يبدو أن دمشق على أعتاب أسبوع ساخن ستشهده ليس فقط العاصمة السورية بل سيمتد إلى بقية المحافظات، حيث تتصاعد التوترات والمخاوف بين السكان والتجار والحكومة، في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والأمنية؛ فماذا يجري.

تفاصيل الأحداث الجارية وأثرها على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في المدينة وعلى مستوى البلاد بشكل عام بدأت تتبلور مع عدة تسريبات حصل عليها “الحل نت”، ففي سياق تطورات سريعة داخل سوريا، هناك مجموعة من القضايا المحورية التي تلقي بظلالها على كافة جوانب الحياة. ومن هذه القضايا المُلحّة تبرز نيّة التجار في دمشق لسحب السلع ورفع الأسعار، ما يفجِّر تساؤلات جدّية حول التداعيات الاقتصادية والاجتماعية المتوقعة. وتتجلى أهمية هذا الموضوع في قدرته على تغيير وجه المجتمع وأنماط الحياة المعتادة للمواطنين.

بالنظر إلى تصاعد التكهنات حول نيّة وزارة التجارة الداخلية رفع الدعم عن المواد التموينية في وقت قريب، ينجم عن ذلك تأثيرات محورية تُشعر الناس بالقلق والتوتر. حيث سيتعين على كل عائلة الاستعداد لتكاليف أعلى للمعيشة، وهو ما يتسبب في تأثيرات كبيرة على القدرة الشرائية للمواطنين. 

سبب النية لسحب السلع

وفقا لما تحدث به بعض تجار السلع الغذائية في سوريا لـ”الحل نت”، فإن هناك موجة حالات احتكار في دمشق ينتهجها بعض التجار، لعدة أسباب ودفعتهم إلى سحب السلع من الأسواق أو رفع أسعارها.

من بعض الأسباب التي ذكرها التاجر عبد الرحمن قدورة، هي تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والأمنية في سوريا بسبب السياسة غير المفهومة للحكومة والفساد، فضلا عن تذبذب سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، والذي ارتفع بشكل كبير خلال العام الجاري، وفي شهر آب/أغسطس الجاري تحديدا.

كذلك أشار قدورة إلى أن زيادة رواتب العاملين في الدولة من مدنيين وعسكريين ومتقاعدين بنسبة 100 بالمئة، ورفع الدعم عن المحروقات والمشتقات النفطية، أدى إلى عزوف المستهلكين عن الشراء بسبب ضعف قدرتهم الشرائية وانخفاض مستوى معيشتهم، فضلا عن انتشار السلع المغشوشة في الأسواق بسبب غياب المراقبة والتموين من قبل الحكومة.

ليس ذلك فحسب، بل إن السبب الأساسي وراء نيّة التجار لسحب السلع يتمثل في التغيرات الاقتصادية والتحديات التي يواجهونها. منذ أسبوعين، يعيش القطاع التجاري في سوريا ظروفا صعبة بسبب التدهور الاقتصادي وتأثيرات الاحتجاجات في السويداء. هذه التحديات أثّرت بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطنين والطلب على السلع والخدمات. في هذا السياق، تسعى الشركات التجارية إلى مواجهة الصعوبات المتزايدة من خلال التكيف مع التغيرات الاقتصادية والتعامل مع التحديات المستجدة.

يمكن أن تأتي نيّة سحب السلع من تصورات التجار بشأن تطورات محتملة في السوق المحلي، مثل زيادة في الأسعار أو نقص في الإمدادات. ويمكن لهذه التوقعات أن تحفزهم على اتخاذ إجراءات استباقية للتعامل مع مثل هذه الأحداث المحتملة وضمان استمرارية أعمالهم.

بالإضافة إلى الجوانب الاقتصادية، يمكن أن تأتي هذه النّية أيضا نتيجة التغييرات السياسية أو القرارات الحكومية المحتملة التي قد تؤثر على القطاع التجاري.و التغييرات في السياسات الحكومية، سواء فيما يتعلق بالتجارة أو الضرائب أو اللوائح، يمكن أن تدفع التجار إلى اتخاذ إجراءات استباقية للتكيف مع البيئة المتغيرة.

تداعيات رفع الأسعار

رفع السلع واحتكارها من الأسواق السورية ليس جديدا، ففي أيلول/سبتمبر 2021، أصدرت هيئة المنافسة ومنع الاحتكار قرارا بتعليق نشاط شركة “الشام للصناعات الغذائية” لمدة ستة أشهر، بسبب مخالفتها قانون المنافسة والاحتكار، وذلك بعد تلقيها شكاوى من المستهلكين عن ارتفاع أسعار منتجاتها.

أيضا في تموز/يوليو 2020، كشفت تقارير صحفية عن وجود احتكار لسوق الأدوية في دمشق من قِبل مجموعة من التجار المقرّبين من السلطة السياسية، الذين يستغلون الحصار والحروب والفساد لزيادة أرباحهم على حساب صحة المواطنين.

السياسة الأخيرة لتجار دمشق جاءت بعد التسريبات التي نقلتها صحف محلية حول نيّة وزارة التجارة الداخلية رفع الدعم عن المواد التموينية اعتبارا من بداية شهر أيلول/سبتمبر المقبل، حيث سيحقّ لكل عائلة الحصول على كيلو رز بقيمة 17000 ليرة، وكيلو سكر بقيمة 13000 ليرة، بشكل مباشر دون التسجيل أو انتظار الدور، لمرة واحدة كل شهر.

رفع الحكومة السورية أسعار المواد والسلع الأساسية المدعومة كالخبز والسكر والرز، بالإضافة إلى رفع أسعار المازوت والبنزين والغاز، والكهرباء والاتصالات، وإزالة الدعم عن بعضها، مع تحديد المبلغ الأقصى للربح من قبل وزارة التجارة الداخلية في إنتاج أو استيراد عدد من المواد ولكافة حلقات الوساطة التجارية، له تداعيات عديدة.

طبقا للحالة الجارية، فمن المتوقع أن تتضخّم أسعار السلع في سوريا إلى حوالي 60 بالمئة عن الشهر الجاري، وستزداد مستويات الفقر وعدم المساواة وانعدام الأمن الغذائي في سوريا بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والنقص المحتمل في إمدادات القمح، وتنخفض أرصدة الحساب الجاري للنفط في سوريا بسبب ارتفاع فاتورة استيراده.

هل تنفجر الأوضاع؟

في آخر تأثيرات رفع أسعار المشتقات النفطية، واصلت أسعار المواد الغذائية الارتفاع بنسبة وصلت إلى عدة أضعاف، ذلك في ظل اقتصار التصريحات الحكومية على التبرير وارتفاع التكاليف، فحتى أسعار المعجنات والخبز في مختلف مناطق البلاد شهدت ارتفاعا جديدا في أسعارها.

المعلومات والدلائل تشير إلى أن الأوضاع في سوريا متوترة ومقلقة، وقد تؤدي إلى انفجار اجتماعي أو سياسي في حال استمرار هذه التحديات وعدم إيجاد حلول جذرية لها، فالاقتصاد السوري يعاني من تدمير مقدراته وضعف فرص تدوير عجلته بسبب الفساد وسياسة مؤسسات الحكومة السورية.

 أسعار المواد الغذائية والأساسية ترتفع بشكل كبير ومستمر في جميع الأسواق السورية، وسط غياب أي خطط حكومية لتجنب هذا الغلاء والسيطرة على سعر الصرف، وبعض التجار يخفون بعض السلع من المحلات لبيعها بسعر أعلى لاحقا، ولا يوجد من يراقبهم أو يحاسبهم.

85 بالمئة من المجتمع السوري أصبح دون خط الفقر، والراتب الذي يجب أن يكفي لتأمين مقومات الحياة ينبغي ألا يقل عن 10 ملايين ليرة، فيما هناك حالة من الركود والشلل أصابت الأسواق عامة، والناس مكتفون بشراء الاحتياجات الضرورية فقط وبكميات محدودة.

سحب السلع وارتفاع الأسعار قد يكونان جزءا من العوامل التي تسهم في تفاقم الأوضاع، لكنهما غالبا ليسا السبب الوحيد. على سبيل المثال، يمكن أن يكون لارتفاع الأسعار تأثيرات اقتصادية متعددة، بما في ذلك تقليل القدرة الشرائية للمواطنين وزيادة الضغط على الأُسر والمجتمعات. هذا بدوره قد يؤدي إلى احتجاجات أو توترات اجتماعية.

باختصار مع قرب شهر أيلول/سبتمبر فإن دمشق تنتظر أسبوعا ساخنا، وتأثير الأحداث الجارية سيمتد على الشأن الوطني والإقليمي؛ خصوصا أن معظم السوريين يجدون رواتبهم لا تكفي لسد تكاليف 20 بالمئة من الاحتياجات الأساسية والغذاء، وتؤكد التقارير المحلية، أن أسعار السلع والمواد الغذائية قفزت بشكل “مخيف” خلال الأيام الماضية، متأثرة بالقرارات الحكومية الأخيرة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات