هكذا هي المعطيات، تشير كلها إلى أن القمة الثلاثية التي تستضيفها الولايات المتحدة الأميركية اليوم الجمعة، في منتجع “كامب ديفيد”، وتجمع كلا من الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس كوريا الجنوبية يون وسوك يول، ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، ستكون قمة غير عادية، حيث يُتوقع أن تولّد تحالفا مصغّرا على غرار تحالف “الناتو”، خصوصا وأن القمم في هذا المكان الذي لم تجرِ استضافة قيادات أجنبية فيه منذ 2015، مخصصة عادة لملفات أو صفقات كبيرة، ويبدو أن هذه القمة ينطبق عليها هذا التصنيف.

السياق والظروف، والتلميحات التي وردت في تقديم هذه القمة من جانب “البيت الأبيض” ووزارة الخارجية الأميركية، تضعها في خانة الحدث التأسيسي لإقامة تحالف ثلاثي، بدلا من التحالف الثنائي المستمر منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية بين الولايات المتحدة وكل من الدولتين على حدة، وذلك على الرغم من أن الهدف المعلن لهذه القمة هو العمل على تعزيز التعاون العسكري والتدريبات المشتركة بين الدول الثلاث لمواجهة تهديدات الصين وكوريا الشمالية، والحفاظ على حرية الملاحة في المحيطين الهادئ والهندي مفتوحة وآمنة.

إذ يُتوقع أن تكون هذه القمة من أجل ردم الهوة بين كوريا الجنوبية واليابان التي ظلت قائمة منذ ما بعد احتلال الأخيرة لكوريا منذ عام 1910 ولغاية 1945، والذي حال دون التقارب أو التحالف بينهما، على الرغم من خصومتهما المشتركة للصين وكوريا الشمالية.

قمة من نوع خاصة

لذلك، تتمتع القمة بأهمية خاصة، فمن حيث المكان، للمرة الأولى يقوم بايدن باستضافة زعماء أجانب في هذا المنتجع الريفي في ولاية ميريلاند، ومن حيث الحضور، فإن العلاقات التاريخية بين كلّ من كوريا الجنوبية واليابان اتسمت بالتوتر والمواجهة، وذلك علاوة عن ما يشهده العالم من تطورات كبيرة، ومنطقة بحر الصين الجنوبي على وجه التحديد.

ذلك يأتي نتيجة سنوات من العمل الذي قامت به واشنطن على مدى السنوات الأخيرة للتقريب بين الجانبين، والذي بدأ منذ أواخر ولاية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، من خلال لقاءات ثلاثية على مستوى الصّفين الثاني والثالث، شارك فيها نائب الرئيس آنذاك جو بايدن ومعاونه الأول أنتوني بلينكن في ذلك الوقت. 

بعد ذلك تكررت الجولات لمرات عدة، بحسب وزير الخارجية الأميركية الحالي أنتوني بلينكن، وكان الغرض منها إذابة الجليد بين الجارين، كمقدمة لترجمة طرح أوباما حينذاك بضرورة تحوّل أميركا نحو الشرق الأقصى، بدلا من الشرق الأوسط، وذلك قبل أن تأتي القمة الحالية التي تستضيفها الولايات المتحدة الأميركية والتي يُنظر لها بأنها تتويج لتلك الجهود المشتركة السابقة.

بيد أن الحديث عن تشكيل “ناتو” آسيوي، يأتي على الرغم من الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة الأميركية لاحتواء الصين، التي باتت تشكل هاجسا لكل دولة من الدول الثلاث، والتي باتت جميعا تعتبر كلا من الصين وكوريا الشمالية عدوين لها، ويجب التعاون والتنسيق والعمل على المشترك لإضعافهما.

لذا، أن هذا التقارب المهم جدا بين اليابان وكوريا الجنوبية برعاية الولايات المتحدة الأميركية، يمثل إعلان “ناتو” آسيوي جديد، حتى وإن لم يُعلن عن ذلك بشكل رسمي، فالولايات المتحدة الأميركية واليابان وكوريا الجنوبية، ينظرون مجتمعين إلى أن الصين باتت تمثل تهديدا كبيرا للقارة الآسيوية والذي يتطلب موقفا تاريخيا للحد من هذه التهديدات وضمان استقرار القارة، كما يرى خبير العلاقات الدولة محمد اليمني.

تطويق بكين بـ “ناتو” آسيوي

ويقول في حديث لموقع “الحل نت”، إن الولايات المتحدة الأميركية تعمل على تطويق بكين في القارة الآسيوية من كل الجهات، وهذا على ما يبدو ما نراه على أرض الواقع، إذا باتت واشنطن تمتلك قواعد عسكرية وتحالف مع معظم بلدان القارة التي تعلم جيدا أنه في حال تعرضها لأي تهديد من قبل الصين أو غيرها فإن الولايات المتحدة الأميركية ستتدخل سريعا لحمايتها وحماية مصالحها.

الرئيس الأميركي جو بايدن يلتقي رئيسي حكومة اليابان وكوريا الجنوبية في كامب ديفيد/ إنترنت + وكالات

اليمني، أشار إلى أن عمل الولايات المتحدة الأميركية على تشكيل هذا “الناتو” الآسيوي، ينطلق من المعرفة الأميركية والإدراك لقدرة وقدر اليابان وكوريا الجنوبية في القارة الآسيوية واللذان يمثلان رأس الحربة بمواجهة كوريا الشمالية وتنامي الصين، مبينا أن من ضمن الأهداف التي تعمل عليها الولايات المتحدة الأميركية من خلال هذا التحالف هو تطويق الاقتصاد الصيني، وتحجيم دور بكين في نطاقها المعتاد.

ذلك يأتي بالرغم من أن الولايات المتحدة من جهتها كانت قد وضعت استراتيجية “احتواء الصين” هدفا معلنا لها، حيث عملت على تنفيذه طوال السنوات الماضية، وخصوصا خلال ولايتي كلّ من ترامب وبايدن.

لكن الغزو الروسي لأوكرانيا ومواقف الصين من تايوان، جعلت الموقف الأميركي أكثر خشية من تكرار بكين سيناريو موسكو في تايون، بخاصة وأنها في السابق كانت قد هددت مرارا وتكرارا باجتياحها وأنها يجب أن تعود لتنضم للسيادة الصينية، وهو ما زاد المخاوف الأميركية والغربية من الصين التي اتخذت موقفا منحازا إلى جانب روسيا ضد أوكرانيا.

بل إنها تؤيد وتدعم موسكو في غزوها لأوكرانيا، رغم محاولات الصين التي حاولت من خلالها إظهار موقف غير منحاز إلى أي طرف من طرفي الحرب، تغلبا منها لمبدأ المفاوضات والعودة إلى السلام كوسيلة لحل الخلافات الدولية، وهذا ما تؤكده الدوائر الغربية بأنه غير صحيح.

بسبب ذلك، عملت واشنطن على نسج طوق من التحالفات الأمنية والعسكرية في منطقة محيط الصين، وقبل الحديث عن “ناتو” آسيوي، هناك تحالف “أوكوس” الذي ضم كلا من أستراليا والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، جزءا من هذه المساعي، والذي نتج منه تزويد الولايات المتحدة الأميركية أستراليا بغواصات نووية متطورة.

احتواء واشنطن للصين

كل ذلك يأتي بعد أن توقّع مراقبون، أن تتحسن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين خلال العام الحالي، وذلك بعدما اجتمع الرئيس الأميركي جو بايدن، بنظيره الصيني شي جين بينغ، في بالي الإندونيسية، في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، على هامش قمة الـ 20.

الرئيس الأميركي جو بايدن مع الرئيس الصين شي جين بينغ/ إنترنت + وكالات

الطرفان كانا قد اتفقا على تعزيز الاتصالات وتذليل العقبات، حيث أكد بايدن من بالي حينها، أنه لن تكون هناك “حرب باردة جديدة”، ثم عاد ليؤكد في 17 أيار/مايو الماضي، أنه سيتحدث مجددا مع شي، من دون تحديد موعد لذلك، قائلا أمام الصحافيين في واشنطن قبيل مغادرته لحضور “قمة السبع” في اليابان؛ سواء أكان ذلك قريبا أم لا، سنلتقي، في إشارة إلى شي.

لكن على الرغم من لقاء شي وبايدن في بالي، خريف العام الماضي، واتفاقهما على مواصلة الحوارات الثنائية بين البلدين، إلا أن واشنطن واصلت سياستها المبنية على تعزيز الردع في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، ودعم تايوان، ما أثار حفيظة الصين.

الجدير ذكره، أن الإدارات الأميركية المتعاقبة تُبدي منذ أكثر من عقدين، قلقها من سياسات الصين التجارية، والوتيرة المتسارعة التي تتبناها بكين لتحديث جيشها، ومقاربتها المتشددة وغير الليبرالية بمسألة حقوق الإنسان. 

كل ذلك، إلى جانب تزايد ما تسميه واشنطن وحلفاؤها استفزازات الصين في بحر الصين الجنوبي وعسكرتها لمياهه وكذلك تحركاتها في “مضيق تايوان”؛ فضلا عن التهديدات باستعادة تايوان ولو بالقوة، التي دفعت إلى ارتفاع وتيرة الدعم الأميركي للجزيرة، التي تمثل نحو 92 بالمئة من الإنتاج العالمي لصناعة أشباه الموصلات؛ قد ساعد في ارتفاع حدة التوترات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات