في ظل ارتفاع أسعار اللحوم في الأسواق السورية مؤخرا، ثمة إقبال طفيف على اللحوم هذه الأيام، لكن ليس من قِبل المواطنين السوريين في الداخل، بل بسبب وجود حركة سياحية أدت إلى انتعاش نسبي في أسواق اللحوم، وهذه واحدة من أغرب الحالات التي تمرّ بها الأسواق في هذا البلد المتعب على جميع الأصعدة.

بالنظر إلى قلة الطلب على اللحوم نتيجة الظروف المعيشية الصعبة، تشهد الأسواق إقبالا واسعا هذه الأيام على نوع جديد من اللحوم وهو لحم الإبل “الجمل” ليكون بديلا عن اللحوم الحمراء التي تشهد ارتفاعات غير مسبوقة، حيث وصل فيليه العجل لنحو 240 ألف ليرة سورية.

غلاء اللحوم

في السياق، سجلت أسعار اللحوم الحمراء ارتفاعا ملحوظا في أسواق دمشق حيث وصل سعر كيلو لحم الغنم الحي إلى 46 ألف ليرة، في وقت بلغ كيلو لحم العجل 36 ألف ليرة. وبيّن رئيس جمعية اللحامين بدمشق محمد يحيى الخن، في هذا الإطار أن أسعار اللحوم ارتفعت بنحو ألفي ليرة للخاروف الحي، وثمانية آلاف ليرة للعجل بعد عيد الأضحى الفائت.

السياح ينشطون أسواق اللحوم في سوريا-“أ ف ب”

الخن، أردف لموقع “غلوبال نيوز” المحلي يوم أمس الأربعاء، أن الأسعار ارتفعت بنحو 20 بالمئة خلال شهر، مرجِعا الأسباب إلى ندرة المادة أولا بعد العيد، حيث تم ذبحُ نحو 300 ألف أُضحية على نحو تقريبي في دمشق، كما أن الموسم السياحي خلال العيد وحتى الآن أدى إلى زيادة الطلب على اللحوم الحمراء من قِبل المطاعم.

الخن، لفت إلى أن المطاعم تتحمل النسبة الأكبر من كميات الاستهلاك اليومي مقابل تراجع استهلاك الأُسر نتيجة ارتفاع الأسعار. أي أن السّياح من المغتربين والأجانب هم السبب في تنشيط سوق اللحوم في هذه الفترة. وقد ارتفع نسبة الذبائح بنحو 20 بالمئة أيضا، حيث سجل السبت الفائت ذبح 650 رأس غنم، وهو أعلى رقم تم تسجيله منذ بداية العام الحالي، ووسطيا يُذبح في دمشق يوميا 550 رأس غنم، والعجل ارتفع عدد الرؤوس من 25 رأسا يوميا إلى نحو 40 رأسا.

طبقا لحديث الخن، فإن الخاروف المذبوح الكامل يُباع بالجملة بـ 85 ألف ليرة سورية، واللية التي انخفض سعرها أثّر على سعر اللحوم بينما ارتفع سعر الجلد، وهذا أدى إلى توازن بينهما وحقق استقرارا في سعر اللحم حيث بلغ سعر اللحمة الهبرة بين 150- 160 ألفا ، وقد بيع قبل العيد بنحو 140 ألفا، والشرحات بنفس سعر الهبرة، وسعر هبرة العجل بين 95 – 100 ألف ليرة، بينما بيعت قبل عيد الأضحى بـ 80 ألف ليرة، كما وصل سعر فيليه العجل بين 220 – 240 ألف ليرة.

كما وصل سعر الكيلوغرام بعظمه من لحمة الفخذ 90 ألفا وللكتف والرقبة والمتلة 75 ألفا بينما بلغ سعر الكيلوغرام من الإلية 55 ألفا، وسعر سودة الخروف وصل 60 ألفا والرأس 40 ألفا واللسانات عند 25 ألفا والنخاعات 10 آلاف ليرة.

مما لا شك فيه أن هذه الأرقام المذكورة تفوق قدرة السواد الأعظم من السوريين في الداخل، وهم من الطبقة الفقيرة التي تشكل أكثر من 90 بالمئة من المواطنين اليوم، بالنظر إلى تدني الرواتب والأجور التي لا يتجاوز معدّل متوسطها 165 ألف ليرة سورية، أي نحو 12 دولارا، وهذه الرواتب لا تكفي لأيام معدودة، وبشرط أن يكتفي المواطن بشراء المستلزمات الضرورية فقط، وعدم شراء اللحوم وكافة احتياجات الخضار والفواكه.

ارتفاع قريب لأسعار اللحوم

في إطار نشرات الأسعار أوضح الخن، بأن آخر نشرة صُدرت منذ أقل من شهرين، وقد ارتفعت الأسعار بعدها بنحو 40 بالمئة. أي أن اللحامين لا يتقيدون بالتسعيرة الرسمية ويتم وضع التسعيرة وفق سعر الصرف ومع موجة الغلاء التي ترافق الأسواق مع كل قفزة في سعر الدولار.

كما واستبعد المسؤول الحكومي صدور نشرة جديدة خلال هذه الفترة نتيجة عدم استقرار السوق. بمعنى أن عدم استقرار الليرة السورية أمام النقد الأجنبي قد أربك وشلّ حركة الحكومة في تحديد الأسعار أو ضبطها، وهذا ما أدى إلى انتشار الفوضى في الأسعار بعموم الأسواق السورية وليس فقط سوق اللحوم.

على إثر غلاء اللحوم تلجأ الأُسر السورية إلى بدائل تغنيهم عن شراء اللحوم الحمراء التي باتت خارج حسابات نسبة واسعة منهم، فبعد اللجوء إلى “الفطر” ولحوم الأرانب كبديل للحوم، اتجهت العائلات إلى لحم الجمل، إلا أن مصدره ما يزال مجهولا، إذ لا توجد جهة حكومية تشرف على عمليات إنتاج لحم الإبل وبيعها في الأسواق، إضافة إلى أن أبرز أسباب ارتفاع الإقبال عليها، هو أن أسعارها رخيصة مقارنة بأنواع اللحوم الأخرى، الأمر الذي يطرح التساؤلات عن مصدر هذه اللحوم وسبب الانخفاض في أسعارها.

تقرير سابق لموقع “أثر برس” المحلي، أوضح أن سعر كيلو لحم الجمل بلغ في الأسواق السورية 75 ألف ليرة سورية، وهو أرخص من لحم الغنم الذي يمكن لسعر الكيلو أن يتجاوز مئة ألف ليرة سورية، كذلك فإن نسبة الدهون في لحم الجمل هي أقل منها في اللحوم الأخرى، وهو ما يجعلها مرغوبة لدى الأهالي.

بحسب تقرير الموقع المحلي، فإن مصدر هذه الجِمال هي مزارعٌ خاصة بتربيتها، وذلك في ظل غياب مركز أو مسلخ تابع للحكومة يشتري منه بائعو اللحم، إذ إن جمعية اللحامين تضم 720 حرفي، لا يوجد بينهم أي “لحام جمل”، حيث يتم ذبح الجمال في مسالخ خاصة بريف دمشق.

ارتفاع مرتقب في أسعار اللحوم بسوريا-“إنترنت”

غياب الدور الحكومي في عملية إنتاج وبيع لحم الجِمال، ربما تكون سببا في انخفاض أسعارها، الأمر الذي يثير التساؤلات حول الدور الحكومي السلبي في عملية تسعير المواد الغذائية، خاصة وأن العديد من القرارات الحكومية السابقة ساهمت بشكل واضح بارتفاع أسعار لحم الدجاج، فضلا عن الفوضى وتراشق الاتهامات مع التجار.

من جانبه أكد رئيس جمعية اللحامين في ريف دمشق محي الدين الريس، عدم وجود مزارع لتربية الجمال تتبع للجمعية، مشيرا في تصريحات لـ”أثر برس” أن شراء الجمال يكون بشكل فردي من قِبل المربيين، أمّا أسعار هذه اللحوم تعود لتسعيرة التموين.

بحسب تقارير محلية سابقة فإن المواطنين باتوا يبحثون عن بدائل تُغنيهم عن شراء اللحوم، وأصبح المنتج الجديد “كفتة بديل اللحمة” الذي اكتسح أسواق دمشق خلال الفترة الماضية، وهو منتج نباتي مصنوع من دقيق بروتين الصويا، أحد هذه البدائل.

ما يعمّق فجوة الوضع المعيشي في سوريا ويبعث بمدى عجز الحكومة في تأطير أو حلحلة الأوضاع الاقتصادية قليلا، هو أن المواطن بات يبحث عن حلول غذائية بديلة علّها تخفف همّه الاقتصادي ونفقاته المعيشية فالإعلانات والمنتجات الغذائية البديلة انتشرت.

السياحة للمغتربين والعرب

من جانب آخر، وفي ظل عجز معظم المواطنين في سوريا عن التصييف والذهاب إلى أحد الشواطئ في الساحل كما يفعل معظم الناس عادة خلال الصيف وفترة الإجازات، كشفت “وزارة السياحة السورية” مؤخرا أن مليون سائح زاروا سوريا في النصف الأول من العام، وأرباحهم بلغت أكثر من 7 مليارات ليرة من الفنادق العائدة على الوزارة.

هذه الأرقام أثارت انتقادات وسخرية السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ اعتبروا أنه رغم أن الحكومة تجني أرباحا كبيرة من العديد من قطاعاتها ومنها قطاع السياحة، إلا أن الواقع في تدهور متصاعد، بينما علّقت متابعة أخرى بشكل ساخر “شو رأيكن تجيبولنا فيهن الكهربا”، في إشارة واضحة إلى مدى تخبط الحكومة وتملّصها من تحسين الظروف المعيشية للمواطنين.

كما أشار المواطنين إلى أن السياحة والراحة والخدمات الأساسية من الكهرباء والمياه وتوفير كل شيء تقريبا في هذا البلد باتت للسياح من المغتربين والزوار العرب. وتعليقا على هذا الأمر، علّق عدد من المتابعين بسخرية، “السياحة في ارتفاع والكهرباء معدومة، وسياحة في بلد يعجز المواطن فيه عن دفع أجرة المواصلات إلى مكان عمله، المواطن تعيس والمغترب والسائح بس العايش”.

يأتي المغتربون السوريون إلى سوريا ويقضون عطلتهم في أجمل الأماكن والمطاعم وأكثرها فخامة، وكذلك السياح العرب والأجانب، بينما يعاني السوريون بشكل كبير حتى يتمكنوا من تأمين لقمة عيشهم اليومية وبشق الأنفس، بالإضافة إلى إحجامهم عن كثير من السلع مثل الفواكه واللحوم وغيرها وتقنينهم للمواد الغذائية أو عدم ارتياد المطاعم والمقاهي.

مما لا شك فيه أن هذه الفجوة بين حياة الناس داخل سوريا والسائحين والمغتربين القادمين إلى سوريا تخلق نوعا من اليأس والحزن، الأمر الذي قد يدفع الكثير من المواطنين إلى التفكير في الهجرة أو اللجوء إلى أعمال غير مشروعة، من أجل تحقيق هذه الرفاهية المحرومة عليهم، وسط تعاقب الأزمات الاقتصادية وانخفاض مستوى الرواتب والأجور.

المواطن السوري اليوم أمام واقع مرير، حيث يبحث عن طرق علّها تنجّيه من أزماته المعيشة في هذه البلاد المتعبة. كما أن استبدال اللحوم بالفطر أو عظام اللحوم أو الأسماك أو لحوم الإبل، دليل على مدى تدهور الأوضاع الاقتصادية لدى المواطنين، وسط تدني مستوى الرواتب والأجور.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات