منذ عام 2011، تعرض ملايين السوريين للقتل والجرح والاعتقال والتهجير والنزوح واللجوء، في أحد أكبر الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث، وبحسب آخر التقارير الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن عدد اللاجئين السوريين في العالم بلغ نحو 6.8 مليون لاجئ، بالإضافة إلى 6.7 مليون نازح داخلي، مما يجعل سوريا البلد الأكثر تأثّرا بالنزوح القسري في العالم.

هذه الجموع الهائلة من اللاجئين السوريين تواجه تحديات ومشاكل ومعاناة كبيرة في البلدان المضيفة، التي تعاني بدورها من ضغوط اقتصادية واجتماعية وأمنية وسياسية، وتشمل هذه التحديات؛ نقص الغذاء والمأوى والملبس والدواء والتعليم والعمل والحماية والحقوق والكرامة، وزيادة الفقر والبطالة والتمييز والعنف والاستغلال والاتجار بالبشر، وصعوبة الحصول على الوثائق القانونية والإدارية والقنصلية، وانعدام الأمل والمستقبل والعودة.

في هذا السياق، كان اللاجئون السوريون محور الاهتمام والنقاش في الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي انطلقت في نيويورك يوم أمس الثلاثاء، بمشاركة قادة ومسؤولين من مختلف الدول الأعضاء. 

وقد تناولت الكلمات والبيانات والمبادرات والمقترحات التي ألقيت وصدرت خلال هذه الدورة موضوع اللاجئين السوريين من زوايا مختلفة، مثل الوضع الإنساني والمعيشي والصحي والتعليمي والمهني للاجئين السوريين في البلدان المضيفة، والدعم والمساعدات والتمويل والتعاون الدولي للتخفيف من معاناتهم وتحسين ظروفهم، والحلول والمخارج والآفاق والمبادرات السياسية والدبلوماسية لإنهاء الحرب في سوريا وتحقيق السلام والاستقرار والعودة الآمنة والكريمة للاجئين السوريين إلى بلادهم.

قدرتنا على خدمة اللاجئين “تجاوزت حدودها”

خلال كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ركّز الملك الأردني، عبد الله الثاني، على أن القضية السورية هي واحدة من أبرز التحديات التي تواجه المجتمع الدولي في العقد الأخير، ولطالما كانت تلك القضية على رأس جدول أعمال الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية، وأن اللاجئين السوريين بلا شك، يمثلون جزءا كبيرا من تلك التحديات وتطلعات المجتمع الدولي لإيجاد حلّ عادل ومستدام للأزمة.

الملك الأردني في خطابه لفت الانتباه إلى الحجم الضخم للتحديات التي يواجهها بلده واللاجئين السوريين، حيث أصبحوا يشكلون أكثر من ثلث سكان المملكة الأردنية، وأن التحدي الرئيسي الذي يواجه الأردن وغيرها من الدول المضيفة، هو القدرة على توفير الدعم والخدمات الأساسية لهؤلاء اللاجئين في ظل تقليص الدعم الدولي. 

كما أشار إلى أهمية تحمّل المجتمع الدولي مسؤولياته تجاه هؤلاء اللاجئين وضرورة تقديم الدعم اللازم للدول المضيفة لا سيما وأن قدرة بلاده على خدمة اللاجئين تجاوزت حدودها، مؤكدا أن مستقبل اللاجئين السوريين يجب أن يكون في بلادهم وليس في الدول المضيفة.

العاهل الأردني أوضح أن اللاجئين بعيدين كل البُعد عن العودة حاليا، بل على العكس من ذلك، فمن المرجح أن يغادر المزيد من السوريين بلادهم مع استمرار الأزمة، ولن يكون لدى الأردن القدرة ولا الموارد اللازمة لاستضافة المزيد منهم ورعايتهم.

رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، أعرب عن قلق بلاده إزاء أعداد اللاجئين السوريين، وعدم قدرتها على تحمّل المزيد، وأن هناك موجة نزوح جديدة رغم أن عدد اللاجئين السوريين في لبنان 1.8 مليون، نحو 880 ألفا منهم مسجّلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بحسب تقديرات لبنانية.

 من جهته ذكر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أن سوريا تبقى ركاما مع عدم وجود حلّ سياسي في البلاد والسلام يبدو بعيد المنال، في حين ذكر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن هناك 4 ملايين سوري يعيشون ظروفا صعبة في الأجزاء الشمالية لبلادهم يواجهون مصيرهم لوحدهم.

كيف تحولت خطة لبنان من العودة إلى النزوح الجديد؟

خلال كلمته أكد أمير دولة قطر على أن السوريين يستحقون تحقيق تطلعاتهم من خلال عملية سياسية وفقا لإعلان جنيف 1 والقرار 2254، وهذا فتح الباب أمام المتحدث باللغة العربية باسم الخارجية الأميركية، سام واربغ، ليُعيد التذكير بوجوب ضرورة إنهاء الحرب السورية، معتبرا أنه لا يمكن لا للولايات المتحدة، ولا للأمم المتحدة، ولا الاتحاد الأوروبي إجبار اللاجئين السوريين العودة إلى سوريا من دون تأمين الظروف المناسبة.

منذ حزيران/يونيو 2022 يحاول لبنان التخفيف من حجم اللجوء السوري على أراضيه، في ظل مشكلات سياسية واقتصادية متواصلة منذ سنوات، تتجلى بأزمة مصارف وفقدان العملة المحلية الكثير من قيمتها، وأزمات سياسية تترك البلاد بلا رئيس للجمهورية منذ قرابة عام، لتُدار عبر حكومة تصريف أعمال.

لهذا السبب، أطلق لبنان مشروعا لإعادة 15 ألف سوري شهريا إلى بلادهم، بشكل طوعي وآمن وكريم، ولكن هذا المشروع لم يلقَ قبولا من قبل اللاجئين السوريين، الذين يخشون من العودة إلى بلادهم، التي لا تزال تشهد حربا وعنفا وانتهاكات لحقوق الإنسان، وبالتالي، توقّف المشروع بعد فترة قصيرة، دون أن يحقق الهدف المرجو منه.

في الوقت نفسه، أصدر البرلمان الأوروبي قرارا يدعم بقاء اللاجئين السوريين في لبنان، وطالب بزيادة الدعم والمساعدات للبلدان المضيفة، وانتقد الحكومة السورية وحلفاءها على استمرار الحرب والأزمة في سوريا، وهذا القرار أثار غضب الحكومة اللبنانية، التي اعتبرته تدخلا في شؤونها الداخلية، وتجاهلاً لمصالحها الوطنية، وضغطاً عليها للتنازل عن حقها في السيادة والاستقلال، وردّ وزير الخارجية اللبناني على القرار برسالة قوية إلى المسؤول الأوروبي المعني، يندد فيها بالقرار ويطالب بإلغائه.

في ظل هذه الأوضاع، شهد لبنان موجة جديدة من النزوح السوري إلى أراضيه، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في مناطق سيطرة الحكومة السورية، والتي أصبحت أسوأ بعد رفع الأجور والأسعار والضرائب، وأعلن الجيش اللبناني عن مداهمة عدة مخيمات للسوريين في منطقة البقاع، وتوقيف عشرات السوريين، الذين دخلوا إلى لبنان بطريقة غير شرعية، ولم يحملوا أي وثائق تثبت هويتهم، وأعلن وزير المهجّرين اللبناني من أن عدد السوريين الذين دخلوا إلى لبنان فقط في آب/أغسطس الفائت نحو 8 آلاف سوري، ومنذ بداية العام تجاوز العدد 20 ألف نازح.

تخفيض الدعم.. هل سيعجل بعودة اللاجئين؟

المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن، حصلت على 38 بالمئة من متطلباتها المالية للسنة المالية 2023، في الوقت الذي يحذّر فيه الأردن من خطر إلقاء حياة مئات الآلاف من اللاجئين في دوامة من الخطر وعدم اليقين، ووصل العجز في تمويل متطلبات المفوضية المالية إلى 241.5 مليون دولار، وبنسبة 62 بالمئة من إجمالي المتطلبات.

كما حذرت المفوضية في تموز/يوليو الفائت، من عواقب خطيرة على اللاجئين إذا لم يتم التصدي لأزمة التمويل الحالية، وأعلن برنامج الأغذية العالمي تخفيض قيمة المساعدات الشهرية بمقدار الثُلث لجميع اللاجئين السوريين في مخيمي الزعتري والأزرق، والبالغ عددهم قرابة 129 ألف لاجئ.

تخفيض الدعم هو إجراء اتخذته المنظمات الدولية في بعض البلدان المضيفة للاجئين السوريين للحد من الإنفاق على تقديم المساعدات والخدمات لهم، مثل الغذاء والصحة والتعليم والإيواء، ويهدف هذا الإجراء إلى تشجيع اللاجئين على العودة إلى بلادهم أو الاندماج في المجتمعات المحلية أو البحث عن حلول دائمة أخرى.

مع ذلك، قد يؤدي تخفيض الدعم إلى زيادة المعاناة والحرمان والاستغلال للاجئين السوريين، الذين يواجهون صعوبات في الحصول على فرص عمل وتعليم وحماية في البلدان المضيفة، وقد يزيد تخفيض الدعم من خطر الهجرة غير النظامية أو العودة القسرية أو الانتهاكات الحقوقية للاجئين السوريين.

وفقا لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، فقد بلغ عدد اللاجئين السوريين في تركيا 3 ملايين و650 ألف، وفي العراق 247 ألف لاجئ، و131 ألف في مصر، و25 ألف في الجزائر، و 17 ألف لاجئ سوري في المغرب، و16 ألف في السودان، و13 ألف في ليبيا، وحوالي 2500 لاجئ في موريتانيا.

اللاجئون السوريون يمثلون نسبة كبيرة من عدد السكان في بعض الدول العربية، مثل لبنان 12.7 بالمئة، والأردن 6.6 بالمئة، والعراق 0.6 بالمئة، وتواجه هذه الدول تحديات في توفير الحماية والمساعدة والتكامل للاجئين السوريين، في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تعاني منها.

مؤخرا باتت معظم الدول العربية تطالب بحلّ سياسي شامل وعادل للأزمة السورية، يضمن وقف العنف والانتهاكات والحفاظ على وحدة وسيادة سوريا وتلبية مطالب الشعب السوري، وتؤكد هذه الدول على ضرورة احترام حق اللاجئين السوريين في العودة الطوعية والآمنة والكريمة إلى بلادهم، إلا أنه وفق مصادر دبلوماسية فإن دمشق رفضت إعادة اللاجئين لمطالبتها المجتمع الدولي بإعادة إعمار سوريا، وتشترط أيضا إنهاء وجود القوات الأميركية والتركية في الشمال السوري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات