار الأدوية المحلية بنسبة 50 بالمئة، تماشيا مع سعر الصرف ولحل معضلة فقدان الأدوية بحسب ما تدعي الجهات المعنية في الوزارة.

مع كل تدهور في سعر الليرة السورية مقابل النقد الأجنبي، يرافقه أزمةً في توفير الدواء واستغلالا ببيع الأدوية في الصيدليات، بحجة فقدان الأدوية وتأخير التسعيرة الرسمية الجديدة، رغم توافر بعض الأدوية في المستودعات، لكنّ أصحابها يخفونها أو يبيعونها بسعر مرتفع في السوق السوداء، وبالتالي فإن التأخير في التسعير مع عدم قدرة الحكومة على ضبط الأسعار يؤدي إلى تصاعد أزمة الأدوية في كل مرة، مصاحبة بزيادة كبيرة في السعر الجديد.

الأدوية.. أسعار جديدة

في السياق، عادت أزمة الدواء إلى الواجهة مجددا فثمة أصناف كثيرة مقطوعة عن السوق المحلية، وذلك لتوقف العديد من المعامل عن صنع الأدوية بسبب ارتفاع سعر الصرف، وسط شكاوى الأهالي من فقدان بعض الأدوية وصعوبة إيجاد البعض الآخر.

كما وأكد أحد مستودعات الأدوية بأن هناك فقدانا لمعظم الأدوية والموجود منها حاليا هو مخزون قديم لمستودعات أو لصيدليات، بسبب توقف إنتاج العديد من المعامل الدوائية. وفي هذا الصدد، أصدرت مديرية الشؤون الصيدلانية في “وزارة الصحة” يوم أمس الثلاثاء، نشرة جديدة لأسعار الأدوية التي عدّلت بموجبها أسعار الأدوية وذلك بسبب تعديل سعر الصرف وفق نشرة “مصرف سوريا المركزي” التي صدرت في 24 من تموز/يوليو الماضي.

رئيس فرع دمشق لنقابة الصيادلة حسن ديروان، قال لموقع “غلوبال نيوز” المحلي يوم أمس الثلاثاء، إن نسبة رفع الأدوية حسب النشرة الجديدة بلغت 50 بالمئة، مدّعيا أن الغاية هي تأمين الأدوية المفقودة وتجنّبا لفقدان أي أنواع أخرى من الأدوية.

أما موقع “سناك سوري” المحلي، فقد أجرى يوم أمس الثلاثاء جولة في المحافظات للاطلاع على واقع نقص الأدوية في الصيدليات والأسباب التي تقف وراء ذلك، وانعكاس فقدان بعض الأصناف على المواطنين لا سيما الذين يعانون من أمراض مزمنة.

لم يستطع المواطن بشير 55 عاما، إيجاد أدويته الخاصة بالضغط والقلب في مدينته دير الزور، ما أضطره لطلبها من صديق له عندما سافر لدمشق لمراجعة أطبائه. هذا ويبدو أن أدوية الضغط والسكر والقلب هي الأكثر فقدانا في مدينة دير الزور فالصيدليات خاوية من الأدوية إلا ما ندر وبأسعار مرتفعة إن وجدت.

رحلة البحث عن دواء ما قد تستغرق ساعات طويلة، فيقول أحدهم للموقع المحلي أنه رحلته استمرت عدة ساعات بين صيدليات “المزة” و”الشيخ سعد” ليجد الأدوية في منطقة ساحة المحافظة في العاصمة دمشق، مضيفا “رحلة البحث عن الأدوية هي آخر رحلات البحث للسوريين في طريق مواصلة حياتهم”.

المعاناة في إيجاد الأدوية قاسم مشترك بين أغلب المحافظات السورية. إذ أنها مفقودة بحجة غلاء المواد الأولية اللازمة لصناعتها. الأمر الذي يؤدي لانقطاعها من الصيدليات حتى رفع أسعارها بما يتناسب مع سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة السورية. ويبدو أن “وزارة الصحة” شريكة مع معامل الأدوية في إحداث أزمات في قطاع الأدوية وزيادة معاناة وحاجة المرضى في كل مرة، حتى يتذرع لهم في رفع أسعار الأدوية دون اعتراض أو استياء من المواطنين.

تقنين الأدوية

سبع صيدليات تنقّل بينها نضال 30 عاما في حي الزهراء بمدينة حمص، ولم يجد دواء “الأزيثرومايسين” وهو مضاد حيوي يستخدم في حالات ارتفاع الحرارة والتهاب البلعوم وغيرها. الأمر الذي تكرّر مع مريم 52 عاما والتي قالت إنها تعاني هي وزوجها من مرض الضغط.

السيدة وزوجها كانا يريدان دواء ”بيزوكاند عيار 5“. حيث تابعا رحلة البحث عن الدواء المفقود في صيدليات المدينة، موضّحينَ أنهما حصلوا على علبة واحدة فقط رغم أنهما يحتاجان لعلبتين. وهنا تقول صيدلانية للموقع المحلي ، إن انقطاع الدواء مع ارتفاع سعر الصرف، يشكلان أزمة حقيقية بالنسبة لنا.

كما وتشير إلى أن مستودعات الأدوية تُقنّن كمية الدواء اللازمة لكل صيدلية. حيثُ لا تحصل صيدليتها على الأدوية المطلوبة. والتي تُشكّل حاجة أساسية للناس. كأدوية الضغط والأعصاب مثل ”غابابنتين“ و”كوبالين بلس“ و”بوناماكس“.

العديد من الصيدليات يتّبعون نظام تقنين بيع الأدوية بتسليم ظرف أو ظرفين لكل شخص، أو عبر رفع السعر، وسط غياب أي دور للرقابة من كل هذه الفوضى. وعن الأدوية التي ارتفعت أسعارها فعليا، فقد أجمعت عموم الصيدليات على أن جميع الفيتامينات ارتفعت بنسبة 100 بالمئة.

هذا وشملت قائمة المفقودات، خافضات الضغط وأدوية الغدة لا سيما “التروكسين 50 و100”. وأدوية السكري “ألفا غليب” و”ميتاغبلتين” و”دياكولين ماكس” وأدوية الصرع “فالبرون 500″ و”فالبروات  500″ و”لاميك” ومسكّنات “برودول بلس ك” وأدوية الالتهاب “زدناد”.

حالة فقدان الأدوية وتقنينها في الصيدليات بهدف رفع سعرها تتكرر في كل مرة مع موجات الغلاء التي باتت حرفيا تهدد حياة المواطنين. بينما لا تجد “وزارة الصحة” حلّاً إلا النزول عند طلبات شركات الأدوية ورفع السعر بحجة توفير الدواء في أزمة باتت تتكرر وتزداد تعقيدا في حياة السوريين اليومية.

الصيدليات “سوق هال”

وسط انهيار الليرة السورية أمام النقد الأجنبي وما صاحب ذلك من ارتفاع في أسعار الأدوية في سوريا، فإن حُمّى التلاعب بالأسعار امتدت إلى قطاع الأدوية وكأن الصيدليات أصبحت مثل سوق “الهال”، فالبعض يمتنع عن البيع حتى يستقر سعر الصرف، بينما يبيع الآخر الأدوية حسب أهوائه، مما يثبت أن حالة من الفوضى واللامسؤولية تجتاح قطاع الأدوية في سوريا، وسط غياب الرقابة.

الصيدليات في سوريا عبارة عن “سوق هال”- “إنترنت”

إزاء ذلك، قال تقرير لصحيفة “تشرين” المحلية، مؤخرا، إن الصيدليات ليست “أسواق هال” أو أسواق خضار وفواكه، بل مراكز لتقديم الأدوية للمرضى، وبالتالي لا ينبغي للصيدليات التلاعب بأسعار الأدوية. بينما يبرّر أصحاب الصيدليات أن الأدوية تأتيهم بأسعار مرتفعة من معامل الأدوية، وكذلك ارتفاع تكلفة المعيشة مع كل ارتفاع في سعر الصرف، يعطيهم ذريعة لرفع أسعارها تباعا لذلك.

الصحيفة المحلية جالت على العديد من الصيدليات، فجلُّها كان مغلقا، وبعضها الآخر ما أن تسأل الصيدلي عن صنف واسم الدواء حتى يجيبك غير موجود.. مفقود، أي أنه لا يريد البيع بالسعر الحالي وينتظر التسعيرة الجديدة كي لا يتكبّد خسائر من جهة ولكي يحقّق أرباحا مضاعفة من جهة أخرى، وكأن  مهنة الصيدلة في سوريا تحولت إلى تجارة.

كما أن هناك بعض الصيدليات التي تفقد بعض أنواع الأدوية، تحاول إقناع المرضى بوجود بديل لبعض الأدوية المقطوعة في السوق، ولكنها من شركة أخرى، من أجل بيع أكبر كمية من الأدوية لديهم، لكن بعض المرضى أكدوا أن بدائل الأدوية لا تكون مُجدية دائما، لأنها ليست فعّالة مثل الأدوية الأصلية، وفق مصادر محلية خاصة لموقع “الحل نت”.

المصادر المحلية ذاتها أكدت في وقت سابق أن الأهالي يشكون من انقطاع العديد من الأصناف الدوائية في الصيدليات، فضلا عن تلاعب الكثيرين بالأسعار، وسط غياب أي دور للجهات المعنية، مشيرة إلى أن بعض المرضى الذين في أمسّ الحاجة إلى بعض الأدوية، إما يشترونها من السوق السوداء للأدوية بأسعار مضاعفة أو يتم تأمينها من مناطق أخرى لا تخضع لسيطرة الحكومة السورية.

نتيجة أزمة الدواء المتكررة، ظهرت سوقٌ سوداء لها أسوة ببقية القطاعات الصناعية السورية. ويتوفر في الصيدليات بسوريا عموم أنواع الأدوية، ولكن يتم اخفاؤها بحجة نفاذها في الأسواق، ليُصار إلى بيعها بطرق التوائية للزبائن وبأسعار مضاعفة، مثلا يبلغ سعر المضاد الحيوي “أوغمانتين” حوالي 15 ألف ليرة سورية للعلبة الواحدة، وبالسعر الحر يُباع بأكثر من 27  ألف ليرة.

مع تواصل معاناة العديد من الأُسر السورية من أجل تأمين حليب الأطفال للرّضع، وذلك بعد فقدان أنواع عديدة منها في الصيدليات، وتراجع حاد في الكميات الموزعة على اختلاف أنواعها، بات خيار الأمهات الذهاب نحو السوق السوداء.

من جهة أخرى، ونتيجة غلاء أسعارها، باتت الأدوية تُباع على البسطات في سوق تسمى “سوق الحرامية، إذ تبيع تلك البسطات أدوية مختلفة بطريقة عبثية وكأنها سلع عادية.

فضلا عن أن مصدر تلك الأدوية غير معروف، أو إذا كانت منتهية الصلاحية أم لا، لكن الغريب أن الناس مهتمون بشراء هذه الأدوية، وربما لأن أسعارها المنخفضة تجذبهم، وسط الظروف المعيشية الصعبة.

ليس هذا فحسب، فمع استمرار ارتفاع أسعار الأدوية والكشفيات الطبية، ظاهرة جديدة بدأت بالانتشار في سوريا وهي صيدليات “الفيسبوك”، حيث انتشرت على موقع التواصل الاجتماعي، مجموعات عديدة خاصة بتسويق بعض الأدوية والمكمّلات الغذائية المفقودة من الصيدليات، وسط تحذيرات رسمية حول خطورة التعامل مع هذه المجموعات التي تأتي بالمنتجات من مصادر غير معروفة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات