كثُرت الأحاديث والأنباء مؤخرا عن تقدّم المحادثات بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، بشأن إمكانية إقامة علاقات سلام مع إسرائيل من أجل زيادة الاستقرار في المنطقة. وهو ما أكده المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، يوم الأربعاء الماضي، أن بلاده أجرت محادثات مثمرة مع حكومتي السعودية وإسرائيل لتدشين علاقات سلام بين البلدين.

إلا أن ميلر لم  يضيف تفاصيل إضافية بشأن موعد الإعلان عن اتفاق محتمل، بلى اكتفى بالقول “لقد أحرزنا تقدما في عدد من القضايا، لكن لا يزال الطريق طويلا لنقطعه بمستقبل غير مؤكد، لكنها قضية مهمة نعتقد أننا يجب أن نواصل متابعتها”، متوقعا “حدوث مزيد من تلك المحادثات في الأسابيع المقبلة”.

تدعيما لذلك، نفى منسق الاتصالات بمجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، صحة التقارير بشأن اتفاق وشيك للسلام بين السعودية وإسرائيل، قائلا إن المفاوضات لاتزال جارية بشأن هذا الأمر، وأنه ليس ثمة اتفاق على مجموعة من المفاوضات، لافتا إلى أنه “لا يوجد إطار متفق عليه بخصوص السلام أو أي من الاعتبارات الأمنية الأخرى التي لدينا وأصدقائنا في المنطقة”. وهو ما يتوافق مع حديث الرئيس الأميركي جو بايدن، حين قال قبل نحو أسبوعين إن ثمة تقارب ربما يكون جاريا.

من هنا تبرز عدة تساؤلات حول إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام بين السعودية وإسرائيل ودور واشنطن فيه، والعقبات التي يمكن أن تواجهها الاتفاقية، وكيف سيبدو الاتفاق إذا تم، من حيث الشروط والأهداف والتطلعات.

احتمالات حدوث اتفاق سلام

وسط كل هذه التصريحات، أشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية في تقرير حديث لها، أن الولايات المتحدة والسعودية اتفقتا على “الخطوط العريضة” لاتفاق يتم بموجبه إعلان السعودية اعترافها رسميا بإسرائيل، وفي المقابل، يتم توفير ضمانات أمنية للسعودية، وتطوير برنامجها النووي المدني، ومطالبة إسرائيل بتقديم تنازلات للفلسطينيين.

اجتماع أميركي سعودي في وقت سابق-“الشرق الأوسط”

المسؤولون الأميركيون ينظرون بتفاؤل إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام بين الرياض وتل أبيب، خاصة وأن هذه الاتفاقية ستكون من أهم الاتفاقيات في التاريخ الجيوسياسي الحديث في الشرق الأوسط، لكنهم يدركون في الوقت نفسه أن هذا الأمر سيستغرق وقتا وجهدا طويلا، خاصة فيما يتعلق بالشروط والحدود الممكنة التي يمكن أن يذهب إليه الاتفاق.

الباحث والمحلل السياسي الدكتور سامح مهدي، يرى في هذا الإطار أن هناك احتمالات موسّعة راهناً بذلك على الانفتاح السعودي وحتى الخليجي على إسرائيل ويمكن ملاحظة ذلك على عدة مستويات منها انفتاح المجال الجوي للطائرات الإسرائيلية للمرة الأولى.

ثم لقاءات عديدة لمسؤولين رفيعي المستوى بالولايات المتحدة بقادة في السعودية ولقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لمناقشة هذا الأمر تحديدا، حيث التقى آموس هوكستين، مستشار بايدن للطاقة والبنية التحتية بالأخير والأمر ذاته لمساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، التي زارت الرياض في حزيران/يونيو الماضي لإنجاح مهمة “اندماج إسرائيل بالمنطقة”، حسبما يحلل مهدي لموقع “الحل نت”.

هذا وقد زار مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان، المملكة العربية السعودية، مؤخرا، وذلك لبحث تفاهمات من شأنها دفع عملية السلام في الشرق الأوسط، معتبرا أن الاتفاق في حال حدوثه سيمكّن من إرساء السلام والاستقرار بالمنطقة.

قيادة “شابة” للسعودية

هذه الجهود السياسية والدبلوماسية التي تؤكدها حتى القيادة الجديدة والشابة بالسعودية وعلى قمتها محمد بن سلمان، حيث ذكر أن إسرائيل لا تصنف كعدو إنما حليف بحسب حوار لـ بن سلمان في مجلة “اتلانتيك مغازين” الأميركية، إنما يؤكد مقاربة مشتركة للانفتاح على إسرائيل وإيجاد قاعدة للتعاون المشترك، وفق ما يوضحه المحلل السياسي سامح مهدي.

كل ذلك بهدف استقرار المنطقة وتعميم السلام والتعاون الاقتصادي والأمني والعسكري في ظل مخاطر الإرهاب المشتركة مثلا وضرورة انحسار القوة المعادية بداية من ميليشيات إيران ومرورا بحركة “حماس” وباقي الأجنحة السُنية مرورا بالتهديدات في قارة آسيا من قبل حركة “طالبان” المتطرفة وتنامي نفوذ تنظيمي “داعش والقاعدة” الإرهابيين، وهناك ومحاولات إعادة تموضعها، طبقا لحديث مهدي.

بحسب العديد من التحليلات يبدو أن الرئيس بايدن، يتصارع مع فكرة دعم اتفاقية أمنية أميركية سعودية ومن بينها بيع أسلحة متقدمة مثل منظومات “ثاد” المضادة للصواريخ البالستية والمفيدة للسعودية لتحييد تهديد صواريخ إيران الباليستية المتوسطة وطويلة المدى.

إلى جانب تطوير برنامج نووي سلمي للأخيرة تمهّد الطريق إلى التوصل لاتفاقية مع السعودية بخصوص الاعتراف بإسرائيل، شريطة أن تقدم تل أبيب تنازلات للفلسطينيين تحافظ على إمكانية حلّ الدولتين، وهو ما يُعتبر أحد العقبات أمام إتمام هذه الاتفاقية.

في المقابل، تريد إدارة بايدن من السعودية أن تقيد علاقتها المتنامية مع الصين، وتقدم ضمانات بأنها لن تسمح لبكين ببناء قواعد عسكرية في المملكة، كما تسعى الإدارة الأميركية إلى تقييد استخدام تكنولوجيا شركة “هواوي” الصينية، والحيلولة دون تسعير مبيعات النفط السعودي باليوان الصيني، بحسب الصحيفة الأميركية.

بينما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية لشبكة “سي إن إن”، إنه ليس على علم بتقرير صحيفة “وول ستريت جورنال” الذي يفيد بأن الولايات المتحدة تريد من السعودية أن تنأى بنفسها عن الصين عسكريا واقتصاديا، كجزء من اتفاق سلام بين السعودية وإسرائيل.

ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان-“إنترنت”

ميلر ذكر “لا أريد التحدث بالتفصيل، ولكن من وجهة نظرنا، فإن الغرض من هذه الاتفاق هو زيادة الاستقرار في المنطقة وتدشين علاقات سلام بين البلدين”. وهو ما يتوافق مع تصريح كيربي قبل يومين حين قال “سنواصل تشجيع السعودية وإسرائيل على تطبيع العلاقات لأن ذلك يخدم مصالح المنطقة”.

جوناثان بانيكوف، رئيس “مبادرة سكوكروفت” الأمنية للشرق الأوسط في “مركز أبحاث المجلس الأطلسي”، يقول وفق الصحف الأميركية، إن وجود شرق أوسط أكثر شمولية وتماسكا وأكثر سلاما هو أمر جيد جدا بالنسبة للولايات المتحدة، التي تريد أن تنفق وقتها وأموالها وجهودها في أماكن أخرى، خاصة في مواجهة الصين على المدى الطويل، ومواجهة روسيا ودعم أوكرانيا على المدى القصير.

شروط ومواقف

منذ شهور وتجري مباحثات دبلوماسية بين واشنطن والرياض، والتي يبدو أن ملامحها بدأت تظهر، وعادة تدرس الولايات المتحدة مثل هذه الأمور لفترة طويلة، من 8 أشهر إلى عدة سنوات، ثم يتم التوصل إلى اتفاق. وهكذا تجري المباحثات مع أميركا، حيث توجد رؤية أميركية لاتفاق ما، ثم يتم مناقشة هذا التصور، وتاليا يتم تعديله حسب متطلبات كل طرف حتى يتم التوصل إلى اتفاق نهائي، وبالتالي فإن احتمالية حدوث اتفاق سلام بين الرياض وتل أبيب قد يكون قريبا، أي في العام القادم تقريبا.

في سياق الموقف الإسرائيلي، قال مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، مؤخرا، إن خطة الولايات المتحدة لتدشين علاقات سلام بين السعودية وإسرائيل من غير المتوقع تقديمها قبل نهاية العام الجاري 2023، مشيرا إلى أن واشنطن تُبقي إسرائيل على اطلاع عن كثب بتقدّم المحادثات مع المملكة، لكن لا يحدث الكثير.

هنغبي أردف “نحن لا نتحدث إلى السعوديين على الإطلاق، والأميركيون يتحدثون معهم، وانطباعهم هو أنه يجب أن يكون هناك شيء يتعلق بالفلسطينيين”، مشيرا إلى “قلقنا الرئيسي هو أننا لن نذهب إلى ثمن تطبيع العلاقات مع السعودية، بفعل شيء يتعارض مع أمننا”.

بالتالي فإنه من المعوقات التي تواجه المفاوضين هو حجم التنازلات التي ستقدمها إسرائيل للفلسطينيين مقابل العلاقات مع السعودية، وهذا في اعتقاد العديد من المحللين أنه ممكن، على الرغم من تقليل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من أهمية الملف الفلسطيني في هذه المحادثات، نظرا لأن تل أبيب تأمل وترغب بشدة في إقامة علاقات مع السعودية، لما لها من نتائج إيجابية عليها.

لكن يتعين الأخذ في الاعتبار أن السعودية برعاية الولايات المتحدة تتخذ خطوات جادة في الانفتاح مع إسرائيل، ليس فقط على المستوى السياسي أو الدبلوماسي والانخراط في حوار رفيع المستوى إنما تقوم بتغييرات ملحوظة في خطابها الإعلامي والتربوي بالسينما والدراما ومناهج التعليم، بحيث يتم تفكيك سرديات العداء القديمة والتقليدية، وفق ما يقوله مهدي.

إجمالا، يبدو أن هناك خطوات سعودية جادة نحو إقامة علاقات سلام مع إسرائيل، حيث بدأت تتحدث بلهجة ناعمة تجاه إسرائيل، وسط تشبثها بحق إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

بالنظر إلى حاجة المملكة إلى تكنولوجيا نوعية من إسرائيل، فضلا عن طرف قوي، لردع التهديدات التي تواجه المنطقة وخطر توسع النفوذ الإيراني، فمن المحتمل أن يتم التوصل إلى اتفاق سلام بين البلدين، لكنه ليس وفق الشروط المتداولة حاليا، أي قد يكون هناك التزام دفاعي أميركي أو إنشاء تحالف شرق أوسطي، بغية حماية أمن السعودية ودول المنطقة ككل من التهديدات المحتملة من الميليشيات الإيرانية أو أي مشاريع معادية من أطراف أخرى تستهدف المنطقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة