في ظل التدهور الكبير الذي شهدته الليرة السورية خلال الشهرين الماضيين، والذي وصل إلى نحو 13 ألف ليرة سورية لكل دولار، كشف خبير اقتصادي أن الإدارة الحالية لـ”مصرف سوريا المركزي” هي السبب في انهيار سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار.

الخبير الاقتصادي السوري، جورج خزام أشار إلى أن “المركزي السوري” اتخذ جملة من السياسات المالية الخاطئة التي كانت مدمرة للاقتصاد الوطني وسعر صرف الليرة السورية. كما نوّه إلى أن “المركزي السوري” يفتقد للخبرة العلمية في اقتصاد السوق، وأن ضعف الأدوات المالية لديه في التأثير على سعر صرف هو السبب في استمرار انهيار الليرة السورية.

المركزي السوري “رأس الحربة”

الخبير الاقتصادي قال أيضا في منشور على صفحته الشخصية على منصة “الفيسبوك” إن “المركزي السوري” هو الجيش الوحيد والأقوى للدفاع عن الليرة السورية وهو الكيان المالي الأكثر أهمية وموثوقية الذي يعطي الأمان للتجار والصناعيين ولأموال السوريين الموجودة لديه.

كما ولفت الخبير الاقتصادي إلى جملة من تلك القرارات التي أصدرها “المركزي السوري” والتي كانت سبب انهيار الليرة، ولعل أبرز تلك الإجراءات، تقييد حرية سحب ونقل الأموال، حيث كانت السبب بتوقف الإيداعات بالبنوك والتحول للسوق السوداء لشراء الدولار لسهولة نقله و تخزينه.

طبقا لتحليل خزام، فإن منصة تمويل المستوردات سيئة السمعة كانت السبب بتراجع كمية البضائع والمواد الأولية المعروضة للبيع وزيادة التكاليف ومعه تراجع الإنتاج وارتفاع الأسعار وزيادة البطالة والكساد بالإضافة لتشجيع الاحتكار لبعض المستوردين.

كما أن قرار منع استيراد قائمة طويلة من المستوردات الضرورية بحجة تخفيض الطلب على الدولار، كانت نتيجتها تراجع الإنتاج وتصفية الكثير من المصالح التجارية والصناعية وزيادة البطالة وهروب رؤوس الأموال للخارج بالدولار بالإضافة لتنشيط التهريب. وهو من أهم الأسباب في تدهور اقتصاد سوريا ككل وليس فقط تراجع الليرة.

من القرارات الحكومية الخاطئة أيضا، تعهد التصدير وذلك بتسليم المصدرين نصف قيمة صادراتهم بالدولار بسعر المركزي ومعه تكبيدهم خسائر من فرق التصريف ومعه تراجع الصادرات والدولار بالسوق وزيادة الكساد، كذلك إلزام الكشف عن مصدر تمويل المستوردات والإيداعات وبالتالي هروب رؤوس الأموال للخارج بالدولار خوفا من مصادرتها بحجة عدم شرعيتها.

الحكومة “تسحب الدولارات”!

في منشور آخر للخبير الاقتصادي، نُشر قبل ساعات، يقول فيه إن انخفاض سعر صرف الدولار ليس حقيقيا، وأن ثمة مضاربات على الليرة السورية، وهي سبب انخفاض سعر الصرف، وذلك لجمع أكبر قدر من الدولارات بسعر رخيص حتى يمكن إعادة بيعها بسعر مرتفع، كما يحصل كل فترة.

كما أشار إلى أن ضعف الأدوات المالية لـ”المركزي السوري” في التأثير على سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية جعل عملية المضاربة على سعر الصرف مفتوحة أمام مجهولين. ومن دون ملاحقة صرافي السوق السوداء واحتجازهم، لن ينخفض سعر صرف الدولار.

في تحقيق سابق لـ”الحل نت”، وبحسب تقارير صحفية أخرى، فإن هناك عمليات تلاعب بسعر الصرف بين الحين والآخر، وتُدار من قِبل شخصيات تتبع للقصر الجمهوري في دمشق، وذلك بغية سحب ملايين الدولارات من المناطق السورية عامة وتحديدا مناطق شمال شرقي سوريا، التي تعتبر غنية بالعملة الصعبة؛ لما فيها من تجارة للنفط وتواجد كثيف للمنظمات المدنية والشركات التجارية وحركة خروج ودخول هائلة من المغتربين الذين يدخلون عبر معبر سيمالكا/ فيشخابور الواصل بين إقليم كردستان العراق ومناطق “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا، ويجلبون معهم مبالغ مالية كبيرة.

التحقيق قال إن الشخصيات المسؤولة عن عملية سحب الدولار مقابل ضخ العملة السورية هم تابعين للقصر الجمهوري في دمشق وتحديدا رجال وسماسرة حسام القاطرجي “أحد تجار الحرب السورية”، يقفون وراء ارتفاع سعر الصرف مؤخرا.

كما ولفت التحقيق إلى أن “هناك أربعة مكاتب رئيسية للصرافة تابعة للقصر الجمهوري، وتقع هذه المكاتب في كل من دمشق واللاذقية وحلب وحمص، ويعلمون في السوق السوداء. والتحكم الكامل بسوق الصرافة السورية في مناطق سيطرة دمشق ومناطق الإدارة الذاتية، يكون عبر سماسرة هذه المكاتب حصرا، وذلك عبر أساليب الضغط من قِبل أجهزة الأمن السورية ورجال القاطرجي، على أصحاب مكاتب الصرافة الصغار والذين يعتبرون أفرع للمكاتب الرئيسية هذه”.

طبقا للتقارير الصحفية السابقة، فإن هناك مكتب يُعرف باسم “المكتب السري” وهو المكتب المالي والاقتصادي ويسير بإشراف مباشر من أسماء الأسد، زوجة الرئيس السوري بشار الأسد. وهذا المكتب مؤلف من عناصر في أمن الدولة، يقومون بجولات للابتزاز المالي تشمل حتى المحال متوسطة الحال في أسواق المدن السورية.

بالتالي، فإن عمليات المضاربة على سعر الصرف وسحب أكبر كمية ممكنة من العملة الصعبة في الأسواق السورية تدار من قِبل أشخاص متنفذين تابعين للدولة السورية وسلطاتها.

ورقة نقدية بقيمة مئة دولار

في المقابل، ومع استمرار ارتفاع معدلات التضخم في سوريا وانهيار العملة المحلية في البلاد، ظهرت مؤخرا العديد من الاقتراحات لحل المشاكل النقدية في الأسواق، أبرزها طباعة فئة جديد من العملة، الأمر الذي يطرح التساؤلات حول مدى جدوى وفعالية هذه المقترحات لمجابهة التضخم والمشاكل الاقتصادية الناتجة عن الانهيار المتواصل لقيمة الليرة السورية.

آخر هذه المقترحات، كانت إصدار فئة نقدية جديدة قيمتها تعادل مئة دولار أميركي، علما أن أعلى فئة نقدية متوفرة في سوريا هي فئة الخمسة آلاف ليرة سورية وتساوي أقل من نصف دولار أميركي، ما يعني العودة لنفس المشكلة في حال تم صرف هذه الفئة إلى نصفين مثلا.

هذا المقترح نقله موقع “بي تو بي” المحلي، عن الخبير الاقتصادي ذاته، جورج خزام، حيث رأى أن إصدار ورقة نقدية قيمتها بـ الليرة السورية تعادل قيمة  100  دولار أميركي، وتتغير قيمتها بحسب نشرة “المركزي السوري” لسعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، يمكن أن يكون إحدى الوسائل المالية “وليس الاقتصادية” لمحاربة التضخم النقدي وتداول كميات كبيرة من الأوراق النقدية في عمليات البيع والشراء.

خزام، أضاف توضيحا للمقترح، “طباعة 100 ليرة خضراء تعادل  100 دولار أميركي، بفرض سعر صرف الدولار بالمركزي 10.000 ليرة، فإن قيمة الـ 100 ليرة خضراء  ستعادل الـ 1.000.000 ليرة سورية، وتطبيق هذا المقترح، سيحفظ القوة الشرائية للمدخرات بالليرة السورية من التضخم وتراجع القيمة باعتبار أن تلك الورقة تساوي 100 دولار”.

متابعون قلّلوا من أهمية تطبيق هذا المقترح، خاصة وأنه يقفز بقيمة الفئات النقدية من النصف دولار إلى مئة دولار، كما أنه لا يحل مشاكل التداول في الأسواق، وقال علي المحمد، تعليقا على هذا المقترح، “إذا قيمة المئة ليرة الخضراء دائما مئة دولار بصرف النظر عن السعر، فلماذا سيلجأ السوريون لشراء المئة الخضراء بدلا من التوجه إلى الدولار الحقيقي؟ هي وسيلة لسحب السيولة من أيدي السوريين لا أكثر”.

في العموم، تتجنب الحكومة السورية الدخول في عمليات طباعة جديدة للعملة السورية لأسباب عديدة، أبرزها تكلفة الطباعة التي تعادل نسبة كبيرة من الورقة المراد طباعتها، حيث أن تكلفة طباعة العملة الورقية تعادل 2000 ليرة سورية، أي أن طباعة الفئة الجديد المستخدمة حاليا في الأسواق وهي فئة الـ 5 آلاف ليرة كبدل تالف، ستذهب 40 بالمئة من قيمتها لتكلفة طباعتها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات