بينما تتواصل المفاوضات الأميركية السعودية بشأن إقامة علاقات سلام بين الرياض وتل أبيب، كشفت مصادر أميركية وإسرائيلية أن سلطة الرئيس الفلسطيني محمود عباس قدمت مجموعة من المطالب والتوقعات للمملكة العربية السعودية في حال تم هذا الاتفاق بالفعل.

هذه المطالب تركزت على منح السلطة الفلسطينية المزيد من السيطرة على مواقع في الضفة الغربية، إضافة إلى البحث عن مدخل للعودة إلى مسار السلام وعدم تكرار موقفها من اتفاقيات “أبراهام”، الذي أفقدها القدرة على أن تكون طرفا مؤثرا في مسارات التوجه الذي حددته تلك الاتفاقات.

هذا يعني أن محمود عباس قرّر اتباع نهج عملي حيال هذه المفاوضات الجارية بين واشنطن والرياض بخصوص تدشين علاقات سلام بين السعودية وإسرائيل، ويعتبر ذلك تحولا في نهج السلطة الفلسطينية التي انتقدت “اتفاقيات إبراهام” عام 2020، وسط تزايد الرغبة الفلسطينية في أخذ دعم أكبر من السعودية بغية تعزيز موقفها ووضع الفلسطينيين ككل.

مطالب فلسطينية

قائمة الطلبات الفلسطينية حملها أمين سر اللجنة التنفيذية لـ”منظمة التحرير الفلسطينية” حسين الشيخ إلى الرياض، حسب موقع “أكسيوس” الأميركي، ويتضمن منح السلطة الفلسطينية المزيد من السيطرة على مناطق معينة في الضفة الغربية، وإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس، وفتح الرياض قنصلية لها بالمدينة ذاتها.

مصادر فلسطينية تشير إلى أن الشيخ عاد من مباحثاته الأولى مع مستشار الأمن الوطني السعودي مساعد العيبان، والتي جرت قبل عدة أسابيع، ما سعت إليه سلطة الرئيس عباس أولا، وهو الحصول على مساعدات مالية من السعودية. وهو الأمر الذي لم تبقه السعودية سرا عندما أبلغت الرياض رام الله وواشنطن عن عزمها تجديد تمويل السلطة الفلسطينية، وفق ما نقلته صحيفة “العرب” اللندنية.

فيما قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وعد الرئيس الفلسطيني بأن أي اتفاق مع إسرائيل لن يضر بالجهود الرامية إلى إقامة دولة فلسطينية. ونقلت عن مصادر سعودية قولها إن عرض المساعدة المالية للسلطة الفلسطينية لم يكن مرتبطا بشكل مباشر باحتمالية إقامة علاقات سلام مع إسرائيل، وذلك على الرغم من أن الرياض تأمل في أن توفر هذه المساعدة لرام الله حافزا أكبر لدعم جهود المملكة.

إلا أن هناك شرط واحد ما يزال يشكل عائقا أمام المفاوضات الأميركية السعودية بشأن العلاقات بين الرياض وتل أبيب، وهو إقامة الفلسطينيين دولتهم المستقلة، ويعود ذلك لسياسة الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو، وتخفيفه بين حين لآخر من أهمية القضية الفلسطينية في المحادثات الجارية.

مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، مؤخرا، أكد هذا الأمر أيضا، حيث قال “نحن لا نتحدث إلى السعوديين على الإطلاق، والأميركيون يتحدثون معهم، وانطباعهم هو أنه يجب أن يكون هناك شيء يتعلق بالفلسطينيين”، مشيرا إلى “قلقنا الرئيسي هو أننا لن نذهب إلى ثمن تطبيع العلاقات مع السعودية، بفعل شيء يتعارض مع أمننا”.

من جانبه، استبعد المحلل السياسي والمختص بالشؤون الإقليمية والاستراتيجية المستشار زيد الأيوبي، فكرة قرب عملية “التطبيع” بين إسرائيل والمملكة، معتبرا أن السعودية لن تتنازل عن شروطها الأساسية، ومن بينها إقامة الدولة الفلسطينية، وقد أكدت مرارا بأن المملكة في حال وافقت على تدشين علاقات مع الإسرائيليين، فلن يكون قبل إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.

عقبات أمام التقارب

الأيوبي خلال حديثه لموقع “الحل نت”، أشار إلى أن خطوة المملكة المتقدمة نحو دعم الشعب الفلسطيني بتعيين سفير غير مقيم لدى فلسطين، الأمر الذي اعتبره محللون سياسيون إسرائيليون تحديا كبيرا للمشروع الإسرائيلي. وعلق وزير الخارجية الإسرائيلي على هذا الحدث بأن حكومته لن تسمح بفتح سفارة سعودية لدى فلسطين في القدس.

الأيوبي مضى قائلا إن المملكة العربية السعودية ملتزمة بـ”مبادرة السلام العربية” وموقفها يعزز ويدعم الموقف الفلسطيني، وموقف السعودية في هذا الاتجاه يحظى بدعم جمهورية مصر العربية ودولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة الأردنية الهاشمية.

صحيفة “ذا تايمز أوف إسرائيل” قالت في تقرير لها، إن المملكة تعتبر حل القضية الفلسطينية محوريا لأي اتفاق ما مع إسرائيل، وأن السعوديين والفلسطينيين صاغوا موقفين؛ الأمثل هو أن توافق إسرائيل على “مبادرة السلام العربية” عام 2002، والحل الواقعي هو قرار يسمح للسعوديين بضمان نتائج كبيرة من إسرائيل قابلة للتنفيذ، والتحقق من تنفيذها، وتؤدي إلى قيام دولتين وفق جدول زمني واضح.

في ضوء ذلك، ونظرا لالتزام السعودية بموقفها الواضح من القضية الفلسطينية، والذي يهدف إلى إقامة دولة فلسطينية معترف بها دوليا على حدود 1967، وتحقيق السلام العادل للجانبين، فإنه لا تزال هناك عقبات جمّة أمام التوصل إلى اتفاق بشأن إقامة علاقات سلام بين السعودية وإسرائيل، الأمر الذي سيتطلب مجهودا كبيرا ووقتا من واشنطن من أجل التوصل إلى صيغة تفاهم بين الأطراف.

الضفة الغربية-“رويترز”

هذا ولم تعلّق الرياض على الأخبار المتداولة إلا أنها عيّنت قبل أسابيع سفيرها لدى الأردن نايف السديري سفيرا غير مقيم لدى فلسطين وقنصلا عاما في مدينة القدس. وأوضح الموقع الأميركي بأن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، على علم بمطالب ومقترحات السلطة الفلسطينية، لافتا إلى أن مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، التقت الشيخ في الأردن خلال وقت سابق من هذا الأسبوع ضمن اجتماع حضره رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج ومستشار عباس للسياسة الخارجية مجدي الخالدي.

احتمالات انفتاح السعودية على إسرائيل ليست مستبعدة، لكنها قد تتطلب المزيد من التفاوض والوقت.

لكن رغم كل هذه العقبات، فإن هذا لا يعني أن المفاوضات الأميركية السعودية بشأن إقامة علاقات مع إسرائيل ستفشل، أو أن العلاقات بين السعودية وإسرائيل ستبقى معدومة. بل إن احتمالات انفتاح السعودية على إسرائيل ليست مستبعدة، لكنها قد تتطلب المزيد من التفاوض والوقت، وقد تتشكل العلاقات بين البلدين خلال المستقبل المنظور، على مستويات محدودة وضمن مجالات معينة، بما في ذلك المجال الاقتصادي والتعاون الدفاعي، من أجل تقويض أي تهديدات محتملة في المنطقة.

لا بد من تقديم تنازلات

في ظل تعنت نتنياهو على اتخاذ أية خطوات مهمة للفلسطينيين، أكد “البيت الأبيض” للحكومة الإسرائيلية أنه سيتعين عليها تقديم تنازلات كبيرة للفلسطينيين إذا ما أرادت اتفاقا مع السعودية. وأفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” في وقت سابق هذا الأسبوع نقلا عن مسؤولين سعوديين بأن السعودية لن توافق على أي اتفاق مع إسرائيل يهدد جهود إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

الأيوبي، أكد أن الفلسطينيين يشيدون بالموقف السعودي من القضية الفلسطينية، كما أن الفلسطينيين يعتبرون أن دعم مصر والأردن للشرط السعودي لإقامة علاقات سلام مع إسرائيل يقوي ويعزز موقف الرياض من هذا الأمر. بينما قالت الصحيفة الأميركية، إن الرياض عرضت استئناف الدعم المالي للسلطة الفلسطينية، مشيرة إلى أن وفدا فلسطينيا كبيرا سيزور السعودية لمناقشة ما يمكن أن تقوم به لتعزيز آمال إقامة دولة فلسطينية.

يبدو أن السلطة الفلسطينية لا تريد أن تجد نفسها بمزيد من العزلة، بخسارة الفوائد المتوقعة من عودة الاهتمام السعودي. وما تزال المفاوضات سارية بشأن مطالب الرياض من واشنطن التي تشمل معاهدة دفاع مشترك، ونقل جانب من صناعات الأسلحة إلى السعودية والتعاون في بناء مفاعلات نووية للأغراض السلمية.

في المقابل هناك مطالب لبايدن من السعودية، تتمثل في إحجام علاقتها المتنامية مع الصين، وتقدم ضمانات بأنها لن تسمح لبكين ببناء قواعد عسكرية في المملكة، فضلا عن تقييد استخدام تكنولوجيا شركة “هواوي” الصينية، والحيلولة دون تسعير مبيعات النفط السعودي باليوان الصيني.

لذلك فإن هناك تداخلا في مطالب السلطة الفلسطينية من السعودية، والأخيرة من الولايات المتحدة، وإسرائيل من الولايات المتحدة أيضا، مما يعني أن المفاوضات ستأخذ مسارا واسعا ووقتا طويلا، ولكن في النهاية سوف يكون هناك تفهما وتنازلات من قبل الأطراف، وبالتالي ظهور مقاربة مشتركة للانفتاح السعودي على إسرائيل وإيجاد قاعدة للتعاون المشترك أمر وارد.

مما لا شك فيه أن إقامة علاقات سلام بين السعودية وإسرائيل ستعزز استقرار المنطقة وتنشر السلام والتعاون الاقتصادي والأمني ​​والعسكري في ظل المخاطر المشتركة للإرهاب مثلا وضرورة انحسار القوة المعادية بداية من ميليشيات إيران ومرورا بحركة “حماس” وباقي الأجنحة السُّنية مرورا بالتهديدات في قارة آسيا من قبل حركة “طالبان” المتطرفة وتنامي نفوذ تنظيمي “داعش والقاعدة” الإرهابيين، فضلا عن وجود محاولات إعادة تموضعها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات