في ظل ارتفاع الأسعار الناجمة عن انهيار سعر الصرف وزيادة أسعار المشتقات النفطية ونسبة الرواتب 100 بالمئة مؤخرا، خيّم اليأس على وجوه السوريين من تدهور الأوضاع المعيشية أكثر مما هو عليه، وخاصة مع عدم استقرار سعر الليرة، وهو ما خلا الناس يبدأون بتقليل تسوّقهم، بغية تقنين المواد الغذائية قدر الإمكان، وسط عدم قدرتهم على مجاراة الأسعار أكثر من ذلك، ما ينذر بحدوث مجاعة تهدد السوريين بسبب انخفاض الدخل في مواجهة الارتفاع الكبير في الأسعار.

وبين تصاعد الأسعار من حين لآخر، أصبح السوريون يرون الأسعار الحالية تناسب جيوب المغتربين والسُّياح والذين يتلقون الحوالات المالية الخارجية والطبقة الغنية فقط، ويصفون تلك الأسعار بأنها ”لا ترحم”، وبالتالي صاروا يتسوقون مرة واحدة تقريبا في الأسبوع، وهو من أجل شراء الاحتياجات الضرورية فقط، خاصة مع افتتاح المدارس والجامعات، حيث ارتفعت المصاريف والنفقات أكثر فأكثر.

الأسعار كاوية والجيوب فارغة

في خضم عدم انخفاض الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، حيث يُقدّر الدولار الواحد بنحو 13500 ليرة سورية، بالتزامن مع ارتفاع سعر غرام الذهب في أسواق دمشق اليوم، ليصل لـ 647 ألف ليرة سورية عيار 18 و 754 ألف ليرة سورية لعيار 21، الأمر الذي يؤثر على الأسعار بشكل أو بآخر، وهو ما يدفع ضريبته المواطن السوري المغلوب على أمره.

الأسعار في الأسواق السورية “كاوية”- “إنترنت”

وبالتالي فإن الوضع المعيشي في البلاد لم يعد يُطاق، خاصة مع موجة الغلاء الفاحش وتراجع قيمة الرواتب والدخول المقدّرة بالليرة السورية كلما انخفض سعر الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي، الأمر الذي جعل نسبة كبيرة من الناس يمتنعون عن التسوق ويتجنبون الشراء قدر المستطاع والاكتفاء بالمواد المتوفرة لديهم في المنزل.

في هذا السياق تقول إحدى السيدات من العاصمة دمشق “الأسعار مرتفعة جدا ولم يعد الناس قادرين على مواكبتها. على سبيل المثال، نذهب إلى سوق الخضار ولا نكاد نشتري بعض أنواع الخضار، لطبخها مع البرغل أو الأرز. أما غيرها من السلع مثل اللحوم والفواكه والموالح فأسعارها بالعلالي والعائلات السورية لا تستطيع شراءها”.

السيدة التي فضّلت عدم ذكر اسمها، أردفت لموقع “الحل نت”، أن هؤلاء المتسوقين في الأسواق، الذين يتنقلون من المطاعم إلى محلات المواد الغذائية أو الحلويات أو الملابس، إمّا من المغتربين أو السُّياح، أو أنهم غالبا ما يكونون على وشك السفر ولديهم ما يدعمهم ماديا، سواء من الأقارب في المهجر أو ممن هم أصلا من أصحاب النفوذ والتجار.

العديد من التقارير الصحفية تشير إلى ارتفاع الأسعار بنسبة 100 بالمئة، فيما يؤكد واقع الأسواق ارتفاعا بنسبة 200 بالمئة وأكثر لمعظم السلع الأساسية خلال أقل من شهرين، مقابل ركود كبير في حركة البيع والشراء.

فعلى سبيل المثال وخلال رصد عدد كبير من المحال التجارية في دمشق فقد سجلت أسعار زيت الزيتون ارتفاعا غير مسبوق، حيث يُباع كيلو الزيت ما بين 80 – 110 آلاف ليرة حسب النوعية والجودة، وبالتالي تبددت كل التوقعات بانخفاض سعر الزيت مع بداية الموسم، وذلك بسبب نقص الكميات المعروضة وقلة الإنتاج، بالإضافة لزيادة تكاليف الإنتاج مقارنة بالعام الماضي، ولكن المشكلة حاليا هي انخفاض دخل المواطن الذي لا يتناسب مع الأسعار.

ولدى استطلاع آراء الكثير من المواطنين في أحياء وشوارع العاصمة دمشق أكدوا لموقع “غلوبال نيوز” المحلي يوم أمس الإثنين، عدم قدرتهم على شراء زيت الزيتون في ظل ارتفاع سعره مقارنة بدخلهم وخاصة شريحة الموظفين.

الأسعار “سياحية”

في المقابل، يقول صاحب محل لبيع الألبسة في سوق الصالحية بدمشق، إن حركة السوق ضعيفة جدا، رغم التخفيضات التي شملت جميع بضائعه بأكثر من النصف، ورغم ذلك لا يقدم الناس على الشراء. ويصل سعر بنطال الجينز الرجالي لأكثر من 100 ألف ليرة سورية.

أرخص طقم “بيجامة” شتوية يصل سعره في الأسواق الشعبية إلى نحو 80 ألف ليرة سورية، بينما يصل في أسواق مثل الصالحية والشعلان إلى أكثر من 350 ألف ليرة سورية، ويصل عند بعض المحال الأخرى إلى نحو 450-600 ألف ليرة، وهو ما اعتبره المواطنون أسعار “سياحية” ولا يستطيع أحد شراءها.

وأشار صاحب محل الملابس لـ”الحل نت” إلى أنه خلال فصل الصيف كان هناك إقبال مقبول إلى حدّ ما على الملابس الصيفية، لكن أغلب المتسوقين كانوا إما من المغتربين والسُّياح أو من الذين يتلقون الحوالات المالية، ويضيف أبو عمر (اسم مستعار)، أن “معظم المتسوقين كانوا إمّا رافقهم أحدٌ من أقربائهم من المغتربين، فالمغترب القادم لزيارة البلاد بدوره يشتري ملابس لعائلته من إخوته وأبويه. أو الذين كانوا يشترون يؤكّدون بأنهم للتّو قد استلموا حوالاتهم المالية، ولولا ذلك لم يكن بمقدورهم الشراء. وفي الواقع مَن يستطيع شراء بلوزة بـ 125 ألفا هذه الأيام، خاصة إذا كان راتبه 250 ألفا”.

بدورهم، يرى السوريون أن هذه الأسعار لا تناسب جيوبهم الخاوية على الإطلاق، ويجدون أن هذه الأسعار مناسبةٌ لمن يحصلون على الدولار، أي من يتلقون حوالات خارجية، أو لمن لديهم تجارتهم وأعمالهم الخاصة. فيما تتقاضى النسبة الأكبر الأخرى من السوريين رواتبهم بالليرة السورية. ولا يتجاوز متوسط ​​دخل المواطن 250 ألف ليرة سورية، وبالتالي هذا المواطن وعائلته يعضون على جراحهم، ويكتفون بشراء الضروريات فقط، ويعملون في أكثر من عمل حتى يتمكنوا من تأمين لقمة عيشهم.

تكاليف المعيشة باهظة

تقرير لصحيفة “قاسيون” المحلية، مؤخرا أفاد أنه “مع انقضاء تسعة شهور من عام 2023، عانى السوريون من ارتفاعات غير مسبوقة في الأسعار ليرتفع وسطي تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد، وفقا لمؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة، ويقفز إلى أكثر من 9.5 مليون ليرة سورية”.

بحسب تقرير الصحيفة، فإن الحد الأدنى لتكاليف معيشة الأسرة السورية، وصل إلى نحو 6 ملايين ليرة سورية، والحد الأدنى لتكاليف الغذاء 3.5 مليون، ذلك في وقت بلغ الحد الأدنى للأجور في المؤسسات الحكومية بعد الزيادة الأخيرة إلى 185 ألف ليرة سورية فقط.

ورافقت موجة الغلاء هذه ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض النفسية مثل “الاكتئاب واليأس والإحباط”، فضلا عن الأزمات القلبية بين فئة الشباب، إلى حدّ كبير. وأرجع الدكتور نبوغ العوا، السبب إلى انخفاض المناعة الذاتية نتيجة الضغوط النفسية والعادات غير الصحية مثل التدخين والتعب في مكان العمل خاصة في ظل الظروف الراهنة والإمكانات المالية المحدودة.

وقال الدكتور العوا في تصريحات صحفية سابقة، إن الحزن والاكتئاب يقلّلان من المناعة بحسب الأدلة العلمية، مضيفا أن ثلاثة أرباع الشعب السوري يشعرون بالقلق في ظل الأوضاع الحالية. ليس ذلك فحسب، فقد تزايدت حدّة المشاكل الاجتماعية بمختلف أنواعها وأحجامها. وقد ارتفعت نسبة العنف الأُسري، خاصة بالنسبة للنساء، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الطلاق وعدم رغبة الجيل الشاب في الزواج أو الإنجاب. وتتعدد الأسباب وراء كل ذلك، إلا أن التدهور المتسارع للأوضاع المعيشية في البلاد أدى إلى تفاقم هذه المشاكل.

لا شك أن تزايد وتراكم المشكلات الاجتماعية في أي مجتمع يحمل في طياته العديد من الآثار والتداعيات السلبية، حيث يهدد ذلك بنية المجتمع وتفكيك الأسرة والمجتمع ككل، مما يترتب عليه مشاكل وظواهر اجتماعية أخرى، مثل ارتفاع معدل الجرائم والسرقات وانتشار الجهل بسبب عدم استكمال المراحل التعليمية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات