منذ بدء التصعيد في غزة بين القوات الإسرائيلية وحركة “حماس”، وتصاعد وتيرة القصف الإسرائيلي على المنطقة، كانت الحركات الشعبية في سوريا المدعومة من قِبل دمشق خجولة إلى حدٍّ كبير، وذلك مقارنة بما كان يحصل في كل مرة يبدأ فيها التصعيد في غزة على مدار السنوات الماضية.

الجهات الأمنية فرضت مؤخرا على الجهات والفصائل الفلسطينية “موافقة أمنية” من أجل تنظيم فعاليات ووقفات تضامنية مع السكان في قطاع غزة، وذكرت تقاريرٌ إعلامية أن مبرّرات الخطوة جاءت تحت بند “الحماية من الإرهاب والعصابات المسلحة والحفاظ على الأمن والأمان”.

رفض طلبات الترخيص

مصادر خاصة أكدت لموقع “الحل نت”، أن العديد من الجهات الفلسطينية تقدمت للحصول على تراخيص من الجهات الأمنية من أجل السماح بتنظيم وقفات ومظاهرات تضامنا مع الضحايا في غزة، إلا أن الجهات الأمنية ماطلت في الطلبات لعدّة أسابيع ثم جاء الطلب بالرفض.

ووفق “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا”، وهي شبكة حقوقية وإعلامية “فقد اشتكى ممثلو الفصائل الفلسطينية والأهالي في مخيم خان دنون بريف دمشق والعديد من المخيمات من العراقيل التي تضعها الأجهزة الأمنية السورية”.

فالمظاهرات التي خرجت خلال الأسابيع القليلة الماضية في سوريا للتضامن مع غزة، كانت محدودة جدّا ومنحصرة في أعضاء حزب “البعث”، فيما حرُصت الجهات الأمنية على مرافقة التظاهرات ومراقبتها، الأمر الذي يطرح التساؤلات حول أسباب توجّه دمشق إلى تقليل التجمعات المتعلقة بغزة.

قد يهمك: استطلاع رأي صادم.. فئة من سكان سوريا عازفون عن متابعة آخر الأحداث لهذه الأسباب

بحسب المصدر الذي أكد لـ”الحل نت” رفض الجهات الأمنية منح تصريحات للجهات الفلسطينية للتظاهرة بريف دمشق، فإن عمليات الرفض شملت كذلك وقفة تضامنية بالشموع لأطفال مخيم خان دنون، وفي وقت سابق من الأسبوع الماضي.

مصادر “الحل نت” أكدت أن سياسة التضييق على الحِراك للتضامن مع غزة لم يقتصر على العاصمة دمشق، حيث حاولت مجموعة من الفلسطينيين خلال الأسبوع الماضي الحصول على موافقة أمنية من أجل تنظيم مظاهرة في مدينة حلب، وقدّموا ثلاث طلبات إلى أفرع أمنية مختلفة، إلا أن جميع الطلبات جاءت “مع عدم الموافقة”.

رسائل من دمشق

يبدو أن الحكومة السورية، تسعى من خلال منع هذه التظاهرات أو التقليل منها على الأقل، إلى التأكيد على الرسالة التي حرصت على إرسالها للمجتمع الغربي منذ اليوم الأول لانطلاق عملية “طوفان الأقصى”، وهي عدم وجود رغبة لديها في المشاركة في الحرب الدائرة بين القوات الإسرائيلية وحركة “حماس”.

حيث أن فتح باب التظاهر من أجل غزة، قد يعني مشاركة الآلاف في المدن السورية، وهو ما كان يحصل خلال السنوات الماضية في كل مرّة تشهد غزة تصعيدا عسكريا، فتزامنا مع التصريحات الرنانة للرئيس السوري بشار الأسد، باعتباره أحد أعمدة ما يسمى بـ”محور المقاومة” كانت المظاهرات ضد إسرائيل تملأ الساحات، لكن يبدو أن دمشق غيّرت من سياستها هذه المرّة، وتريد أن تبتعد عن التصعيد ضد الغرب باستخدام كل الوسائل المتاحة.

الموافقات الأمنية التي فرضتها دمشق على الحِراك المتعلق بالتضامن مع غزة لم تكن موجودة في السابق، وهو ما يتزامن مع تغيير سياسة دمشق بالتعاطي مع الأحداث هناك، فسابقا عندما كانت غزة تشهد تصعيدا أو أية أزمات إنسانية، كانت المخيمات الفلسطينية تشهد حِراكا يشارك فيه المئات وربما الآلاف للتعبير عن الغضب لما يتعرّض له الفلسطينيون.

يبدو أن الرئيس السوري بشار الأسد، أخذ التحذيرات التي وصلته مؤخرا، بضرورة الابتعاد عن أية مواجهة مع إسرائيل على محمل الجد، فهو يحاول دائما امتصاص غضب الجانب الإسرائيلي، فلم نرَ أي ردّ عسكري أو حتى سياسي حتى الآن على القصف الإسرائيلي المتواصل منذ نحو أسبوعين على المطارات الدولية وبعض المواقع العسكرية في سوريا.

كذلك فإن منع الحِراك المَدني الذي قد يؤدي إلى تجييش الرأي العام في سوريا، يأتي في إطار عدم أخذ السلطة السورية أيّة مبادرة من شأنها رفع وتيرة التصعيد مع إسرائيل، خصوصا بعد التهديدات الإسرائيلية والتحذيرات من بعض الدول العربية كالإمارات بضرورة عدم تدخل دمشق في الصراع الدائر في غزة.

حتى الآن لم تشهد المدن السورية مظاهرات كبيرة داعمة لأهالي غزة، بل اقتصر الأمر على بعض التظاهرات الصغيرة التي جرت في العاصمة دمشق قبل نحو أسبوع بكثيرٍ من الحذر وتحت أنظار الجهات الأمنية، كما أن هذه المظاهرات لم تتمتع بتغطية إعلامية واسعة من قِبل وسائل الإعلام المحلية.

منذ بدء عملية “طوفان الأقصى” التي شنّتها حركة “حماس” ضد إسرائيل، كانت هناك عدة استهدافات إسرائيلية لمواقع عسكرية سورية، إضافة إلى قصف مطارَي حلب ودمشق الدوليين، ويجمع المحللون أن هذه الاستهدافات بمثابة تحذير للسلطة السورية من أية محاولات انخراط في الصراع أو تسهيل الطرق أمام الميليشيات الإيرانية من أجل التدخل وقصف المواقع الإسرائيلية.

بالتأكيد فإن أيّ تحرّكٍ من قِبل القوات السورية ضد إسرائيل، سيُقابَل بردّ عنيف على غرار ما فعلته إسرائيل خلال السنوات الماضية من استهدافات مركّزة للمواقع العسكرية التابعة للجيش السوري والميليشيات الإيرانية، كذلك فإن مراقبينَ رأوا أن تحرّك سوريا قد يستفزّ كذلك حلفاء إسرائيل وأبرزهم الولايات المتحدة التي قد تُعلن استهدافاتٍ مركّزة لمواقعٍ في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة