سلسلة من الاعتداءات تعرّض لها بعض اللاجئين السوريين في تركيا مؤخرا، حيث قُتل 3 شبان على يد أتراك خلال أسبوع واحد فقط، وسط ما تشهده تركيا من تصاعد في الهجمات العنصرية ضد اللاجئين السوريين وحتى بعض السُّياح في البلاد.

آخر حوادث القتل راح ضحيتها اللاجئ السوري أحمد مدراتي، مساء يوم الإثنين الماضي، متأثرا بإصاباته الخطيرة التي أصيب بها جراء إطلاق النار عليه في مكان عمله بولاية أضنة من قبل مجموعة من الشبان الأتراك، بعد رفضه إعطائهم هاتفا بالمجان.

أعمال عنف ضد السوريين بتركيا

مجموعة من الشباب الأتراك، أقدموا على قتل الشاب السوري أحمد مدراتي رميا بالرصاص بسبب رفضه إعطائهم هاتفا بالمجان. ونقل الناشط الحقوقي السوري، طه الغازي، عن شقيق الشاب المغدور أن مدراتي يمتلك محلا لبيع الجوالات، حيث دخل عليه عدد من الشبان الأتراك، وطلبوا منه أن يعطيهم هاتفا دون دفعهم ثمنه، وبعد أن رفض الأمر، أقدم أحدهم على إطلاق النار عليه بصورة مباشرة.

الشاب المغدور، أحمد مدراتي- “أخبار العصر”

بعد ذلك نقل مدراتي إلى أقرب مستشفى حكومي، لكن وبالرغم من كل التدخلات والإسعافات الطبية إلا أنه فارق الحياة متأثرا بإصابته. والمجموعة نفسها كانت تتردد دوريا إلى الشاب المغدور من أجل مطالبته بدفع “خوّة أو إتاوة” منذ أشهر. والشاب المغدور ما يزال في مقتبل الثلاثينات، وهو متزوج وأب لطفل واحد وكان بانتظار مولود جديد، وفق الغازي.

يوم الجمعة الفائت، أعلنت عائلة الشاب السوري عمار إبراهيم طبوش مقتله، على يد صاحب ورشة كان يعمل بها في ولاية قونيا التركية بعد مطالبته بمستحقاته المالية.

بحسب إفادات عدد من شهود العيان الذين كانوا متواجدين في ميدان الجريمة فإن الواقعة كانت في إحدى الورشات الصناعية في حي بمنطقة قونيا، وفق ما ذكره الناشط الحقوقي السوري، إلى جانب العديد من وسائل الإعلام التركية والسورية.

عمار طبوش، كان يبلغ من العمر 22 عاما، وقد عمل في هذه الورشة قبل فترة من الزمن، ويوم الجمعة جاء المغدور وطالب ربّ العمل بقيمة مستحقاته المتبقية من أجرته والتي تبلغ 1000 ليرة تركية، الأمر الذي أنكره رب العمل المدعو “بكير ج” ورفضه، وعلى إثره نشب بين الطرفين جدال لفظي، قام على إثره صاحب الورشة بإشهار مسدسه وإطلاق عدة رصاصات على الشاب السوري.

على الرغم من نقل عمار طبوش إلى المستشفى، وإجراء كافة الإسعافات الطبية له إلا أنه فارق الحياة متأثرا بإصابته. وبعد ارتكابه الجريمة، لاذ صاحب العمل بالفرار، وفق المصدر الذي أشار إلى أن الأمن اعتقله لاحقا، بعد متابعة قيود كاميرات المراقبة، وبدأ مسار التحقيق في القضية.

قُتل بسبب عدم التدخين!

في السياق، فارق شاب سوري يدعى إبراهيم دلي حسن حياته إثر تعرضه لعدة طعنات في أماكن متفرقة من جسده من قِبل مواطن تركي في إزمير، وذلك بعد أن طلب الأخير سيجارة، ليرد الأخير عليه قائلا “لا أدخن”، وهو الجواب البسيط الذي كان كفيلا بمقتله.

وفق عائلة الضحية، والذي يتحدر من محافظة حلب السورية، قام رجل تركي بطعن الشاب بالسكين عدة طعنات في 14 أيلول/سبتمبر الجاري، عندما كان يتجول في منطقة السنجاك بولاية إزمير برفقة صديقه.

عقب ذلك تم نقل حسن إلى مستشفى قريب، لكنه فارق الحياة لاحقا بعد أيام رغم محاولات إنقاذه. وأكدت عائلة المغدور عدم وجود أي معرفة مسبقة بين نجلها والقاتل التركي، مشددة على أن الأخير طلب منه سيجارة، لكنه ردّ عليه بأنه غير مدخّن، فقام التركي الذي كان رفقة رجلٍ آخر بطعنه عدة طعنات، الأمر الذي أكده شهود عيان أتراك أيضا، وفق تقارير صحفية.

بُعيد الواقعة، قامت السلطات الأمنية بتوقيف القاتل وأعلنت عن بدء الإجراءات في مسار مساءلة  ومحاكمة الجاني ومعرفة دوافع وأسباب الجريمة، وفق الناشط الحقوقي السوري الذي أضاف في منشور له على منصة “فيسبوك”، حول الجريمة أنه “قام بالتنسيق مع عدد من الكوادر الحقوقية في نقابة المحامين الأتراك في إزمير وذلك بغيّة تقديم كل الدعم القانوني لعائلة الشاب المغدور، و في سبيل متابعة مسارات القضية في ميدان القضاء”.

إزاء هذه الحوادث، نشرت وسائل إعلام سورية وتركية محلية، مقطع فيديو يوثّق وقوع هؤلاء الضحايا أرضا بعد طعن أحدهم بالسكين وإطلاق الرصاص على آخر.

هذه الاعتداءات بحق اللاجئين السوريين في تركيا ليست بجديدة، وتكرارها بين الحين والآخر مستمر، ففي مطلع الشهر الجاري أقدم مواطن تركي يدعى “جاغلار ش” ويبلغ 35 عاما على قتل اللاجئ السوري محمود ضاحي 27 عاما بالرصاص، بعد أن أطلق النار على الأخير وأصابه في رأسه بولاية أضنة جنوبي تركيا.

بحسب منظمات تعنى بحقوق اللاجئين تعود ظاهرة تكرار حوادث القتل بحق اللاجئين السوريين في تركيا إلى حملات التحريض التي تشنّها وسائل إعلامٍ محلية إلى جانب أحزاب سياسية تطالب بترحيلهم إلى بلدهم. إذ تحولت قضية اللاجئين وبقاؤهم في تركيا إلى موضع جدلٍ بين التحالف الحاكم الذي يضم حزبي “العدالة والتنمية” و”الحركة القومية” والأحزاب التي تعارضه.

كما ويتسابق كلا الطرفين على إرضاء قاعدتهم الشعبية الغاضبة من استمرار تواجد اللاجئين السوريين في بلدهم قُبيل كل انتخابات تشهدها تركيا، من خلال تقديم وعود بطردهم أو إعادتهم طوعيا إلى سوريا.

ترحيل السوريين قسرا

بعد أن كان ملف اللاجئين السوريين في تركيا ورقة استغلال وابتزاز واضحة من قِبل الأوساط السياسية التركية قبل إجراء الانتخابات الرئاسية في أيار/مايو الفائت، من أجل تحقيق حظوظ انتخابية، هناك مخاوف لدى اللاجئين السوريين من مصير مجهول ينتظرهم، وسط تزايد عمليات ترحيلهم من تركيا.

على الرغم من أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، صرّح خلال حملته لانتخابات الرئاسة، عن عودة طوعية للسوريين إلى بلادهم، إلا أنه منذ فترة والحكومة التركية تكثّف من حملاتها لمضايقة وترحيل اللاجئين السوريين، تحت ذرائع عدة، من بينها ارتكاب مخالفات. ومع ذلك، فإن نتيجة أي مخالفة وإن كانت صغيرة، هي وضع اللاجئ في حافلة تقلّه إلى مركز الترحيل للتوقيع قسرا على “طلب العودة الطوعية”.

هذا الترحيل المنافي للقوانين والأعراف الدولية للاجئين السوريين اشتد بالتزامن مع تصريح وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا، بحجة أن أنقرة تحارب المهاجرين الأجانب غير النظاميين، زاعما أنه “أصدر تعليمات بملاحقة المهاجرين غير الشرعيين في جميع أنحاء تركيا، وأن أعدادهم ستنخفض بشكل ملحوظ خلال 4 أو 5 أشهر”.

إضافة إلى أحاديث صحفية حول إعطاء أردوغان، تعليمات لتشجيع عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم في ثلاث مراحل وفق “نموذج حلب”، وهذه كلها مؤشرات تثير تساؤلات حول ما الذي تريد أنقرة الحصول عليه من الملف خلال الفترة المقبلة.

لا سيما أن تركيا تخطط الآن لتوحيد إدارة المناطق الخاضعة لسيطرة قواتها وفصائل ما يعرف بـ”الجيش الوطني السوري” المدعومة منها، في شمال وشمال شرقي سوريا، من خلال تعيين والي واحد يتولى سلطات إدارة تلك المناطق بدلا من 7 ولاة عُينوا للتنسيق هناك، وفق صحيفة تركية.

دلالات تصريح أردوغان

أردوغان قال في تصريحات صحفية مؤخرا، إن تركيا كثّفت إجراءاتها ضد مهرّبي البشر، ومنعت دخول مئات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين. وفي الواقع، تكرار حديث أردوغان لترحيل اللاجئين السوريين، بالتزامن مع تسريب الصحيفة التركية حول تعيين حاكم واحد لمناطق سيطرة تركيا شمال سوريا، يثير العديد من التساؤلات، فهل يعني ذلك مقدمة لمرحلة جديدة في العلاقة مع دمشق، أم أن هناك مصالح براغماتية أخرى تقف وراء ذلك.

حديث أردوغان جاء بعد يوم من نشر صحيفة “تركيا” تقريرا قالت فيه، إن رجال الأعمال العرب يكثّفون نقل مشاريعهم إلى خارج تركيا مع تصاعد العداء الذي يستهدف العرب والتحريض العنصري الحاصل في البلاد. وأشارت الصحيفة التركية مؤخرا إلى أن تحرك رؤوس الأموال تسبب بخسائر لتركيا بلغت 2 مليار دولار أميركي، موضحة أن آثار معاداة العرب في تركيا أصبحت واضحة وقوية خلال الشهرين الأخيرين، حيث تأثرت الاستثمارات العربية في البلاد بشكل كبير.

بالتالي فإن تصريحات أردوغان تقف وراءها جملة من المصالح البراغماتية كما العادة، فمن جهة لا يريد أن يخسر الاستثمارات العربية والسياحة التي تُعد من أهم مصادر الدخل الوطنية لأنقرة، خاصة بعد ترحيل مواطنَين مغربيَين إلى الشمال السوري، اعتقدتْ أنهما سوريان، كانا قد قدِما إلى تركيا بقصد السياحة.

لاجئون سوريون في تركيا- “أرشيفية، فرانس برس”

كما أن حديث أردوغان اليوم عن مشروع “العودة الطوعية” الذي يهدف إلى عودة نحو مليون لاجئ من تركيا إلى سوريا، واستمرار بناء مساكن دائمة في شمال سوريا لتسهيل العودة “الطوعية والآمنة”، يشير إلى أن هناك مصالح ومكاسب سياسية تقف وراء هذه التصريحات، وربما يدل على أنها مرحلة جديد في إطار التقارب بين أنقرة وحكومة دمشق.

بعض المراقبين يرون أن “نموذج حلب” هو محاولة تركية على أنها طريق الحلّ لأي توافق سياسي مُقبل بينها وبين حكومة دمشق. ولا شك أن أردوغان لديه أهداف ومصالح تكتيكية من طرح هذه الخطة، وهي السيطرة على حلب عن طريق إرسال اللاجئين السوريين إليها. ولطالما كانت مسألة سيطرة تركيا على حلب حلما يراودها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات