عند الاستماع إلى الأخبار الاقتصادية المثيرة للقلق، يزداد الوعي بمدى تأثيرها على الحياة اليومية، خصوصا وأن الليرة السورية، عملة البلاد التي كانت فيما مضى رمزا للاستقرار، تشهد تراجعا حادا في قيمتها، ويبدو أن العام الحالي لن يمر دون أن تفقد الليرة السورية قيمتها بالكامل نهاية العام.

في سوريا يواجه المواطنون صعوبات كبيرة في تلبية احتياجاتهم الأساسية، بسبب تدهور قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية، وارتفاع معدل التضخم والتشغيل، وانخفاض مستوى المعيشة. هذه الأزمة تزداد سوءا مع مرور الوقت، وتؤثر سلبا على استقرار البلاد وأمنها. وبعض التقديرات تشير إلى أن الليرة قد تفقد قيمتها بالكامل نهاية العام، وأن سعر الدولار قد يصل إلى 25 ألف ليرة.

الحكومة السورية رفعت أسعار المشتقات النفطية ما أثار موجة من التساؤلات حول تأثير هذه الخطوة على الوضع الاقتصادي العام. لكن الأمر لا يقتصر على ذلك، بل يتعلق أيضا بحاجة الحكومة الملحة إلى 11 مليار ليرة لتغطية زيادة الرواتب، والتي تبرز الضغوط المالية الكبيرة التي تواجهها. وهذه المعلومات تعكس مدى تأثير تلك الأحداث على الاقتصاد والمواطنين.

هل تصل إلى مستويات قياسية؟

ما يثير الدهشة أكثر هو عدم الوضوح بشأن حجم الأموال التي تجمعها الحكومة يوميا، حيث هناك تقديرات تشير إلى أرقام تفوق 40 مليار ليرة يوميا، وهذا يزيد من حيرة الاقتصاديين حول إدارة الموارد وتوجيهها بطريقة تعزز من الاستقرار الاقتصادي.

أيضا تزداد التساؤلات مع الحديث أن العام القادم قد تشهد الحكومة السورية عجزا يصل إلى 50 ألف مليار ليرة، بينما تظهر الأرقام الرسمية للميزانية أنها لا تصل إلى هذا الرقم الهائل. وهذا الانحدار المالي يبدو وكأنه ينبئ بتدهور أكبر في القيمة الشرائية للعملة وتفاقم الأوضاع الاقتصادية.

عضو غرفة تجارة دمشق فايز قسومة، في حديثه أمس الأحد لإذاعة “أرابيسك” المحلية، ذكر أنه لا يجوز أن يذهب رفع الدعم للميزانية بل يجب أن يزيد الراتب 200 بالمئة وإيجاد حل للأسر الفقيرة، علما أنه من الضروري تحسين بيئة العمل حتى نتجاوز هذه الأزمات حيث تحتاج السيارة 200 ليتر بنزين بالشهر  ثمنها 2 مليون ليرة.

أرقام الحكومة وفقا لقسومة، تدل أن العام القادم سيصبح العجز 50 ألف مليار بينما الميزانية كلها لاتصل إلى هذا الرقم، وكأنهم يقولون أن الدولار سيصبح بـ 25 ألف ليرة قبل بداية العام المقبل.

هل تنتهي بكارثة؟

مع قرار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك السورية، ليل الأحد – الاثنين، عن زيادة جديدة لأسعار بعض أنواع المحروقات، في رفع هو الثاني خلال آب/أغسطس الحالي، هوت الليرة السورية أمام الدولار في دمشق، بمقدار 800 ليرة خلال الساعات الماضية أي بنسبة تقارب 2.90 بالمئة. 

طبقا للأسعار المتداولة في السوق السوداء، فقد وصلت الليرة إلى 14900 شراء، وسعر مبيع بـ 15100 ليرة للدولار الواحد، بمدى يومي بين 13800 و14200 ليرة.

أزمة انهيار قيمة الليرة السورية هي أزمة خطيرة تؤثر على حياة المواطنين والمجتمع في سوريا بشكل مباشر وغير مباشر. وبعض الآثار السلبية التي تنتج عن هذه الأزمة هي ارتفاع معدل التضخم والتشغيل، وانخفاض مستوى المعيشة والقدرة الشرائية للسوريين، وزيادة نسبة الفقر والجوع والمرض.

علاوة على ذلك، فإن تدهور القطاعات الإنتاجية والخدمية، وانهيار البنية التحتية والطرق، وتقلص النشاط الاقتصادي والتجاري، وفقدان مئات الآلاف من الوظائف، من أبرز الآثار الكارثية المتوقعة قبل نهاية العام الحالي.

فضلا عن تلك الكوارث الاقتصادية، فإنه من المتوقع تزايد الاحتجاجات الشعبية ضد السلطة السياسية في دمشق والفساد والأزمة الاقتصادية، وتصاعد التوترات الأمنية والسياسية، وانعدام الثقة بالسلطات المسؤولة.

لماذا لا تعود إلى سابق عهدها؟

طبقا لحديث الخبير الاقتصادي، ماجد الحمصي، لـ”الحل نت”، فإن هجرة رؤوس الأموال من سوريا إلى دول مجاورة أو خارجية، بسبب عدم الثقة في استقرار الليرة والاقتصاد، والخوف من المصادرة أو التحفظ على الأموال، من بعض الأسباب والعوامل التي تؤثر على قيمة الليرة السورية، وتجعل من المستحيل أن تعود إلى مستوى مقبول أو مستقر.

أيضا ضعف سياسات الحكومة في إدارة الأزمة المالية والنقدية، والتي تتسم بالتضخم والتشديد والفساد، والتي لا تستجيب للاحتياجات الملحة للشعب. والتي تشمل مثلا تحديد سعر الصرف والفائدة والضرائب والإنفاق والإقراض والطباعة والتوزيع والتحفظ من العملة.

من المفترض بحسب الحمصي، أن تكون هذه السياسات متوازنة ومنسجمة مع الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للدولة، وأن تستجيب للاحتياجات الملحة للشعب، مثل توفير الخدمات الأساسية والحفاظ على القدرة الشرائية والحد من التضخم والبطالة. لكن في سوريا، تتسم سياسات الحكومة في إدارة الأزمة المالية والنقدية بالضعف والفشل.

كما أن التضخم هو زيادة مستمرة في مستوى أسعار السلع والخدمات، وانخفاض قيمة العملة. وفي سوريا، يعاني المواطنون من ارتفاع شديد في أسعار المواد الغذائية والطبية والتعليمية وغيرها، بسبب زيادة التكلفة ونقص المعروض. كما يعانون من انخفاض قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية، بسبب طباعة كميات كبيرة منها دون تغطية.

سياسة التشديد كذلك التي تهدف إلى خفض الإنفاق وزيادة التقشف، للحد من عجز الموازنة، في سوريا لا تتخذ الحكومة قرارات تشديدية، إلا من خلال رفع أسعار المحروقات والكهرباء والاتصالات وغيرها، دون مراعاة تأثيرها على حياة المواطنين. كما تقلص من دعم بعض المواد الأساسية، مثل الخبز والطحين وحاليا المحروقات.

هذه بعض الأسباب والعوامل الرئيسية التي تجعل سياسات الحكومة في إدارة الأزمة المالية والنقدية ضعيفة وغير مستجيبة للاحتياجات الملحة للشعب. وهذه السياسات تساهم في تفاقم الأزمة وتعميق الانهيار. لذلك، يطالب المواطنون بإصلاح هذه السياسات، وتغيير النهج والممارسات، وتحسين الشفافية والمساءلة، وفقا للحمصي.

عودة الليرة السورية إلى سابق عهدها هي مسألة تعكس تعقيدات كبيرة في السياق الاقتصادي والسياسي، وطبقا للتقارير وتحليلات الخبراء الاقتصاديين فإن الليرة بحلول العام القادم ستفقد قيمتها بنسبة 100 بالمئة وفقا لأسعار تصريفها الحالية، وسيكون لهذا الأمر تداعيات على المستوى الداخلي والإقليمي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات