على إثر استمرار وتيرة الأعمال العدائية والاشتباكات الأمنية العنيفة والمتكررة بين فصائل ما يُعرف بـ “الجيش الوطني السوري” المدعوم من أنقرة في مناطق شمال غربي سوريا، فضلا عن سلسلة الانتهاكات والتجاوزات بحق أهالي المنطقة، كشف مكتب “الأمم المتحدة” لتنسيق الشؤون الإنسانية، يوم أمس الإثنين، أن استمرار الأعمال العدائية، أدى إلى نزوح آلاف الأُسر السورية من مناطق سيطرة القوات التركية والفصائل السورية التابعة لها في شمال غربي سوريا.

هذه ليست المرة الأولى التي ترصد فيها “الأمم المتحدة” الأضرار التي لحقت بالمدنيين نتيجة استمرار الأعمال العِدائية في مناطق شمال غربي سوريا، ففي العام الماضي وحده، وثّقت مقتل ما لا يقل عن 121 مدنيا وإصابة 210 آخرين، جراء الأعمال العدائية في المناطق الخاضعة لسيطرة ما يُعرف بـ”الجيش الوطني السوري” المدعوم من أنقرة.

نزوح آلاف الأسر في سوريا

نحو ذلك، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا” إن استمرار الأعمال العدائية، بما في ذلك القصف، أدى إلى نزوح نحو 5300 عائلة، أي أكثر من 26500 شخص، في الفترة الممتدة ما بين 1 و9 أيلول/سبتمبر الجاري، بمناطق شمال غربي سوريا.

Members of the Hayat Tahrir al-Sham (HTS) jihadist group advance towards the village of Jindayris in the Afrin region of Syria’s rebel-held northern Aleppo province on October 12, 2022, amid ongoing reported clashes between rival factions competing for power in northwest Syria. – Thirteen people, mostly fighters, have been killed in two days,a war monitor said today. The death toll includes three civilians, the source said, with AFP correspondents reporting that schools and markets had closed in Al-Bab, and dozens had fled the Afrin countryside further west. (Photo by Rami al SAYED / AFP)

مكتب “الأمم المتحدة” أردف في بيان رسمي، أن الاشتباكات في شمال شرق حلب، لاسيما في القرى الواقعة على طول خط المواجهة، أجبرت ما يقرب من 4600 أسرة على ترك منازلها، مشيرا أيضا إلى التقارير التي تفيد باكتظاظ المخيمات والقرى، حيث تلجأ بعض الأُسر إلى النوم في العراء، وتحويل المدارس مؤقتا إلى ملاجئ، كما ورد أنه تم تعليق العمل فيما لا يقل عن 56 مدرسة حتى إشعار آخر.

مكتب “أوتشا” نوّه إلى أنه حتى 9 سبتمبر/أيلول الجاري، قُتل ما لا يقل عن خمسة أشخاص وأصيب 22 آخرون، بمن فيهم 11 طفلا، بحسب مصادر محلية، كما تضررت ستُّ مدارس على الأقل جراء الأعمال العدائية في إدلب.

مكتب “أوتشا”، أكد أنه وشركاءه يراقبون الوضع عن كثب ويواصلون تقديم المساعدة حسب الحاجة. وفيما يتعلق بالوضع في محافظة دير الزور شمال وشرق سوريا، أفاد المكتب الأممي بأن الوضع أصبح هادئا مع إعادة فتح الأسواق الصغيرة والاستئناف الجزئي لخدمات المياه والكهرباء.

كما وأكد البيان الأممي أن تركيز العاملين في المجال الإنساني ينصب على الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي والمساعدات الغذائية، مشيرا إلى أنه من المقرر أن يبدأ التقييم المشترك بين الوكالات للوضع.

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، أعرب مسؤولون أمميون في بيان مشترك عن قلقهم إزاء تصعيد الأعمال العدائية في إدلب شمال غربي سوريا. وأشارت التقارير إلى مقتل تسعة مدنيين على الأقل، من بینھم أربعة أطفال، أصغرھم یبلغ من العمر أربعة أشھر فقط.

بحسب “أوتشا”، أصيب 75 مدنيا إضافيا بجروح. وتم تھجیر ما لا يقل عن 400 أسرة جدیدة. وشدد المسؤولون على أن المدنيين هم الذین یعانون من العواقب المأساویة لاستمرار الأعمال العدائیة، حیث وجد في شمال غرب سوريا 1.4 مليون شخص يعتمدون على المساعدات الانسانیة لتلبية احتیاجاتھم الأساسية، غالبیتھم من النساء والأطفال.

استمرار الانتهاكات

في المقابل، تتصاعد الأحداث في شمال سوريا، حيث لم تنتهِ صرخات المدنيين النازحين وأفواج المهجّرين الذين يتشبثون بآمال العودة إلى ديارهم، ولكن هناك عقبات ضخمة تعترض طريقهم. إنهم يواجهون واقعا مريرا، حيث تحاصرهم الممارسات غير القانونية التي تقوم بها فصائل المعارضة المدعومة من تركيا في منطقة عفرين.

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، أعرب مسؤولون أمميون في بيان مشترك عن قلقهم إزاء تصعيد الأعمال العدائية في إدلب شمال غربي سوريا.

تقرير أخير صُدر عن منظمة “بيل- الأمواج” المدنية يكشف عن الانتهاكات الفادحة لحقوق الإنسان التي تُرتكب ضد السكان الأصليين في هذه المنطقة المنكوبة. بدأت هذه الانتهاكات بعملية “غصن الزيتون” العسكرية في عام 2018 وما زالت مستمرة حتى الآن.

حسب التقارير الدورية للجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسوريا، تُعتبر الانتهاكات المتعلقة بحقوق السّكن والأراضي والملكية هي الأكثر بروزا في هذه المنطقة، حيث تروي شهادات 90 شخصا من السكان المحليين الذين تعرضت ممتلكاتهم للسلب أو التدمير على يد فصائل المعارضة السورية والقوات التركية.

التقرير الذي وصلت نسخة منه لـ “الحل نت”، كشف عن جرائم غير إنسانية وانتهاكات صارخة يتعرض لها السكان الأصليون في منطقة عفرين. الأرقام والشهادات التي تم جمعها من 30 امرأة و60 رجلا أصدرت تحذيرا قويا حول أبعاد هذه الجرائم المروعة.

هذه الاعتداءات تتمثل في استهداف وتدمير ممتلكات الأفراد الأبرياء الذين لم يشاركوا في أعمال القتال، إضافة إلى سرقة منازلهم وممتلكاتهم بشكل تعسفي ونهب محتوياتها. وليس هذا فقط، بل تتعدى هذه الجرائم لتشمل ممتلكات المدنيين من الأراضي الزراعية والمواشي والأشجار المثمرة وحتى محاصيلهم الزراعية.

مع كل هذه المأساة، يظهر في المقابل عدم اكتراث قوى الأمر الواقع بحقوق الضحايا، وتلك المخاوف المضاعفة التي يعيشها النازحون وأصحاب الممتلكات المنهوبة إذا ما فكّروا في تقديم شكوى أو محاولة استعادة ممتلكاتهم.

كما يتجلى هذا الخوف والتهديد بشكل واضح في حالة ارتباط المنتهكين بفصائل المعارضة المدعومة من تركيا، وتتزايد المخاوف عندما ينتمي الضحايا إلى القومية الكُردية ويفتقر لوجود قوة عسكرية تحميهم. حيث يتم اتهام هؤلاء الضحايا بأنهم ينتمون لـ “الإدارة الذاتية” أو مؤيدون لها، مما يضعهم في وضع مأساوي ومنسي من قبل السلطات والمنظمات الدولية.

في سياق ذلك، لعل أبشع جريمة ارتُكبت بحقّهم، تلك التي وقعت في آذار/مارس 2023، حيث قُتل 4 أفراد من عائلة كُردية، وأصيب آخرون في جنديرس بمدينة عفرين شمال سوريا، برصاص مقاتلين ينتمون لأحد الفصائل المدعومة من أنقرة.

هذه الجريمة التي وصفها سوريون على مواقع التواصل الاجتماعي آنذاك بأنها “بشعة وتعكس حجم ما تعرّض له هؤلاء الأكراد الأبرياء الذين قتلوا بطريقة شنيعة”، بسبب إشعالهم شعلة “عيد النوروز” أمام منزلهم، وهذا العيد يشكّل رمزا قوميا لدى الأكراد، أي أن “النوروز” حلّ هذا العام على عفرين وأهلها مخضّبا بالدماء، بدلا من السلام.

“المرصد السوري لحقوق الإنسان” تحدث حينها عن أن عناصر ينتمون لـ “أحرار الشرقية” من قاموا بتنفيذ الجريمة، فيما اتهم سكان المنطقة فصيل “الجيش الشرقية”، وهي مجموعة منشقة عن “أحرار الشرقية” بارتكابها. لكن في المحصلة هؤلاء المسلحون ينتمون إلى فصائل مدعومة من أنقرة.

هذا وتشهد مناطق نفوذ فصائل ما يُسمى بـ “الجيش الوطني” المدعومة من أنقرة فلتانا أمنيا واغتيالات متكررة لعناصر وقيادات “الجيش الوطني”، إضافة إلى استمرار الاقتتال الداخلي فيما بينها، والذي يؤدي دائما إلى سقوط ضحايا من المدنيين، بالإضافة إلى نزوح المئات منهم.

شبيهة بحكومة “طالبان”

في سياق متّصل، محاولات عديدة أجرتها “هيئة تحرير الشام” خلال السنوات القليلة الماضية، لنزع صبغة “الإرهاب والتطرف” عنها، لكن غالبا ما تفضح قرارات الهيئة أو المؤسسات التابعة لها، حقيقة مساعيها ومحاولاتها السيطرة على حياة الناس باستخدام وسائل متطرفة، أبرزها التدخل في تفاصيل حياة الناس ومحاربة حرية التعبير ضمن المناطق التي تسيطر عليها شمال غربي سوريا.

يبدو أن “هيئة تحرير الشام” ومن ورائها زعيمها أبو محمد الجولاني، ستستمر في الدوران داخل حلقة مفرغة، في ظل استمرار مساعيها وادعاءاتها بتغيير سلوكها من أجل إيهام المجتمع الدولي بأنها باتت معتدلة وخارج أطر التنظيمات الإرهابية المتطرفة المتواجدة في سوريا.

بالنظر إلى سياسات “الهيئة” في مناطق الشمال السوري، فإنها قد لا تختلف كثيرا عما تفعله حركة “طالبان” الإرهابية في أفغانستان، ورغم محاولات “الهيئة” تمرير سياستها عبر “ذراع مدني”، وهو حكومة “الإنقاذ”، لكن الجميع يعلم أن “الإنقاذ” تعمل في سوريا بإشارة من الجولاني.

وزارة التعليم التابعة لحكومة “الإنقاذ”، أصدرت قرارات جديدة مؤخرا، متعلقة بفرض لباس محدد على النساء والفتيات اللواتي يعملن أو يدرسن في المؤسسات التعليمية، الموجودة في مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام”.

القرار ينص على التقيد والتزام بما أسمته الوزارة “الضوابط الشرعية” في المؤسسات التعليمية، مثل إزالة الرسوم والصور من على الجدران في المدارس، كذلك فرض “اللباس الشرعي الفضفاض” على النساء والفتيات في المرحلتين الأساسي والثانوي، “وارتداء اللباس الشرعي الساتر الفضفاض من قِبل الإناث في الكوادر التدريسية”.

هذه القرارات أثارت جدلا واسعا بين السوريين، الذي اتهموا “هيئة تحرير الشام” بالتطرف ومحاولة التخفي وراء ذراع مدني، ففي آخر قراراتها أيضا فرضت حكومة “هيئة تحرير الشام”،  الفصل التام بين الطلبة من الذكور والإناث في المدارس الابتدائية، والابتعاد عن الموسيقى والعروض “غير اللائقة والمخالفة على منصات التواصل الاجتماعي التابعة للمؤسسات التعليمية، وفي الاحتفالات التي تقيمها المدارس داخل أو خارج المنشآت”.

حكومة “الإنقاذ” كانت قد بدأت في سلسلة قرارات لفصل الذكور عن الإناث في وقت سابق، وبدأت بالجامعات في مناطق سيطرتها، حيث حددت أيام معينة لدوام الذكور، وأيام أخرى لدوام الفتيات فقط، وذلك في معظم الكليات والمعاهد في الجامعات، بينما اعتمدت في معاهد مختلفة افتتاح أقسام مخصصة للذكور وأخرى مخصصة للإناث.

هذه القرارات تُذكّر بالتأكيد، بسياسة حركة “طالبان” المتطرفة بعد سيطرتها على أفغانستان، فمنذ عودة “طالبان” إلى السلطة في آب/أغسطس عام 2021، أصدرت العديد من القرارات التي تقيّد حرية النساء، فقد حظرت عليهنّ تولي وظائف حكومية والتعليم في المرحلة الثانوية والسفر لمسافة تزيد عن 72 كيلومترا بدون “محرم”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات