بداية من الهجوم المفاجئ الذي شنّته حركة “حماس” على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، قام الجيش الأميركي بنشر آلاف الجنود في منطقة الشرق الأوسط، ورغم ذلك، لم يتم الكشف عن مواقع تمركزهم بشكل واضح، والهدف الرئيس لهذا النشر ليس مساعدة إسرائيل في صراعها ضد “حماس”، وإنما تجنّب تصاعد التوترات في المنطقة، وفقًا لما أعلنته واشنطن.

بعد يومين من هجوم “حماس”، أكد “البيت الأبيض” عدم وجود أيّ نيّة لدى الولايات المتحدة “لنشر جنود أميركيين على الأرض” لتقديم دعم لإسرائيل في صراعها ضد الحركة، وفي تصريحاته للصحفيين في التاسع من الشهر ذاته، قال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، إنه “لا يوجد أي نيّة لنشر جنود أميركيين على الأرض”، مشيرا إلى التزام الرئيس جو بايدن بحماية والدفاع عن مصالح الأمن القومي الأميركي.

في السياق نفسه، لم تقدم واشنطن تفاصيل حول مواقع تواجد الجنود الأميركيين الذين تم نشرهم حديثًا، ولكن تقريراً نشرته صحيفة “ذا إنترسبت” ذكر أن إحدى القواعد التي استقبلت القوات الأميركية هي قاعدة “موفق السلطي” الجوية في الأردن، والتي تُعرف أيضا باسم “قاعدة الأزرق الجوية”.

قوات سرّية لمنع توسع الصراع

وفقا للتقرير، استضافت قاعدة “موفق السلطي” عدة طائرات هجومية من طراز “إف-15” خلال الشهر الماضي، وتلك الطائرات هي نفسها التي تم استخدامها في استهداف المنشآت المستخدمة من قبل الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا، وذلك في أكثر من مناسبة منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر، ردّاً على هجمات تعرضت لها القوات الأميركية على يد الجماعات المدعومة من إيران.

طائرة إسرائيلية من طراز KC-135 Stratotanker Boeing 707 تقوم بتزويد طائرة F-16C Fighting Falcon بالوقود (تصوير غالي تيبون/وكالة الصحافة الفرنسية)

بروس ريدل، الباحث البارز في معهد “بروكينغز” الأميركي، ذكر بأن هناك عدة عوامل تدفع الولايات المتحدة وإيران نحو صراع عسكري مباشر، بما في ذلك تكثيف القوات والعمليات العسكرية التي تقوم بها القوات الأميركية في سوريا كردٍّ على استفزازات وكلاء إيران، معتبرا أن الوضع خطير.

تكشف معلومات نشرتها “ذا إنترسبت” أن قاعدة “موفق السلطي” لا تزال تعمل كقاعدة عسكرية أميركية ذات مستوى منخفض في ظل التوترات المتصاعدة مع إيران، وتشير الصحيفة إلى أنها حصلت على هذه المعلومات من “سجلات حكومية بالإضافة إلى مصادر أخرى”.

وكان تقرير صادر عام 2021 عن معهد “أبحاث السياسة الخارجية” قد أشار إلى أن “المركز الرئيسي للعمليات الجوية الأميركية في سوريا يقع الآن في قاعدة موفق السلطي الجوية في الأردن، ولكن الوجود الأميركي لا يتم الاعتراف به بسبب الحساسيات المتعلقة بالدولة المستضيفة”.

هنا تبيّن الصحيفة: “لذلك، يبدو أن معرفة سبب عدم رغبة الحكومة الأميركية في الكشف عن وجودها على قاعدة موفق السلطي الجوية في الأردن، البلد الذي يستضيف أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني ويشهد احتجاجات ضد العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، ليس أمرا صعبا”.

وفي حين يتوقع العالم احتمال حدوث حرب إقليمية بين الولايات المتحدة وإيران، كشف “البنتاغون” أن القوات الأميركية في العراق وسوريا تعرضت لنحو 55 هجوما منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر، مما أسفر عن إصابة 59 شخصاً.

وخلال مؤتمر صحفي عُقد يوم الاثنين الماضي، أكد وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، على مدى عدم وضوح الرؤية حول مآلات تلك الهجمات بالنسبة للجيش الأميركي، قائلا “لقد كانت هناك تبادلات ومن الصعب التنبؤ بما سيحدث في المستقبل”.

هل هي مقدمة لتغييرات استراتيجية؟

فيما يتعلق بتوسيع الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، قال بول بيلار، زميل في معهد “كوينسي” الأميركي: “إن توسيع الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط يزيد من خطر نشوب صراع مسلح مع إيران، لأنه يعني زيادة نقاط الاتصال العدائية المحتملة بين القوات الأميركية والعناصر المسلحة المتحالفة مع إيران”. 

طائرة مقاتلة إسرائيلية من طراز F-15E Strike Eagle تطلق قنابل مضيئة خلال حفل تخرج طيارين من سلاح الجو الإسرائيلي في قاعدة حتسيريم في صحراء النقب، بالقرب من مدينة بئر السبع الجنوبية، في 29 يونيو، 2023. (تصوير جاك غويز/وكالة الصحافة الفرنسية)

وأضاف قائلاً: “كما كان الحال مع التواجد العسكري في العراق وسوريا، فإن مثل هذا الوجود لا يشكل رادعا بقدر ما يكون هدفا مناسبا لأي شخص في المنطقة يرغب في ضرب الولايات المتحدة”.

في ردّه على سؤال صحفي حول مكان تواجد القوات الأميركية، أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، بات رايدر، في تشرين الثاني/أكتوبر الماضي: “نعم، إنه موقع في الشرق الأوسط غير معلن.” ثم أضاف بسخرية: “لكنها محاولة جيدة”، في تلميح إلى إصرار الصحفي على معرفة المكان.

وفيما يتعلق بسؤال من مراسل آخر حول إمكانية وجود القوات في دول عربية أو الخليج، أجاب رايدر قائلا: “نعم، لا أستطيع ذكر مواقع محددة.” وتلفت صحيفة “ذا إنترسبت” إلى أن وزارة الدفاع لم تستجب لعدة طلبات منها للتعليق على هذا الموضوع.

إلياس يوسف، محلل في برنامج الدفاع التابع لمركز “ستيمسون”، علق على الحديث بقوله: “تحاول واشنطن توفير قدر من الإنكار في وقت أصبح فيه الارتباط مع الولايات المتحدة يُنظر إليه على أنه مسؤولية سياسية”، وكمثال عدد قليل ممن يعرفون كمية ونوعية الأسلحة التي قدمها الجيش الأميركي لإسرائيل، على عكس البيانات المفصلة حول الدعم العسكري لأوكرانيا.

على الرغم من السرية التي أحاطت بمواقع تواجد القوات الأميركية، تمكن باحثون من تحديد الموقع الجغرافي بسرعة من خلال الصور التي نشرتها وزارة الدفاع، وتُظهر هذه الصور طائرات “إف-15” وهي تهبط في ما وصفته بـ “موقع غير معلن”، وتبيّن أن هذا الموقع هو قاعدة “موفق السلطي” الجوية، وفقا لما أكدته “ذا إنترسبت”.

هناك دلائل أخرى تشير إلى وجود القوات الأميركية في قاعدة “موفق السلطي” في مختلف السجلات الفيدرالية، وتشمل إشارات إلى هذه القاعدة في ملحق اتفاقية التعاون الدفاعي التي تم توقيعها بين الولايات المتحدة والأردن في عام 2021.

يجدر بالذكر أن الوجود الأميركي في قاعدة “موفق السلطي” كان يتوسع حتى قبل بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، ففي كانون الأول/ديسمبر 2021، قامت وزارة الدفاع الأميركية بإطلاق عملية تحديث شاملة للقاعدة الجوية بهدف، ووفقاً لما ذكرته مجلة “جينز ديفنس ويكلي”، تحويلها إلى قاعدة أكثر ديمومة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة