في حين يواجه اللاجئون السوريون مشاكل وحملات تضييق كبيرة في الدول المضيفة، وخاصة لبنان، زادت السلطات اللبنانية من حملاتها ضد اللاجئين السوريين، حيث فرضت بعض البلديات إجراءات تمييزية ضدهم، تزامنا مع زيادة خطاب الكراهية والتمييز من قِبل مسؤولين لبنانيين تجاه اللاجئين المقيمين هناك.

تقرير لموقع “الحرة” الأميركي، يشير إلى أن السلطات اللبنانية فرضت حظر تجول وقيّدت قدرة اللاجئين السوريين على استئجار منازل، وإجبارهم على تزويد البلديات ببياناتهم الشخصية، والتهديد بترحيلهم، وغيرها من الإجراءات التي تطال اللاجئين السوريين في الفترة الأخيرة.

اللاجئين السوريين أمام تحديات جمّة

وسط كل ذلك، تبث شائعات لإثارة الرعب بينهم، كتسلّل “عناصر وأمراء من داعش” عبر معابر غير شرعية إلى الأراضي اللبنانية، إضافة إلى مداهمة الجيش اللبناني لمخيماتهم، مما زاد من معاناتهم والتحديات التي تواجههم في حياتهم اليومية.

أحد مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان- “إنترنت”

هذه الحملات تأتي في إطار تطبيق القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء اللبناني الشهر الماضي، وعلى رأسها الطلب من وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال، بسام مولوي، التعميم على البلديات وجوب الإفادة الفورية عن أي تحركات وتجمعات مشبوهة تتعلق بالنازحين السوريين.

كذلك “إجراء مسح فوري للنازحين السوريين القاطنين في النطاق البلدي وتكوين قاعدة بيانات عنهم، وإزالة التعديات والمخالفات كافة عن البُنى التحتية الموجودة في أماكن إقامتهم، والتشدّد في تطبيق قانون السير”.

كما طلب مجلس الوزراء من مولوي، “تعميم التشدد في قمع المخالفات المتعلقة بالمحلات التي تستثمر ضمن النطاق البلدي من قبل سوريين من دون حيازة التراخيص اللازمة والعمل على إقفالها فورا، وإحالة المخالفين إلى القضاء المختص، والطلب من الجمعيات كافة، لا سيما الأجنبية منها، وجوب التنسيق مع الوزارات والإدارات والأجهزة العسكرية والأمنية تحت طائلة سحب العلم والخبر منها، بناء على تقارير تُرفع لهذه الغاية من قبل الإدارات والأجهزة المعنية، لاسيما من قبل المديرية العامة للأمن العام”.

مولوي، اعتبر أن النزوح السوري لم يعُد يُحتمل، وهو يهدد ديمغرافية لبنان وهويته، مثنيا خلال رعايته أعمال مجلس الشؤون البلدية والاختيارية المركزي في قصر “اليونيسكو” في بيروت، على عمل ودور العديد من البلديات، لاسيما بيروت وطرابلس وسن الفيل والغبيري والدكوانة.

مولوي، لفت وفق التقرير الصحفي إلى أن “مشكلة النزوح كبيرة وشائكة، ويجب أن نتعامل معها من منطلق حرصنا على وجود ومصلحة لبنان وبالقانون”، داعيا في الوقت ذاته إلى إزالة المخالفات في كل البلديات والاتحادات، وإلى حماية الأملاك العامة والمشاعات الخاصة بالدولة اللبنانية التي هي حقّ كل مواطن، منوّها إلى أن “البلديات تعوض تقصير الدولة في الأزمات”.

مولوي، أكدت على عدم السماح بإدارة المحلات ذات الصناعات الخفيفة، التي تؤثر سلبا على التاجر اللبناني والصناعي، من حيث المضاربة غير المشروعة ونوعية البضائع. ويؤكد هنا رئيس بلدية الدكوانة، المحامي أنطوان شختورة لموقع “الحرة”، أنه “يطبّق قرارات وتعاميم الحكومة، ووزيري الصناعة والداخلية ووزيري العمل سابقا، والبعض يتهمني بالعنصرية رغم أني أتصرف وفقا للقانون وكرئيس بلدية حقوقي، وأن كان رأيي الشخصي حول النزوح السوري أنه أصبح عبئا على البُنى التحتية والاقتصاد اللبناني، بالتالي أؤيد عودتهم إلى بلدهم”.

إجراءات مستمرة

في بلدية الغبيري الواقعة ضمن الضاحية الجنوبية لبيروت، كانت قد أعلنت في الـ 29 من أيلول/سبتمبر الماضي، مباشرة شرطتها إجراءات الكشف على كافة المحال والمؤسسات والشركات وورش المِهن الحرة التي يديرها نازحون سوريون في نطاقها البلدي، للتأكد والتثبيت من حيازتهم التراخيص القانونية وفي حال وجود مخالفات تم العمل على إقفالها فورا.

البلدية أوضحت في بيان، أن هذه الحملة ستستمر يوميا، إضافة إلى الإجراءات الخاصة بمنع الأجانب من قيادة الآليات دون تسجيل أو رخصة قيادة أو أوراق ثبوتية. وهذه الإجراءات تحدّ من حرية اللاجئين السوريين، بل وتضييق عليهم الخناق، مما يجبر العديد منهم إلى الهرب من لبنان واللجوء إلى دول أخرى أكثر أمانا، مثل مصر أو الدول الأوروبية.

عبر صفحته على منصة “الفيسبوك”، أعلن رئيس بلدية الغبيري، معن خليل، “بدء إقفال سوق سويدان الذي يضم أكثر من 50 محلا تجاريا، ومطاعم معظمها مؤجرة لأجانب، أو يعمل فيه عمال أجانب خلافا للقانون”.

هذا وكان اللاجئون السوريون محور الاهتمام والنقاش في الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي انطلقت في نيويورك مؤخرا، بمشاركة قادة ومسؤولين من مختلف الدول الأعضاء.

رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، أعرب عن قلق بلاده إزاء أعداد اللاجئين السوريين، وعدم قدرتها على تحمّل المزيد، وأن هناك موجة نزوح جديدة رغم أن عدد اللاجئين السوريين في لبنان 1.8 مليون، نحو 880 ألفا منهم مسجّلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بحسب تقديرات لبنانية.

من جهته ذكر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أن سوريا تبقى ركاما مع عدم وجود حلّ سياسي في البلاد والسلام يبدو بعيد المنال، في حين ذكر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن هناك 4 ملايين سوري يعيشون ظروفا صعبة في الأجزاء الشمالية لبلادهم يواجهون مصيرهم لوحدهم.

الهروب من “حزب الله”

لم تكن الإجراءات والحملات البلدية لتقييد السوريين كافية، حتى يأتي الأمين العام لـ”حزب الله” اللبناني حسن نصر الله، ويهدد بإرسال اللاجئين السوريين عبر رحلات جوية منظمة للضغط على الدول الأوروبية، مدّعيا أن الولايات المتحدة هي السبب في لجوء السوريين.

زعيم “حزب الله” الموالي لطهران وأجنداتها، قال في كلمة مصورة له، يوم الإثنين الفائت، إن ملف اللجوء السوري هو الملف الأساسي حاليا، ولا سيما أن هناك قناعة لدى الجميع بأنه ملف تهديد وجودي في البلد على أصعدة مختلفة، مردفا أنه “عندما يُقال إن هناك تهديدا يجب تحمّل المسؤولية، والتراشق حول الماضي يمكن أن يكون مفيدا للتذكير بالمواقف وأخذ العبر”.

كما ودعا زعيم “حزب الله” إلى وضع خطة وطنية موحّدة يتفق عليها اللبنانيون ويحملونها إلى العالم في الخارج، ويضغطون بها على حكومة تصريف الأعمال ومؤسسات الدولة والجيش والقوى الأمنية وعلى البلديات والمجتمع. ولكن خطة تكون مدروسة ومحسوبة ومتفقا عليها.

اللافت أن حسن نصر الله، ركز على ضرورة معالجة الأسباب، محمّلا الولايات المتحدة الأميركية مسؤولية اللجوء الأمني في المرحلة الأولى لأنها هي التي أشعلت الحرب هناك “أي في سوريا”، كما أنها هي التي تتحمل مسؤولية عدم إعادة الإعمار بسبب الضغوط والعقوبات، مطالبا بضرورة السعي لإلغاء قانون “قيصر”.

بهذا المعنى، ينسى زعيم ميليشيا “حزب الله”، أنه قاتل إلى جانب الحكومة السورية في قمع وقتل السوريين الأبرياء، وارتكب العديد من جرائم الحرب والمجازر بحق السوريين العُزّل، وإغراق سوريا بتجارة “الكبتاغون”، وفق العديد من التقارير الحقوقية والدولية.

تعقيبا على حديث حسن نصر الله، قال الكاتب والمحلل السياسي اللبناني مكرم رباح، إن قسما كبيرا من اللاجئين السوريين في لبنان، تركوا منازلهم بسبب جرائم “حزب الله” في سوريا، مضيفا خلال مداخلة له على قناة “الحدث العربية” “من يستمع لحسن نصر الله، يظن أنه ناشط حقوقي أو ناشط حقوق إنسان. كان الأجدى به ألا يعرض لبنان للعزلة العربية والإسلامية والدولية”.

رباح، أشار إلى أنه “بدلا من توجيه أسلحته إلى أوروبا، كان الأجدر به أن يأمر مقاتلي حزبه بالانسحاب من العديد من القرى خاصة في القلمون”، مشيرا إلى أن “المعلومات لدينا تؤكد أن 40  بالمئة من اللاجئين السوريين في لبنان ينحدرون من قرى وبلدات تحت سيطرة حزب الله، لقد تم تحويل القرى المحتلة إما لمصانع كبتاغون أو قواعد عسكرية للميليشيات، وخير دليل على ذلك هو أن معظم الضربات الإسرائيلية التي تتعرض لها نقاط حزب الله هي في منطقة القلمون”.

رباح، أكد أيضا أنه “لا علاقة لقانون قيصر بإعمار سوريا، ما يمنع إعمار سوريا هو وجود الميليشيات الإيرانية والقوات الروسية، وعدم قيام حكومة دمشق بأية خطوة باتجاه عملية نقل السلطة، وخير دليل على ذلك هو تجدد المطالب بنقل السلطة سلميا في السويداء، جنوب سوريا”.

منذ أعوام يتعرض اللاجئون السوريون في لبنان، بحسب المرصد “الأورومتوسطي”، إلى ممارسات تمييزية وعنصرية، عدا عن القوانين التي تحد من قدرتهم على التمتع بحقوقهم الأساسية، لا سيما الحق في الصحة والعمل، إضافة إلى تعرّضهم لعدد كبير من الاعتداءات التي تسبّبت بمقتل عدد منهم وإحراق بعض المخيمات، والتي تكون غالبا مدفوعة بخطابات كراهية وتحريض.

أحد مخيمات النازحين السوريين في الريحانية بمحافظة عكار شمال لبنان- “أ.ف.ب”

بالتالي، سيبقى مصير اللاجئين السوريين الذين يواجهون عنصرية متزايدة في كل من لبنان وتركيا مرهونا بحسب ما يقول مدير “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، رامي عبد الرحمن للموقع الأميركي، بـ”الحل السياسي في سوريا، في وقت تعجز الدول الأوروبية عن استيعاب عددهم، فقد تستقبل المئات والآلاف منهم لكن قطعا ليس الملايين”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة