في ظل التعقيدات التي تحيط بالملف السوري، تأتي زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى أنقرة وسط توقعات بأن تكون هذه الزيارة سببا في تحريك المياه الراكدة في سوريا، خاصة في ظل استمرار الحديث عن لقاء مرتقب بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره السوري بشار الأسد.

 رغم وجود العديد من الملفات التي يمكن أن يناقشها بوتين مع أردوغان خلال الزيارة منها الحرب في أوكرانيا وملف اتفاقية الحبوب، إلا أنه يُتوقع كذلك أن يكون للملف السوري حضورا بارزا في الزيارة، وذلك رغم الخلافات الكبيرة بين الجانبين فيما يخص سوريا، حيث يسعى بوتين لدفع ملف التطبيع بين أنقرة ودمشق، وصولا إلى عقد لقاء على مستوى الرئاسة بين الجانبين.

بيد أن هذا اللقاء يقف أمامه العديد من العقبات، أبرزها إصرار دمشق على شرط الانسحاب العسكري التركي من الأراضي السورية، الأمر الذي ما تزال ترفضه أنقرة، خاصة وفق الطريقة التي تطرح بها دمشق الأمر، ما يثير التساؤلات حول دور هذه الزيارة في إنجاح اللقاء أو تحريك المياه الراكدة في الملف السوري.

حضور الملف السوري

صحيفة “الشرق الأوسط”، كشفت نقلا عن مصادر مقرّبة من الحكومة التركية، عن حضور الملف السوري في الزيارة المرتقبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تركيا، إذ من المتوقع أن تجري الزيارة خلال شهر آب/أغسطس الجاري، وتناقش ملف تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، إضافة إلى العديد من الأمور المتعلقة بالملف السوري.

بالنظر إلى تصريحات المسؤولين الأتراك خلال الفترة الماضية، فإن تركيا تسعى إلى التركيز من خلال بحثها في الملف السوري على مسألتين رئيسيتين، أولاهما عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وهي النقطة الأهم لدى السلطة التركية، وبدرجة أقل مسألة التطبيع مع دمشق، والنقطة الأخيرة مدفوعة بطبيعة الحال بالأولى.

الباحث في العلاقات الدولية عامر المالكي، رأى أن الخلافات في الرؤية بين روسيا وتركيا فيما يخص الملف السوري، ستكون سببا في تراجع الملف السوري في سلّم أولويات زيارة بوتين، لكن بالتأكيد سيكون حاضرا في برنامج الزيارة، مستبعدا في الوقت ذاته أن تنجح مساعي تنظيم لقاء قريب بين أردوغان والأسد.

المالكي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “برأيي سيحل الملف السوري من ناحية التناول رابعا رغم أهميته من ناحية المضمون، ولكن بسبب الخلافات الكثيرة حول هذا الملف فإن السياسات التركية الروسية قائمة بالأساس على مبدأ دعنا نتناول ما نتفق عليه أولا، لذلك سيكون الابتعاد عن هذا الملف من ناحية الترتيب، إلا أنه سيكون موجودا على الطاولة، ويظل هكذا حال أغلب المتعاملين بالملف السوري بمن فيهم أصحاب القضية، منتظرين أي تطور يقلب المعادلة أو يفرض أمرا واقعا ويحرّك المياه الراكدة”.

أما الملفات التي ستحظى بأولوية خلال الزيارة، فيتوقع أن تكون على الترتيب التالي، حيث سيكون ملف الحبوب في أعلى قائمة الملفات المرتقب بحثها بين الجانبين، إضافة  إلى ملف الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، وكذلك ملف انضمام السويد وأوكرانيا إلى “حلف شمال الأطلسي” (الناتو).

ماذا عن لقاء أردوغان والأسد؟

المالكي استبعد نجاح اللقاء الرئاسي بين أردوغان والأسد، وقال “لا أظن أن هذا اللقاء الذي يترقبه الجميع سيحدث في إطار طبيعي، وربما لن يحدث على اطار المستقبل القريب حتى تتغير أي معادلات للواقع، لأن بشار الأسد مازال متعنّتا فيما يخص أهمية خروج تركيا العسكري، والأخيرة تريد من روسيا التأكيد على وجود نقاط أمن لها على مستوى أعمق من الآن، لتصل ربما لقلب حلب وما بعد ذلك وهذا مرفوض، من قبل الحكومة السورية وربما ترفضه أيضا إيران وأطراف دولية أخرى”.

ما يعزز فرضية استبعاد لقاء أردوغان بالأسد، النتائج غير المرضية للقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لزعماء عرب، فبعد لقاء السيسي شعرت تركيا وفق ما يوضح المالكي، “أنها لم تأخذ أي شيء من هذه الخطوة وبات المستفيدون هم الأمير القطري الذي ظهر كونه راعياً للسلام والرئيس المصري الذي صور هذا اللقاء نصراً شخصياً، أما أردوغان فلم يحصل على شيء يُذكر، فلذلك لن تحبذ السياسة التركية اتخاذ مثل هذه الخطوات التي تؤثر من الناحية الاعلامية على صورة الرئيس التركي ولا تأتي بفوائد تُذكر”.

برأي المالكي، فإن حضور الملف السوري في الزيارة المرتقبة، سيركز على ملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، “فهو الأهم والأكثر قبولا عند بوتين، والذي سيجعل من التواجد التركي والروسي ركيزة في هذه المنطقة وهذا أيضا سيجعل الوجود التركي أكثر قوة في المناطق التي تعتبرها السياسة التركية مناطق نفوذ تاريخي كحلب”.

وجود القوات التركية في الشمال السوري هو أبرز المحاور التي تدور حوله شروط كل من دمشق وأنقرة، إذ تسعى دمشق لفرض شرط انسحاب القوات من الشمال السوري لبدء عمليات التواصل بين الجانبين، في وقت تؤكد فيه أنقرة عدم وجود نيّة في المرحلة الراهنة على سحب قواتها من سوريا.

بعد الانتخابات التركية لم تعد الحاجة للاجتماع مع قيادة دمشق بذات الأهمية لأنقرة، لذلك فإن الجانبين عادا إلى نقطة الاصطدام، وتحديدا فيما يتعلق بوجود القوات التركية شمالي سوريا، وباتت هي النقطة الأولى التي يتم الحديث عنها في طاولة المفاوضات.

رغم سلسلة الاجتماعات التي حصلت بين أنقرة ودمشق، منذ مطلع العام الحالي، سواء السياسية أو الاستخباراتية والدفاعية، إلا أن الطرفين لم يصلا إلى أية نقطة توافق حتى الآن.

على مدار الأشهر القليلة الماضية حاولت العديد من القوى الإقليمية تحريك المياه الراكدة في الملف السوري، إلا أن عدم تلاقي مصالح الدول بما يخدم مسار الحل السياسي عطّل حتى الآن جميع هذه الجهود.

جهود سابقة

الأردن كانت قد أطلقت مدفوعة بالعديد من الملفات أبرزها انتشار المخدرات على حدودها الشمالية مع سوريا مبادرةً للبحث عن توافقات مع الدول الفاعلة في الملف السوري والشرق الأوسط، وذلك بعد أن فشلت منفردة في تحقيق أي تقدم في الملف الأمني من خلال التواصل مع دمشق بشكل مباشر.

المبادرة الأردنية تقوم على مبدأ “خطوة مقابل خطوة” بشكل يشبه ما كان يطرحه المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، وتنقسم إلى ثلاث مراحل، بدءا من التركيز على الجانب الإنساني وصولا إلى الجانب العسكري الأمني وانتهاء بالجانب السياسي. وهذا النهج الشامل يهدف إلى إعادة بناء الثقة وتحقيق استقرار حقيقي في سوريا.

تركيز الحكومة الأردنية على قطر وتركيا في زياراتها بهذا الشأن، زادت من مستوى التساؤلات حول احتمالية أن نشهد اجتماعا خلال الفترة المقبلة بين الأردن وتركيا وقطر وسوريا برعاية الحكومة الأردنية، حيث تسعى عمّان إلى دفع العملية السياسية في سوريا بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن الذي يحمل رقم 2254.

حتى الآن لا توجد مؤشرات حقيقية في أن تساهم زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى أنقرة، في فك التعقيدات ضمن الملف السوري، خاصة وأن الجانبين سيبحثان خلال الزيارة عن مصالح بلادهما، وسط غياب المعنيين بالملف السوري عن هذه المباحثات، ما يعزز في أن يبقى الملف السوري معلقا، على الأقل خلال المرحلة الراهنة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات