انخراط تركيا، الخفي والمعلن، في الأحداث التي اندلعت بدير الزور شرق سوريا سواء من خلال مسؤولين رسميين على رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أو من خلال وكلائهم وعناصرهم المحليين ممثلا في فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم من أنقرة، فضح خبيئة الدور الخارجي الذي كان يقود الصراع لحساباته البراغماتية ومصالحه السياسية، بينما يسعى لشحن الوضع المأزوم بأقصى درجات التوتر لإطالة أمد الأزمة، وذلك لجهة إرباك “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وإرغامها على عمليات استنزافية.

بالتزامن مع الأحداث بدير الزور كانت عناصر تابعة لفصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، يقوم بتشتيت جهود الوحدات الكُردية ويقوم بمهاجمتها في عدة مناطق بمنبج وتل أبيض/كري سبي شمال سوريا.

تدخل بذريعة العشائر ضد قسد

بعد عنف دام أكثر من أسبوع تسبب بسقوط عشرات القتلى بفعل اشتباكات “قسد” وموالين مسلحين لقائد” مجلس دير الزور العسكري” المعزول أحمد الخبيل الملقب بـ”أبو خولة”، أعلنت “قسد” انتهاء العمليات في ذيبان شرق سوريا، وهي آخر معقل للمقاتلين المحليين في دير الزور، كاشفة أن قواتها باشرت تفتيشا للمنازل والأحياء بحثا عن مسلحين قادمين من الضفة الغربية لنهر الفرات، أي مناطق انتشار قوات الجيش السوري وميليشيات إيرانية.

بالتوازي، قصفت القوات التركية والفصائل الموالية لها، قرية عرب حسن في ريف منبج الشمالي، وأسفر القصف عن أضرار مادية كبيرة بممتلكات المدنيين. قتل عنصران من فصيلي “العمشات” و”فرقة الحمزة”، وأصيب 3 آخرون، نتيجة قصف مدفعي نفذته قوات “مجلس منبج العسكري”، التابع لـ”قسد”، استهدف نقطة عسكرية في محيط قرية برشايا بريف قباسين، بعد استقدام الفصائل الموالية لتركيا تعزيزات عسكرية إلى محيط القرية.

كما تدخلت “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا) إلى خط المواجهة، وبدأت بضرب مواقع لـ”قسد “في قرى ريف منبج شمالي سوريا. وأعلن “مجلس منبج العسكري” أنه تم رصد مقاتلي “هيئة تحرير الشام” في قريتي الياشلي والشيخ ناصر بعد إفراغها من سكانها، كاشفا عن نصب الجماعة أسلحة ثقيلة في القريتين.

“مجلس منبج” أشار إلى أن الهيئة  أرسلت 45 عنصرا من لواء “العصائب الحمراء”، إلى جبهات منبج بحجة مناصرة العشائر العربية في ريف دير الزور. وأكدت مصادر عسكرية خاصة لموقع “الحل نت”، أن “هيئة تحرير الشام” أرسلت تعزيزات عسكرية خلال اليومين الماضيين إلى مناطق شمال وشرقي حلب، بذريعة مساندة العشائر في محاربة “قسد”.

المصادر ذاتها أكدت أن هذه القوات التي أرسلتها “هيئة تحرير الشام” تمركزت في أرياف مدينتي الباب وجرابلس شرقي حلب، ضمن مقار “فرقة الحمزة” و”أحرار الشام – القطاع الشرقي” و”فرقة السلطان سليمان شاه”. وهذه ليست المرة الأولى التي ترسل فيها “هيئة تحرير الشام” المدعومة من تركيا، تعزيزات إلى أرياف حلب، ففي يوم السبت الفائت، أرسلت قرابة 70 عنصرا من لواء “العصائب الحمراء”، إلى جبهات منبج بحجة المشاركة في الأعمال العسكرية ضد “قسد”، تحت مسمى “فزعة العشائر”.

يوم أمس الأربعاء، صدّت “قوات مجلس منبج العسكري”، محاولة تسلل نفذتها فصائل “الجيش الوطني” على محور قرية البوغاز غرب مدينة منبج. ووقعت اشتباكات عنيفة بين الجانبين، وسط معلومات عن سقوط عدد من القتلى والجرحى، بحسب ما أفاد “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، الذي قال إن قوات “مجلس منبج العسكري” أسقطت مسيّرة مسلحة تركية في قرية عرب حسن.

كما انفجرت عبوة ناسفة في سيارة عسكرية كانت تقل قياديا في “مجلس منبج العسكري”، على طريق منبج – جرابلس بريف حلب الشرقي، ما أدى إلى مقتله على الفور.

تشهد محاور عدة في ريفي منبج الشرقي والغربي، تصعيدا لافتا في الآونة الأخيرة من قِبل القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها.

في غضون ذلك، كشف “قسد”، يوم أمس الأربعاء، عن مقتل 15 عنصرا من الفصائل التابعة لتركيا، وإصابة نحو 30 آخرين، بتصدي قوات “جبهة الأكراد” المنضوية تحت سقفها لهجمات على جبهة منبج، شمالي سوريا، وفق بيان لمركز “قسد” الإعلامي.

المركز الإعلامي لـ”قسد” أشار إلى تواجد عناصر لتنظيم “داعش” الإرهابي بين القتلى، من خلال شارات يحملونها على ملابسهم. وأكد مصادر محلية فشل الهجوم الذي شنته قوات فصائل “هيئة تحرير الشام” على “قسد” في مناطق منبج شرقي حلب.

تدخل بأمر تركي!

في سياق تدخل “هيئة تحرير الشام” وبعض الفصائل الأخرى الموالية لتركيا لخط المواجهة ضد “قسد” بحجة مناصرة العشائر العربية، فإنه لا يمكن أن تتحرك هذه الفصائل التي ذهبت للقتال في ليبيا وقره باغ بتفويض من أردوغان إلا بتحريض مباشر من الأخير، والهدف هو استكمال الاستراتيجية التركية بإنهاك وإنهاء الوجود الكُردي الذي يمثل خطرا على أمنها القومي كما تزعم.

Syrian Arab fighters are positioned on the Mahsali and Arab Hasan frontline, on the Turkish-held outskirts of Manbij in northeastern Syria, as they fight with the Kurdish-led Syrian Democratic Forces (SDF) on September 4, 2023. (Photo by Rami al SAYED / AFP)

فقد نفذت الفصائل السورية المدعومة من تركيا مناورة تكتيكية عبر قطع الطريق الدولي ‘أم 4’ في جنوب بلدة تل أبيض شمال سوريا، وقد وقعت أحداث عنف بينهما وقوات “قسد” في قرية الطويل غربي التابعة لريف الحسكة. ولم يخف ما يعرف بـ”الجيش الوطني” موقفه المعادي واصطفافه ضد “قسد” محرضا أبناء العشائر العربية بالانضمام لصفوفهم.

كما هي العادة كانت المسيّرات التركية تقوم بدورها العدائي في سماء شمال شرقي سوريا، بهدف بعث رسالة إلى كافة الأطراف بأن أنقرة على الخط تدعم طرف وتوفر حماية له. ومثلما تؤدي الطائرات المسيّرة أو الفصائل العسكرية دورها في القتل والتدمير، فإن أردوغان لا يتوانى عن التصعيد السياسي عبر خطاب تعبوي يحمل كراهية وتحريض على الأكراد، وقال أردوغان إن العشائر العربية هم أصحاب تلك المناطق الأصليين وأن “قسد” مجرد دخيل على المنطقة وبدعم دولي، لا يعترف بحق الناس في الحياة وعلى الدول الداعمة لهذا التنظيم معرفة ذلك.

أردوغان زعم أيضا أن “قسد” يساهم في استمرار إراقة الدماء بالمنطقة وزعزعة وحدة أراضي سوريا. مع الأخذ في الاعتبار أن القوات التركية والعناصر التابعة لها في شمال غربي سوريا وتحديدا بعفرين متورطة في أعمال عنف و”جرائم حرب” وتغيير ديمغرافي وفق تقارير أممية.

لم يتوقف الأمر هنا، فقد استكمل وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، الخطاب السياسي بنفس درجة العدائية، وقال إن النزاعات في شرقي سوريا هي البداية فقط، محذرا من تداعيات أكثر خطورة. وأوضح الوزير التركي أثناء المؤتمر الصحفي المشترك مع أوليفر فارهيلي، مفوض “الاتحاد الأوروبي” لشؤون الجوار والتوسع “يجب التوقف عن تصوير الأكراد أنهم قوة شرعية، وإلا فإن الاشتباكات التي نراها في دير الزور السورية هي مجرد بداية”.

أهداف تركيا و”الجيش الوطني”

العديد من المصادر الأمنية والعسكرية من داخل “الجيش الوطني السوري” المدعوم من أنقرة، رجحت أن هدف “هيئة تحرير الشام” من هذا التدخل في خط المواجهة مع “قسد” وإرسال التعزيزات العسكرية إلى أرياف حلب، هو أن الهيئة تريد القيام بأعمال عسكرية ضد قوات “قسد”، ومن ثم كسب الرأي العام والحصول على دعم العشائر العربية.

كما أن تحركات العشائر حاليا تعتبر فرصة لا تعوض للهيئة للتغلغل في ريف حلب وهو ما يسمح بتموضع قوة كبيرة لها يمكن استخدامها مستقلا ضد بعض فصائل أخرى لـ “الجيش الوطني”، والتي ما تزال تراها الهيئة حجرة عثرة أمام تمددها والاستفراد بسلطة المنطقة لوحدها كما فعلت في إدلب.

يرى مراقبون أن الرابح في استمرار المعارك التي يشهدها شمال وشرق سوريا عدة أطراف، فتوسع القتال في هذه المنطقة الحساسة، ثمة أطرافٌ عدة لديها مصلحة في تغذية هذه الفوضى، كأنقرة التي تصنّف المقاتلين الأكراد تنظيما “إرهابيا”.

كذلك دمشق التي ترفض “الإدارة الذاتية” وتأخذ على الأكراد تحالفهم مع واشنطن، ولا ننسى تنظيم “داعش” الإرهابي، فضلا عن استفادة كل من إيران وحتى روسيا من هذا القتال، حيث إن جميع هؤلاء لديهم مصالح في ضرب النظام الحالي، ولكلٍّ أسبابه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات