منذ بدء الهجوم الذي شنتها حركة “حماس” على إسرائيل، ودخول الأوضاع في غزة إلى هذا المستوى الصعب على المستويين السياسي والأمني، فإن موقف مصر من حرب غزة كان واضحا منذ اليوم الأول، حيث تكثف القاهرة جهودها مع كافة الأطراف الإقليمية والدولية وتركّز على وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى المدنيين من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي والتوصل للتهدئة بين طرفي النزاع وعدم التصعيد بحيث أن لا تنجر المنطقة لنزاع أكبر.

مصر دعت جميع الأطراف لضبط النفس وضرورة الجلوس على طاولة التفاوض، واللافت أنها اشترطت لخروج الرعايا الأجانب عبر معبر “رفح” بإدخال المساعدات للقطاع، مؤكدة على ضرورة عدم ترك الفلسطينيين لأراضيهم والنزوح إلى سيناء، وقد أكد ذلك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مؤخرا، حيث حذّر من أن تهجير الفلسطينيين من القطاع سيؤدي إلى “تصفية القضية الفلسطينية”، فضلا عن قلقها من إمكانية دخول مسلحين إسلاميين إلى مصر، كما حصل في السابق، من تسلّلٍ لجماعات إسلامية متشددة في صحراء سيناء خلال السنوات العشر الماضية.

إزاء ذلك، دعا الرئيس المصري لعقد قمة دولية بشأن القضية الفلسطينية، وذلك عبر إصدار بيان رسمي في ختام اجتماع عقده مجلس الأمن القومي المصري برئاسة السيسي قبيل وصول وزير الخارجية الأميركي إلى القاهرة قبل أيام، وفي ضوء ذلك كشفت مصادر مصرية دبلوماسية لموقع “الحل نت” أن مصر تسعى بشكل حثيث في تواصلاتها مع جميع الأطراف بما فيها القوى الإقليمية والدولية من أجل التّوصل للتهدئة في غزة.

المصادر ذاتها أردفت أن القاهرة قد تستضيف القمة خلال الأيام المقبلة، ومن المرجح أن تحمل القمة معها نتائج إيجابية في سبيل عدم تصعيد المواجهات أكثر مما هو عليه. هذا بالإضافة إلى احتمالات فتح معبر “رفح” لإدخال المساعدات الأممية لغزة مقابل إخراج الأجانب عَبَره.

دور مصر في حرب غزة

حتى الآن تصرّ القاهرة على موقفها الرافض لأي محاولات تهدف إلى تفريغ قطاع غزة من سكانه. كما تركز مصر جهودها، بحسب مصادر دبلوماسية خاصة، على عقد قمة دولية من أجل التوصل إلى حل كامل للقضية الفلسطينية، لكن في الوقت الحاضر وكخطوة أولية وقف إطلاق النار في غزة.

قوافل المساعدات الإنسانية في مدينة العريش بشمال سيناء، في انتظار التوصل إلى اتفاق بشأن فتح معبر رفح الحدودي والبدء بإدخال المساعدات إلى القطاع-“رويترز”

ومنذ أيام وحتى اليوم، يتلقى الجانب المصري اتصالات من زعماء العالم، بما فيهم الرئيس الأميركي جو بايدن، بالإضافة إلى استقبال الرئيس السيسي يوم الأحد الماضي، وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ووزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، ووزير الخارجية التركي هاكان فيدان. وتُرسم الآمال حول نجاح الجهود المصرية في سبيل التّوصل لتهدئة ما بخصوص الحرب الدائرة في غزة.

حول فُرص نجاح المساعي المصرية، يقول اللواء أركان حرب الدكتور سيد غنيم، رئيس “معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع”، والأستاذ الزائر بـ”حلف الشمال الأطلسي” (الناتو) والأكاديمية العسكرية ببروكسل، إن مصر خلال السنوات الماضية لعبت دورا كبيرا في الصراع في الوساطة بين حركة “حماس” وإسرائيل، وكانت القاهرة العنصر الأكثر فعالية وموثوقية للطرفين، بل وللأطراف الدولية.

تأكيدا على ذلك، تلقّى الرئيس السيسي عدة اتصالات من رؤساء وقادة دول العالم، وذلك بهدف وقف التصعيد في غزة. ونرى أن دور مصر أساسي في المرحلة، ما بين الوساطة والتهدئة وتأمين الحدود أمام احتمالات النزوح، وفق ما يضيفه سيد غنيم لموقع “الحل نت”.

شرطان للتهدئة

ثمة شرطان للتهدئة؛ الأول هو الوساطة بين حركة “حماس” وإسرائيل، ولكن طالما تل أبيب رافضة الوساطة في الوقت الحاضر، بشكل شبه كامل وجزئي، فإن أحد الشروط الأساسية غير محققة حتى الآن، حسبما يحلله اللواء أركان حرب الدكتور سيد غنيم.

أما الشرط الثاني وفق تقدير سيد غنيم لموقع “الحل نت”، فهو إيصال المساعدات الإغاثية والإنسانية من أدوية ومواد غذائية ووقود وكل ما يحتاجه الناس في قطاع غزة، وحتى هذه اللحظة لم يتم الاتفاق على هذا الجانب أيضا.

ولذلك، وإلى أن تتم الموافقة على إيصال المساعدات الإنسانية من الجانب المصري إلى غزة، فقد يكون هناك جزء أو نصيب من التهدئة. لكن حتى مع وصول المساعدات وإصرار إسرائيل على التصعيد والمواجهة بهذا الشكل والحدة، لن تكون هناك بوادر إيجابية للتوصل إلى هدنة في الأيام الجارية، وفق ما يشير إليه سيد غنيم.

لكن عنصر الأسرى الإسرائيليين، عسكريين أو مدنيين، سيشكل إحدى أوراق الضغط على الجانب الإسرائيلي. ولذلك فمن المرجح أن تبدأ عملية التفاوض خلال الفترة المقبلة. وحتما سيكون الدور المصري أساسيا، على الأقل في بدايته، خاصة في ظل العلاقات المصرية مع كافة الأطراف الفلسطينية، سواء الفصائل أو السلطة الفلسطينية. مع الأخذ في الاعتبار مشاركة بعض الأطراف العربية، مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، بشكل ما خلال تلك المرحلة، رغم عدم التوافق بينها وبين السلطة الفلسطينية، وكذا الفصائل الفلسطينية.

في الأثناء، قالت تقارير صحفية إن الرئيس بايدن يتجه إلى إسرائيل يوم غد الأربعاء في زيارة بالغة الخطورة في الوقت الذي تستعد فيه مصر لعقد قمة دولية بشأن الوضع في غزة.

متى سيتم فتح معبر “رفح”؟

مساء أمس الإثنين، ذكر عاملون في مجال الإغاثة بأن قوافل من المساعدات الإنسانية كانت متمركزة في العريش، عاصمة محافظة شمال سيناء المصرية، تتجه اليوم الثلاثاء إلى معبر “رفح” باتّجاه غزة التي تتعرّض لقصف إسرائيلي بين حين لآخر. واحتشدت مئات الشاحنات على الطريق الممتد على 40 كيلومترا بين العريش و”رفح” بحسب مصادر في فرق الإغاثة، تناقلتها وسائل الإعلام.

في غضون ذلك، يشهد على الجانب الفلسطيني من معبر “رفح” الحدودي بين قطاع غزة ومصر حالة من الفوضى، وسط محاولات الرعايا الأجانب الفرار من الحرب بين إسرائيل وحركة “حماس”، حسبما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز“.

حمل العشرات من الأشخاص، يوم أمس الإثنين، حقائب سفر وأكياس قمامة مليئة بما يمكنهم حمله من متعلقات شخصية إلى معبر “رفح”، ليجدوا أن البوابات على الجانب الفلسطيني مغلقة، وأنهم أصبحوا عالقين في انتظار الجهود الدبلوماسية المتعثرة.

السفارة الأميركية في القدس أرسلت بريدا إلكترونيا إلى المواطنين الأميركيين المحاصرين داخل القطاع، تقترح عليهم التوجه إلى الحدود مع مصر، لكن المحادثات الدبلوماسية التي جرت خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي لفتح المعبر للرعايا الأجانب، لم تسفر عن نتيجة ملموسة.

وبالعودة إلى سيد غنيم، فيقول إن معبر “رفح” مفتوح ولكنه أغلق نتيجة عدم قبول الشرط المصري حتى الآن، وهو تقديم مساعدات إنسانية لسكان غزة مقابل خروج أجانب أو مزدوجي الجنسية الفلسطينية وغيرها. وأُقفل المعبر قبل أيام، بعد تعرّضه لقصف إسرائيلي في ظل الضربات الجوية الإسرائيلية على غزة منذ أن هجمت “حماس” في القطاع هجوما مباغتا على إسرائيل.

مصر ستصرّ حتى آخر نفس ممكن على عدم قبول النازحين بشكل دائم، فالمشكلة ليست في نزوحهم لمصر وإنما لبقائهم للأبد، خاصة الفلسطينيين، إذ ثمة مخاوف مصرية من استقبالهم في البداية وتاليا عدم تمكّنهم من العودة إلى أراضيهم مرة أخرى، طبقا لتعبير سيد غنيم.

الرعايا الأجانب يحتشدون بالقرب من معبر “رفح” للفرار من الحرب الدائرة في غزة- “رويترز”

العديد من الدول هم ضد نزوح أهالي غزة إلى دول الجوار مثل مصر والأردن، فقد اعتبر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، في تصريح حديث من برلين، أن استقبال اللاجئين الفلسطينيين خط أحمر، قائلا “لا لاجئين في الأردن ولا لاجئين في مصر”.

في العموم، يبدو أنّ التوصل إلى هدنة في غزة أمرٌ مستبعد حاليا، نظرا لعدم إبداء أي طرف حتى الآن استعداده الجاد للجلوس على طاولة المفاوضات، لكن خلال الفترة المقبلة سيكون من الممكن البدء بالعملية السياسية، ولكن بشرط مواصلة مصر لجهودها مع المساعي الإقليمية والدولية حتى يتم التوصل إلى تهدئة ما بشأن الوضع الصعب والخطير في قطاع غزة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات