قضية الوضع الإنساني في سوريا وخارجها بالنسبة للسوريين تُعدّ واحدة من أكثر القضايا التي تثير القلق والانتباه على الساحة الدولية. فمنذ عام 2011، شهد الشعب السوري معاناة تشمل النزوح واللجوء والفقر وتداعيات إنسانية واقتصادية خطيرة. ومع توالي الأحداث الصادمة، بزغت ظاهرة مروّعة تزيد من معاناة الشعب السوري، ألا وهي “موت الفجأة”.

إنّ موت الفجأة الذي يصيب السوريين بشكل مفاجئ وغير متوقع قد أصبح هاجسا يخيّم على حياتهم اليومية. وتثير هذه الظاهرة تساؤلات ملحّة حول أسباب هذه الوفيات المفاجئة، وهل لها علاقة بالوضع السياسي والإنساني في البلاد.

في هذا السياق، تبرز دور الأمم المتحدة وقراراتها كمحور أساسي في فهم تلك العلاقة. حيث تمثل القرارات التي اتخذتها الأمم المتحدة بشأن المساعدات الإنسانية جزءا أساسيا بالموت لدى السوريين، إذ بحسب مشاهدة عينية لـ”الحل نت”، منذ الأول من آب/أغسطس الجاري توفي ما لا يقل عن 8 سوريين وانتحر أحدهم بسبب إعلان إيقاف المساعدات الإنسانية عن اللاجئين السوريين خارج المخيمات بشكل نهائي منذ أيلول/سبتمبر القادم.

ظاهرة موت الفجأة 

قبل أيام قليلة توالت جثث السوريين الموتى إلى المشافي الأردنية. معظم تقارير الطب الشرعي أكدت أن الموت نتيجة جلطات قلبية ودماغية، في حين أن غالبية الموتى هم معلي أُسر، أو ممن يعانون أمراضا مستعصية تستوجب تدخلا خارجيا للمساعدة في تكاليف العلاج.

خلال حديث “الحل نت”، مع أم أحمد التي توفى زوجها أمس الثلاثاء، ذكرت أن زوجها البالغ من العمر 59 عاما، والذي كان يعتمد اعتمادا كليا على المساعدات النقدية التي يتلقاها من المفوضة العليا لشؤون اللاجئين، توفي بعد أيام من استلامه لرسالة تفيد بقطع المساعدات عنهم بدءا من أيلول/سبتمبر القادم.

أم أحمد التي لم تُرزق بأولاد، أوضحت أن هذه المساعدات كانت تكفي لجلب الأغذية، في حين كان زوجها يعمل داخل إحدى محال البناء براتب لا يتجاوز 200 دينار، كان يصرفه بين أجرة المنزل وفواتير الكهرباء والمياه والهاتف، كونه المعيل الوحيد داخل العائلة التي لم تُرزق بأطفال.

في سياق آخر، حمّلت زوجة محمد لطفي الذي توفي قبل عدة أيام، سبب وفاته لمؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات الخيرية الشريكة لها داخل الأردن، بعد تلقّيه رسالة بانقطاع المساعدات المالية عنه وعن عائلته المكونة من ثلاثة أطفال أحدهم رضيع، بدءا من آب/أغسطس الجاري.

لطفي الذي أصابته جلطة دماغية، تروي زوجته أنه أمضى ثلاثة أيام بلا مآكل ومشرب، يسرح في أغلب الأوقات منشغلا بكيفية تلبية متطلبات عائلته بعد انقطاع المساعدات العينية عن أطفاله، لا سيما أنها كانت تشكل الركيزة الكبرى في جلب مستلزمات العائلة الغذائية والدوائية.

تخفيض قيمة المساعدات

في 13 تموز/يوليو الفائت، أعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، أن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة قرّر قطع المساعدات الحيوية عن اللاجئين السوريين في الأردن، مشدّدا على أن بلاده لن تكون قادرة على سدّ الفجوة ولن تتحمل العبء وحدها.

جاء ذلك في سلسلة تغريدات له على حسابه الرسمي بموقع “إكس”، قال فيها، “بحلول 1 آب/أغسطس، سيقطع (الأغذية العالمي) الدعم الحيوي للاجئين السوريين في الأردن”. مضيفا “وكالات الأمم المتحدة الأخرى وبعض المانحين يفعلون الشيء نفسه، لن نكون قادرين على سد الفجوة، وسيعاني اللاجئون (…). لا يمكننا تحمُّل هذا العبء وحدنا”.

برنامج الأغذية العالمي، بدوره أعلن على موقعه أنه بسبب نقص الموارد المالية، لا يستطيع البرنامج في الأردن الحفاظ على نفس قيمة المساعدة الغذائية لجميع اللاجئين المستفيدين داخل المخيمات كما كانت من قبل. ونتيجة لذلك، ولضمان استمرار المساعدة للأُسر الأكثر احتياجا وتجنب إيقاف المساعدة عن الكثير من الأُسر، سيقوم برنامج الأغذية العالمي بقطع قيمة المساعدة لجميع اللاجئين الذين يقيمون خارج المخيمات ابتداءا من شهر أيلول/سبتمبر 2023.

بحسب البيان فإن أُسر اللاجئين المصنّفين الأكثر احتياجا للمساعدة الغذائية من داخل المخيمات، الذين يتلقون عادة المساعدة الغذائية بقيمة 23 دينارا ما يعادل 32 دولار أميركي للفرد/شهريا، سوف يتلقون 15 دينارا ما يعادل 21 دولار للفرد/شهريا، ابتداء من أيلول/سبتمبر القادم.

هل يعود السوريون؟

مؤخرا تصاعد الحديث عن إعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، إذ بات الملف مطروحا كأولوية خلال النقاشات واللقاءات التي جرت مؤخرا بين سياسيين سوريين وآخرين عرب.

مطلع أيار/مايو 2022، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان أنه يحضّر “لعودة مليون” سوري إلى بلدهم على أساس طوعي، من خلال تمويل استحداث ملاجئ وبُنى مناسبة لاستقبالهم في شمال غرب سوريا، بمساعدة دولية.

أيضا من جهتها لبنان بدأت موجة إعادة قسرية لمعظم اللاجئين السوريين، وحاليا يتم التعامل مع اللاجئين بشكل ممنهج من قبل السلطات، أو حتى بعض الأفراد بممارسات عنصرية، من أجل دفعهم للعودة لسوريا. فيما لم يتم رصد أي عمليات ترحيل قسرية في الأردن للاجئين السوريين، ولكن تم فتح باب العودة الطوعية إذ عادت أعداد محدودة جدا من اللاجئين.

ووفقا للأمم المتحدة، يعيش نحو 5.5 ملايين لاجئ سوري مسجّل في لبنان والأردن وتركيا والعراق ومصر، في الأردن يعيش نحو 1.3 مليون سوري، قرابة نصفهم مسجّل بصفة “لاجئ” في سجلات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، في حين يقيم 750 ألفا منهم في البلاد من قبل اندلاع الاحتجاجات عام 2011، بحكم النسب والمصاهرة والعلاقات التجارية بين البلدين.

بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أُجبر أكثر من 14 مليون سوري على الفرار من ديارهم منذ 2011. ولا يزال هناك نحو 6.8 مليون نازح سوري في الداخل، حيث يعيش 90 بالمئة من السكان تحت خط الفقر.

لا ترتبط مسألة عودة اللاجئين السوريين بملف الاقتصاد فحسب، إذ يمتلك الملايين منهم هواجس أمنية متعلقة بالاعتقال التعسفي لدى العودة، وعدم توافر ظروف الاستقرار النفسي، حيث واجه عدد من العائدين مصيرا مجهولا، فضلا عن التوقيف والمساءلة، وفق تقارير حقوقية دولية وسورية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات