تحركات تركية عديدة جرت مؤخرا تجاه اللاجئين السوريين المقيمين لديها، ولعل أبرزها تكثيف عمليات ترحيل السوريين من تركيا إلى شمال سوريا، إضافة إلى أحاديث صحفية حول إعطاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تعليمات لتشجيع عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم في ثلاث مراحل وفق “نموذج حلب”، وهذه كلها مؤشرات تثير تساؤلات حول ما الذي تريد أنقرة الحصول عليه من الملف خلال الفترة المقبلة.
لا سيما أن تركيا تخطط الآن لتوحيد إدارة المناطق الخاضعة لسيطرة قواتها وفصائل ما يعرف بـ”الجيش الوطني السوري” المدعومة منها، في شمال وشمال شرقي سوريا، من خلال تعيين والي واحد يتولى سلطات إدارة تلك المناطق بدلا من 7 ولاة عُينوا للتنسيق هناك، وفق صحيفة تركية.
إضافة إلى تصريحات أردوغان، يوم أمس الثلاثاء، بأن تركيا كثّفت إجراءاتها ضد مهرّبي البشر، ومنعت دخول مئات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين. في الواقع، تكرار حديث أردوغان لترحيل اللاجئين السوريين، بالتزامن مع تسريب الصحيفة التركية حول تعيين حاكم واحد لمناطق سيطرة تركيا بشمال سوريا، يثير العديد من التساؤلات، فهل يعني ذلك مقدمة لمرحلة جديدة في العلاقة مع دمشق، أم أن هناك مصالح براغماتية أخرى تقف وراء ذلك.
ماذا وراء تصريحات أردوغان؟
خلال حفل تخريج ضباط أكاديمية الدرك وخفر السواحل التركية في العاصمة أنقرة، أردف “كثّفنا الإجراءات المتخذة ضد مهربي البشر داخل البلاد وعلى الخط الحدودي، ومنذ مطلع العام الجاري منعنا دخول 143 ألف مهاجر غير نظامي إلى تركيا”.
أردوغان، لفت إلى أنه في الوقت الذي يتم فيه اتخاذ جميع أنواع التدابير ضد الهجرة غير النظامية، فإن تركيا ترحب بضيوفها الأجانب الذين يساهمون في الاقتصاد التركي، مضيفا “لا يمكننا السماح للعنصرية وكراهية الأجانب، التي ليس لها مكان في تاريخنا وثقافتنا ومعتقداتنا، بالانتشار في مجتمعنا”.
حديث أردوغان يأتي بعد يوم من نشر صحيفة “تركيا” تقريرا قالت فيه، إن رجال الأعمال العرب يكثّفون نقل مشاريعهم إلى خارج تركيا مع تصاعد العداء الذي يستهدف العرب والتحريض العنصري الحاصل في البلاد. وأشارت الصحيفة التركية إلى أن تحرك رؤوس الأموال تسبب بخسائر لتركيا بلغت 2 مليار دولار أميركي، موضحة أن آثار معاداة العرب في تركيا أصبحت واضحة وقوية خلال الشهرين الأخيرين، حيث تأثرت الاستثمارات العربية في البلاد بشكل كبير.
مما لا شك فيه أن تصريحات أردوغان تقف وراءها جملة من المصالح البراغماتية كما العادة، فمن جهة لا يريد أن يخسر الاستثمارات العربية والسياحة التي تُعد من أهم مصادر الدخل الوطنية لأنقرة، خاصة بعد ترحيل مواطنَين مغربيَين إلى الشمال السوري، اعتقدت أنهما سوريان، كانا قد قدما إلى تركيا بقصد السياحة.
كما أن حديث أردوغان اليوم عن مشروع “العودة الطوعية” الذي يهدف إلى عودة نحو مليون لاجئ من تركيا إلى سوريا، واستمرار بناء مساكن دائمة في شمال سوريا لتسهيل العودة “الطوعية والآمنة”، يشير إلى أن هناك مصالح ومكاسب سياسية تقف وراء هذه التصريحات، وربما يدل على أنها مرحلة جديد في إطار التقارب بين أنقرة وحكومة دمشق.
أردوغان، أضاف في حديثه “مع انتهاء بناء هذه المنازل، التي تبنى بدعم مالي قطري، سيتمكن ما يقارب مليون سوري من العودة إلى وطنهم براحة بال”. وهذا الكلام يتزامن مع حالة تشديد أمني تعيشها تركيا في سبيل ضبط مهاجرين “غير شرعيين” على أراضيها، فضلا عن تكثيف حملاتها لمضايقة وترحيل اللاجئين السوريين، تحت ذرائع عدة، من بينها ارتكاب مخالفات. بالتزامن مع تشديدات أمنية على الحدود للغرض ذاته.
توحيد المناطق
في السياق ذاته، كشفت مصادر مطلعة على خطة أنقرة لتوحيد إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتها في شمالي سوريا، عن أنه يجري العمل حاليا على وضع نظام جديد للتنسيق بين أنقرة والمجالس المحلية في 13 منطقة مختلفة، في مقدمتها أعزاز وجرابلس والباب وعفرين وتل أبيض ورأس العين.
طبقا لما نقلته “الشرق الأوسط” عن صحيفة “تركيا” القريبة من الحكومة، يوم أمس الثلاثاء، فإنه سيتم تعيين حاكم واحد للمناطق التي تسيطر عليها القوات التركية والفصائل شمال سوريا، بحجة إزالة ارتباك السلطة هناك وإدارة العلاقات بدرجة عالية من التنسيق مع أنقرة.
المصادر ذاتها أشار إلى أنه سيتم تنفيذ الكثير من المشروعات للحفاظ على أمن المنطقة ووقف عمليات الهجرة خارج الحدود، وتشجيع العودة الطوعية للاجئين السوريين في تركيا.
تسريبات الصحيفة التركية تأتي بالتزامن مع تقارير عدة كشفت عن تشكيل الحكومة التركية بتعليمات من أردوغان، آلية ثلاثية للعمل على تسريع جهود العودة الطوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم، بالتركيز على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في محافظة حلب شمال غربي سوريا، فيما يُعرف بـ”نموذج حلب”.
صحيفة “صباح” التركية أشارت في تقرير حديث لها، أن “أردوغان أصدر تعليمات بتشكيل آلية ثلاثية من ممثلين لوزارة الداخلية، وحزب العدالة والتنمية الحاكم وكتلته البرلمانية، لتحفيز السوريين على العودة الطوعية إلى الأماكن التي يتم السيطرة عليها في شمال سوريا، بواسطة القوات التركية والفصائل الموالية لأنقرة”.
هذا ويبلغ عدد السوريين في تركيا ثلاثة ملايين و234 ألفا و28 لاجئا سورياً، وفق إحصائية المديرية العامة لرئاسة الهجرة التركية، الصادرة في 17 من آب/أغسطس الحالي.
حلم الاستحواذ على حلب
صحيفة “صباح” أشارت أيضا إلى أن واحدا من أهم وأبرز الجوانب في خريطة الطريق التي تعمل عليها الآلية، هو التركيز على محافظة حلب، التي تعد العاصمة الاقتصادية لسوريا والعمل على إحيائها من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية. وأنه من أجل ذلك، تواصل تركيا محادثاتها مع كلّ من موسكو ودمشق لضم حلب إلى خريطة الطريق، في خطوة تهدف إلى توفير فرص عمل لمئات الآلاف من اللاجئين السوريين الذين سيتم تشجيعهم على العودة إلى بلادهم. وإعلان الرئيس التركي قبل أيام عن “نموذج حلب”، أثار مخاوف مئات آلاف اللاجئين من اقتراب ترحيلهم إلى سوريا.
بعض المراقبين يرون في هذا الإطار أن “نموذج حلب” هو محاولة تركية على أنها طريق الحل لأي توافق سياسي مُقبل بينها وبين حكومة دمشق. ولا شك أن أردوغان لديه أهداف ومصالح تكتيكية من طرح هذه الخطة، وهي السيطرة على حلب عن طريق إرسال اللاجئين السوريين إليها. ولطالما كانت مسألة سيطرة تركيا على حلب حلما يراودها.
لكن هذا لا ينفي أن هذا النموذج يهدف إلى إحداث تغيير ديمغرافي في شمال سوريا، وهو ما يعني فعليا أن أنقرة لن تنسحب لاحقا من تلك المناطق السورية التي تسيطر عليها في الوقت الحالي، بل ربما هي تضع شروطا جديدة لدمشق في إطار التقارب بينهما.
تنفيذ هذه الخطة ليس بالأمر السهل، حيث من المحتمل جدا أن سيصطدم ذلك بالرفض الإيراني وحتى الروسي، خاصة أن طهران ترفض أي تواجد تركي مع الفصائل “السنية” التابعة لها في حلب، نتيجة وجود مناطق شيعية مثل بلدتي نبُّل والزهراء الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية برعاية إيرانية، وبالتالي خطة “نموذج حلب” ستكشف عن عدة خلافات بين أطراف الصراع السوري مثل إيران وروسيا وتركيا.
- وفيق صفا.. ما الذي نعرفه عن أول قيادي ينجو من ضربات إسرائيل
- ما بين النفط والموقع الاستراتيجي.. الصين عينها على السودان
- بموافقة 26 دولة.. مجلس حقوق الإنسان يعتمد قرارا حول سوريا
- إسرائيل تحيّد قائد وحدة الصواريخ بقوة “الرضوان” واستهداف جديد لـ”اليونيفيل”
- العراق وتعديل قانون الأحوال الشخصية.. الرجعية تكسر التنوير!
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.