محافظة درعا جنوبي سوريا كغيرها من المحافظات تعاني من تدهور اقتصادي حاد، ينعكس على ظروف المعيشة الصعبة للسكان، الذين يواجهون ارتفاع الأسعار ونقص الخدمات والمواد الأساسية. وهذه الأزمة، التي تفاقمت بعد قرار الحكومة السورية رفع أسعار المحروقات بنسبة 200 بالمئة، أثارت موجة من الاحتجاجات في عدة مدن وبلدات في المحافظة، تطالب بإسقاط رموز الحكومة وإنهاء الفساد والحصار.

تعقيدات الأوضاع في مناطق مختلفة داخل سوريا تزداد تحت وطأة التحولات السياسية والاقتصادية المستمرة. وتُعد درعا واحدة من المناطق التي شهدت تصاعدا ملحوظا في الاحتجاجات والتوترات، وذلك في ظل تدهور الاقتصاد وتداعياته المتزايدة. وهذه الأحداث ليست مجرد تطورات ميدانية معزولة، بل تعكس واقعا يستدعي تحليلا عميقا للمتغيرات المؤثرة.

حدّة الموقف في درعا تجلت من خلال توسع دائرة الاحتجاجات، خاصة في مدينة نوى التي تُعد قلب المحافظة من حيث السكان والنشاط. كما أن اتساع دائرة الاحتجاجات هو علامة للانخراط الشديد للسكان في التعبير عن مطالبهم وتلبية حاجاتهم الأساسية، وهو أمرٌ ينبئ بتصاعد التوترات الاجتماعية والاقتصادية.

توسع دائرة الاحتجاجات

بعد كتابات مناهضة للحكومة السورية والرئيس السوري بشار الأسد على عدد من مدارس بلدات بصر الحرير والطيبة والمسيفرة بريف درعا، وقطع المحتجين طريق دمشق من جهة قرية الصورة الصغيرة بريف السويداء تأييدا للإضراب العام في سوريا، انطلقت 16 نقطة احتجاج في محافظة درعا منذ أمس الثلاثاء.

إلا أن الاحتجاجات في المحافظة واجهت موقفا مختلفا من الجيش السوري وأجهزته الأمنية على عكس ما حصل في السويداء، إذ شهدت مدينة نوى كبرى مدن المحافظة قصفا بقذائف الهاون، كان مصدره المواقع العسكرية في محيط المدينة، بالتزامن مع اشتباكات عنيفة اندلعت في محيط فرع المنطقة ومقر الأمن العسكري في المدينة، استخدمت فيها قذائف من نوع “آر بي جي”.

معظم المتظاهرين في قرى وبلدات درعا هتفوا بشعارات مناهضة للرئيس السوري، بعد تصريح  عضو مجلس الشعب السوري عن محافظة درعا، خالد العبود، حيث ذكر “نتابع ما يحصل في السويداء بألم شديد، لأننا نعتقد أن سيناريو درعا الذي تأخّر أكثر من عشرة سنوات، يمرّ اليوم في السويداء، وأنّ قطار الخراب والدمار والتهجير والتنكيل، لن يكون بعيدا عن هذه المحافظة الباسلة”.

ليس ذلك فحسب، بل كانت كلمات لونا الشبل المستشارة الإعلامية للرئيس السوري سببا آخر لتوسع رقعة الاحتجاجات في درعا، حيث أشارت إلى أن “من لم تهزمه عشرات الدول ومئات آلاف الإرهابيين من كل أصقاع الأرض، لن يهزمه عشرات المرتزقة هنا وهناك، معك عالمرة قبل الحلوة ولعيونك”.

إيقاف ملفات التسوية

بناء على ما يحدث من احتجاجات في مدينة درعا منذ يوم الجمعة الفائت، أوقفت الأجهزة الأمنية السورية ملف التسويات الأمنية مما آثار مخاوف العديد من الشبان الذين تقدموا إلى التسوية مؤخرا لاستخدامه في فبركات سياسية تخدم الحكومة السورية بعد اندلاع الاحتجاجات في أكثر من محافظة سورية وأبرزها السويداء.

بحسب موقع “درعا 24” المحلي، ما يزال أبناء محافظة درعا الذين أجروا التسوية في شهر حزيران/يونيو الماضي ينتظرون أن تُرفع المطالبة الأمنية عنهم على الحواجز العسكرية، وأن يتم تسليمهم ورقة تسوية تُثبت تسوية وضعهم.

طبقا للشكاوى فقد تركزت معظمها حول عدم الحصول على ورقة تسوية، التي يتأملون أن يحصلوا بعدها على إذن سفر أو يتمكنوا من الحصول على الأوراق التي يحتاجونها. حيث هناك شبّان حاولوا استخراج ورقة “لا حكم عليه” من الأمن الجنائي، واتضح أن المطالبة الأمنية بحقهم ما زالت موجودة، على الرغم من إجرائهم التسوية. 

عملية التسويات انتهت في التاسع عشر من شهر حزيران/يونيو الماضي، بعد أن استمرت قرابة 20 يوما، وقالت وسائل إعلام رسمية بأن عدد الذين قاموا بتسوية أوضاعهم بلغ أكثر من 27 ألفا، من المدنيين والعسكريين وعناصر الشرطة والمطلوبين خارج سوريا.

قطع الطرق إلى السويداء

التظاهرات والاحتجاجات في درعا تواجه ظروفا وأوضاعا معقدة حيث أثارت قطع الطرق وتدخل الأمن تساؤلات واسعة حول الأسباب والتداعيات وراء هذه الإجراءات.

من الواضح أن قيام الجيش السوري بقطع الطرق بين السويداء ودرعا يُعد إجراء تحتمه السلطات للسيطرة على الأوضاع والمنع من انتشار التوترات أو التصعيد. وهذه الإجراءات تتنوع من حيث الهدف والتطبيق، وقد تكون مُبررة في بعض الحالات من وجهة نظر السلطات لضمان الأمن العام والحفاظ على النظام.

من جهة أخرى، يمكن أن تثير مثل هذه الإجراءات القلق بشأن حقوق الأفراد في التعبير عن آرائهم والاحتجاج بشكل سلمي. وقد يُفهم قطع الطرق كمحاولة لمنع التواصل بين المحتجين في مختلف المناطق ومنع تصاعد الحركة الاحتجاجية. 

على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، تأثير التدهور المستمر للاقتصاد في درعا لا يمكن تجاهله. فمع زيادة تدهور الأوضاع المعيشية وارتفاع معدلات البطالة، يُشكل الاقتصاد المنهار أرضية خصبة لاندلاع الاحتجاجات والاضطرابات. والأمور تصبح أكثر تعقيدا عندما يتعرض السكان لقصف بقذائف الهاون، مما يزيد من حدة التوترات ويضيف عاملا من الخطورة والقلق للمعادلة.

طبقا للمحتجين إذا لم يتم التعامل بجدية مع أسباب التوترات والاحتجاجات في درعا، قد تتفاقم الأمور إلى مستويات لا يمكن التنبؤ بها. وهذه التطورات تشير إلى أن الوضع في درعا لم يستقر بعد، رغم اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه روسيا عام 2018. بل إنه يشير إلى أن الأزمة في درعا خاصة وسوريا عامة لها جذور سياسية واجتماعية وثقافية، لا يمكن حلّها بالحلول الأمنية والعسكرية فقط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات