مع انعقاد “محكمة العدل الدولية”، أمس الثلاثاء جلستها الأولى للنظر في الشكوى المرفوعة من قِبل كندا وهولندا ضد سوريا، بناءً على اتهامات بتعذيب عشرات آلاف الأشخاص منذ العام 2011، ركّزت مطالب ممثل جهة الادعاء في المحكمة الدولية على عدد من المطالب.

أبرز ما ورد في مطالب الادعاء، بحسب منظمة “غلوبال جستس”، أن تتخذ حكومة دمشق على الفور إجراءات فعّالة لوقف ومنع كافة الأعمال التي ترقى إلى مستوى التعذيب، والسماح للمراقبين المستقلّين والأطباء والعمال للوصول إلى أماكن الاحتجاز.

أولى جلسات محكمة العدل

نحو ذلك، بدأت “محكمة العدل الدولية”، يوم أمس الثلاثاء، جلسة محاكمة حكومة دمشق على خلفية دعوى رفعتها كندا وهولندا حول ارتكابها عمليات تعذيب بحق السوريين. وقال كبير ممثلي هولندا رينيه لوفيبر، للمحكمة، “كل يوم له أهميته”، مضيفا أن الأشخاص المعتقلين في سوريا حاليا أو المعرّضين لخطر الاعتقال لا يستطيعون الانتظار لفترة أطول، وفق “أ ف ب“.

فتى يجر دراجة هوائية في شارع وسط الدمار الذي خلفه قصف للحكومة السورية، بحسب تقارير، في دوما بتاريخ 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2017 © حمزة العجوة / ا ف ب/ارشيف

لوفيبر، استشهد بشهادات مؤلمة من معتقلين، وُصفت فيها عمليات الاغتصاب الجماعي والتشويه، وطريقة العقاب الموحدة التي تنطوي على وضع الأشخاص في إطار “عجلة” سيارة وتوجيه الضرب المبرح لهم.

بينما تجاهلت دمشق “الجهة المدعى عليها” اليوم الأول من الجلسات، بعدما كانت قد رفضت القضية واصفةً الاتهامات بأنها “تضليل وأكاذيب”، مشيرة إلى أنها “تفتقر إلى أدنى درجة من المصداقية”.

غياب ممثلي الحكومة السورية عن الجلسة أدى إلى تأجيلها ثلاثة أشهر. وأعربت رئيسة “محكمة العدل الدولية” القاضية، جوان دونوجو، عن أسفها لغياب ممثلي حكومة دمشق، لافتة إلى أنه تم تأجيل الجلسة مدة ثلاثة أشهر بناءً على طلب سوريا، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء “د.ب.أ”.

كان من المقرر عقد المحكمة الدولية أولى جلساتها يومي الثلاثاء والأربعاء بحضور 15 قاضيا، بالإضافة إلى ممثلين عن كندا وهولندا، وممثلين عن الحكومة السورية. إلا أن امتناع دمشق عن إرسال ممثلين لها لحضور الجلسة أدى إلى تأجيل الجلسات إلى موعد لاحق.

هذا وكانت كندا وهولندا قد طلبتا من المحكمة إصدار أوامر لدمشق بشكل عاجل من أجل وقف جميع أشكال التعذيب والاعتقال التعسفي، وفتح السجون أمام مفتشين من الخارج، وتبادل المعلومات مع العائلات بشأن مصير أقاربهم. وقد تستغرق “محكمة العدل الدولية” سنوات للبت في قضية ما، ولكن يمكن إصدار قرار عاجل في غضون أسابيع، بناء على ما يُسمى بـ”تدابير تحفّظية” ستكون ملزمة قانونا.

قال الممثل الرئيسي لكندا ألان كيسيل، إن سوريا اتخذت خيارا مؤسفا بعدم الحضور، مضيفا أن هذا لا يعني أن العالم غائب، مشيرا في حديثه للصحافيين، إلى أنه “يجب على حكومة الأسد الاستجابة ووقف التعذيب المتفشي في ذلك البلد..”.

من جانبها، دعت المستشارة ببرنامج العدالة الدولية بمنظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية، بلقيس جراح، المحكمة الدولية في أولى جلساتها لمنع مزيد من الانتهاكات ضد السوريين الذين لا يزالون يعانون في ظل ظروف مروعة وتتعرّض حياتهم للتهديد بشكل خطير.

مطالب الادعاء

في المقابل، طالب ممثل جهة الادعاء في المحكمة الدولية، بعدد من المطالب، وتمثلت في أن تتخذ حكومة دمشق على الفور تدابير فعالة لوقف ومنع جميع الأعمال التي ترقى إلى التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المُهينة أو تساهم فيها.

إلى جانب وقف جميع أشكال الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، والأمر باتخاذ تدابير مؤقتة، تبدأ في موعد لا يتجاوز ستة أشهر من صدوره وكل ستة أشهر بعد ذلك لحين حلّ النزاع، طبقا لمنظمة “غلوبال جستس”.

من مطالب الادعاء أيضا، السماح بالوصول إلى جميع أماكن الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية من قبل آليات المراقبة المستقلة والعاملين الطبيين، والسماح بالاتصال والزيارات بين المحتجزين وعائلاتهم والمستشارين القانونيين؛ واتخاذ تدابير عاجلة لتحسين ظروف جميع مرافق الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية لضمان معاملة جميع المحتجزين بإنسانية واحترامٍ للكرامة المتأصلة في الشخص الإنساني وفقا للمعايير الدولية.

سوريون يضعون صور سجناء ومغيبين قسراً أمام المحكمة الدولية- “أ.ب”

كما وحذر الادعاء وفق ما نقلته مواقع صحفية، من تدمير أو منع الوصول إلى أي دليل يتعلق بالحادثة من ذلك، على سبيل المثال لا الحصر،  تدمير أو منع الوصول إلى السجلات الطبية أو غيرها من السجلات للإصابات التي لحقت نتيجة للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المُهينة أو رفات أي شخص كان ضحية للتعذيب.

الادعاء طالب دمشق أيضا بالحفاظ على أي معلومات تتعلق بسبب وفاة أي معتقل توفي في أثناء الاحتجاز أو خلال العلاج في المستشفى بما في ذلك فحص الطب الشرعي للرّفات البشرية وأماكن الدفن، وتوفير أقرب أقرباء أي شخص توفي على النحو الواجب نتيجة للتعذيب.

أخيرا، طالب الادعاء دمشق بالكشف عن مواقع دفن الأشخاص المقتولين نتيجة للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة بعد الاعتقال أو العلاج في المستشفى أو الاحتجاز.

محاكمات غربية ضد دمشق

منذ الساعات الأولى من بدء المحكمة أمس الثلاثاء، تجمع عشرات السوريين ممن فرَّوا من البلاد قسرا، أمام مقر المحكمة رافعين صور أحبائهم من المختفين قسرا والمعتقلين، وطالبوا بتحقيق العدالة.

يوم أمس، وقف متظاهرون سلميون في محافظة السويداء جنوبي سوريا، تضامنا مع المحكمة، معبرين عن دعمهم للمحكمة الدولية التي بدأت بمحاكمة دمشق بتهمة تعذيب المعتقلين وإخفائهم قسريا، بجانب تفاعل العديد من النشطاء على منصات التواصل الاجتماعي مع أولى جلسات المحكمة.

بحسب تقرير لصحيفة “الشرق الأوسط”، فقد استندت كندا وهولندا في دعواهما إلى انتهاك المعاهدة الدولية لمناهضة التعذيب. وجاء في الشكوى التي قدمتها هولندا وكندا، للمحكمة الدولية، أن المعتقلين حاليا في السجون السورية يواجهون خطر الموت الوشيك أو الأذى الجسدي أو العقلي الخطير.

كما أدانت الدولتان العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي في المعتقلات السورية، والعنف ضد الأطفال لدى طلبهما من المحكمة اتخاذ إجراءات احترازية عاجلة من أجل وقف التعذيب والاعتقال التعسفي، وفتح السجون أمام مفتشين من الخارج، وتبادل المعلومات مع العائلات بشأن مصير أقاربهم.

لم تتمكّن “محكمة العدل الدولية” التي تتخذ من لاهاي مقرّا من التعامل مع سوريا، لأنها لم تصادق على نظام روما الأساسي، أي المعاهدة التأسيسية للمحكمة. وكانت روسيا والصين قد منعتا مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي يقضي بإحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية في العام 2014.

في الوقت الذي حذّرت فيه لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا من تصاعد القتال وتسارع الانهيار الاقتصادي، معتبرة أن سوريا غير آمنة لعودة اللاجئين السوريين، حدّد القضاء الفرنسي مؤخرا شهر أيار/مايو 2024 موعدا لمحاكمة ثلاثة مسؤولين سوريين بينهم علي مملوك، لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية.

مصدر قضائي أفاد قبل نحو شهر، بأنه في أيار/مايو 2024 ستبدأ في فرنسا إجراءات محاكمة ثلاثة مسؤولينَ سوريينَ في قضية مقتل سوريَّين يحملان الجنسية الفرنسية. وسيحاكم المسؤولون في قضية مقتل مازن دباغ ونجله باتريك، أمام محكمة الجنايات في باريس.

ستكون هذه المحاكمة التي كشفت صحيفة “ذا ناشونال” الإماراتية بداية مواعيد انعقادها، أول محاكمة في فرنسا تختص بجرائم ضد الإنسانية ارتُكبت في سوريا. وتفيد المعلومات بأنه سيُحاكم غيابيا كلّا من الرئيس السابق لجهاز المخابرات العامة، علي مملوك، الذي أصبح لاحقا رئيس مكتب الأمن الوطني، والرئيس السابق لجهاز المخابرات الجوية جميل حسن، ومدير فرع باب توما في العاصمة دمشق بالمخابرات الجوية عبد السلام محمود. وثلاثتهم مستهدفون بمذكّرات توقيفٍ دولية.

تحديد موعد محاكمة المسؤولين في حكومة دمشق يأتي وسط جمودٍ للتقارب العربي تجاه دمشق، وبالتالي فهذا يعني أن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لن تتردد في ملاحقة ومحاسبة مرتكبي ومجرمي الحرب في سوريا، بالإضافة إلى رفضهم لأي عملية تعويم لدمشق إذا لم يتم تنفيذ القرار الدولي 2254، الذي يدعو إلى التوصل إلى تسوية سياسية شاملة للوضع السوري.

أرقام وإحصائيات

في غضون ذلك، وبالتزامن مع موعد الجلسة الأولى المحكمة الدولية، أصدرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” تقريرا، قالت فيه إن نحو 136 ألفا ما بين معتقل ومخفي قسريا ما زالوا يتعرضون للتعذيب في سوريا. وقد حصلت على بيانات وفاة نحو 1250 شخصا كانوا في عداد المختفين قسريا، قُتلوا تحت التعذيب ولم يُبلّغ ذووهم بذلك حتى تاريخ صدور تقرير الشبكة.

الشبكة الحقوقية، أكدت أن 14 ألفا و843 حكما بالإعدام صدرت عن محاكم ميدانية عسكرية في سوريا منذ آذار/مارس 2011 حتى آب/أغسطس 2023، وأن 7 آلاف و872 شخصا ممن صدرت بحقهم تلك الأحكام أعدموا، ولم تُسلَّم جثامينهم لذويهم، كما لم يُخطروا بإعدامهم بشكل رسمي.

اللافت أن ثمة أكثر من 15 ألف شخص قُتلوا تحت التعذيب في السجون ومراكز الاحتجاز في سوريا منذ آذار/مارس 2011، بينهم 190 طفلا و94 امرأة قضوا تحت التعذيب في مراكز الاحتجاز منذ ذات التاريخ. ونوّهت الشبكة الحقوقية إلى أن عمليات تعذيب الضحايا جرت في مراكز الاعتقال التابعة لقوات الحكومة السورية، وسارت وفق سياسة مركزية وشاملة تورطت في ممارستها الغالبية العظمى من مراكز الاحتجاز، وشاركت في تنفيذها عناصر الأجهزة الأمنية من مختلف المستويات.

في ختام تقريرها، لفتت الشبكة الحقوقية، إلى أن الأجهزة الأمنية السورية تمارس أكثر من 80 أسلوبا للتعذيب متباينة الشدة والقسوة؛ لدوافع وأهداف مختلفة، من أبرزها انتزاع الاعترافات عبر التعذيب لإدانة المعتقلين ممن لا تملك أدلة مادية تدينهم، إضافة إلى التخويف والانتقام من المعارضين للسلطات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات