من المعروف عن قطاع غزة أن لديها العديد من الصناعات، وحالة الحصار جعلتها تعمل على الاكتفاء الذاتي، ولكن يظل اقتصادها فقير إلى حدّ غير قليل، غير قادر بأي حال من الأحوال على تمويل الجماعات المسلحة القاطنة بغزة، وهذا يعزز احتمالية تمويلها الخارجي ليس بالمال فحسب، بل بالسلاح أيضا فليس لديها القدرة على صناعة السلاح داخل القطاع، وهذا ما جعل الولايات المتحدة وإسرائيل يعملان على تجميد العديد من الأرصدة، ومراقبة جيدة للأموال التي بحوزة التابعين لحركة “حماس”، أو حتى احتمالية التابعية لها.

​فقد وقّع وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف جالانت، في تموز/ يوليو الماضي على مذكّرات إدارية تسمح بمصادرة أموالٍ دفعتها حركة “حماس” لخمسة من كبار مسؤوليها في أوروبا، وكانت مسوغات قرار المصادرة، أنه من خلال معلوماتٍ واردة لوزارة الدفاع الإسرائيلية، فإن هذه الأموال جرى تحويلها، من أجل الترويج لنشاط الحركة في الخارج، وهؤلاء المسؤولون عملوا في إطار فرع أجنبي لـ “حماس” تحت قيادة خالد مشعل، رئيس مكتب الحركة في الخارج.

ومن الطبيعي أن تسعى “حماس” كذلك إلى فتح مجال للتمويل من الخارج، خاصة أن غزة تحت الحصار ولا تملك أي شيء يمكن أن يمدّها بالأموال والعتاد؛ لذا لجأت إلى الأموال المشفرة، وقال توم روبنسون، المشارك في تأسيس شركة “إليبتيك” للأبحاث: “إن حماس من أكثر مستخدمي العملات المشفرة نجاحا”، ففي الفترة بين كانون الأول/ ديسمبر 2021 حتى نيسان/ أبريل من عام 2023، صادرت إسرائيل نحو 190 حسابا مشفرا، قالت إنها مرتبطة بـ “حماس”.

​تنويعات مصادر التمويل والسلاح

​إن جماعة كــ”حماس” مفروضٌ عليها العديد من القيود الدولية وتفرض كل يوم قيود جديدة، تعمل بعقل المتحايل عادة على هذه القيود؛ لذا عادة ما تنوع في مصادر تمويلها وطرق دخول السلاح إليها بطرقٍ جديدةٍ، كلما فُرضت قيود جديدة. فحسب ما يشير، آري ريدبورد، المكلّف بقضايا السياسات العالمية بشركة “تي أر أم لابس TRM labs” المتخصصة في تتبع الأموال غير المشروعة في العملات المشفرة؛ فإن العملات المشفرة ما هي إلا قطعة صغيرة من أحجية التمويل لـ “حماس”.

تتنوع مصادر تمويل حركة “حماس”- “الصورة من الغوغل”

​وحسب وزارة الخارجية الأميركية: تُخَصِص إيران مئة مليون دولار سنويا لدعم الفصائل الفلسطينية، لا سيما “حماس”، وللحركة اعتماد آخر من الضرائب المفروضة على الفلسطينيين وشبكة من الجمعيات الخيرية ومغتربين مؤيدين لها يرسلون تبرعات، حسب ما صرح به آري ريدبورد، وأكّده المسؤول الأميركي السابق المتخصص في مكافحة الإرهاب، ماثيو ليفيت، بأن القسط الأكبر من ميزانية “حماس” التي تزيد عن 300 مليون دولار يأتي من الضرائب على النشاط الاقتصادي، ومن دول مثل إيران وقطر والجمعيات الخيرية. ومفهوم تنوعها في مصادر التمويل والدعم، خاصة في حالة المراقبة الشديدة وتجميد الأرصدة ومصادرتها المتجددة، فضلا عن أن “حماس” تمتلك سلسلة من الأنفاق غير معروفة، من الضروري أن لها دور في التمويل ونقل العدد والبضائع بكل تأكيد.

​وأكد الباحث في شؤون الإسلام السياسي والجماعات الجهادية أحمد زغلول شلاطة، لـ “الحل نت”، أن مصادر تمويل “حماس” متنوعة؛ فلا نغفل ما كانت تحصّله “حماس” من الأنفاق والعبور خلالها قبل عام 2010، ويعد هذا مصدرا للدخل غير قليل بكل الأحوال، فضلا عن استغلال “حماس” لرمزية القضية الفلسطينية التي تجمع من خلالها التبرعات في كل أقطار العالم بصيغ مختلفة، وأهداف مختلفة؛ كدعم أُسر الشهداء أو المعتقلين أو دعم القضية بشكلٍ عام، كما أن هناك دولاً تعمل كحواضن لها لأسبابٍ سياسية مختلفة. ومن جانب الداخل، فثمة استثمارات داخلية، من خلال تحصيل الضرائب، فـ “حماس” هي القائمة على إدارة القطاع ومن ثم فهي التي تحصّل الضرائب.

​ولا نغفل الاستثمارات الخارجية في مختلف دول العالم على غرار جماعة “الإخوان المسلمين”؛ رأس مال داخلي يتم خروجه والدخول به، أو توليده من خلال عدة مشروعات، وتخرج هذه المشروعات أموال مستمرّة لدعم مسار حركة “حماس” السياسية أو العسكرية، وفي الأعوام السابقة بمصر تم اكتشاف رجل أعمال فلسطيني يعمل على غسل أموال الحركة، وتم الاستيلاء على مبلغ يُقدّر بمليارين من الجنيهات المصرية كانوا لهذا الرجل، ورجل أعمال يمني آخر؛ ومن ثم ففكرة غسيل الأموال قائمة لمثل هذه التنظيمات، ويتم هذا من خلال فروعها الخارجية.

الدور الإيراني في التدريب والتسليح

وكشف ممثل “حماس” في إيران خالد القدومي عام 2021 في مقابلة مع موقع “المونيتور”، أن إيران تُعد أولى الدول الداعمة ماليا وتكتيكيا كذلك، فقال: “ساعدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية كثيرا في نقل المعرفة والخبرة من جهة، ونقل الصواريخ من جهة أخرى، مما ساعد حماس الاعتماد على قدراتها المحلية لإنتاج مثل هذه التكنولوجيا المتقدمة”. 

ويقول ميشيل ميلشتاين، الضابط السابق في جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية والباحث في مركز “موشيه ديان”، في مقابلة مع “DW”، إن إيران تساعد في تدريب عناصر “كتائب القسام”، الجناح العسكري لـ”حماس”، بما يشمل القناصة والأفخاخ المتفجرة والمظلّيينَ.

​وقال الأمين العام لحركة “الجهاد الإسلامي” زياد النخالة في لقاء له على قناة “الميادين”: “إن الأسلحة التقليدية تصل للحركة بشكل رئيسي عبر حزب الله وسوريا، وجميع أعضاء ما يسمّيه بمحور المقاومة، يلعبون دورا، إذ يتم التهريب برا وبحرا أو عن طريق الأنفاق”. وإذا كانت “حماس” والفصائل الفلسطينية تعمل على تعدّد مصادر التمويل، عليها كذلك أن تعدّد طرق التسليح ووصول السلاح إليها.

ما شهدناه من أسلحة لم يكن لأحد أن يتوقع أن “حماس” تملكها؛ من صواريخ بعيدة المدى قادرة على الوصول إلى تل أبيب، وقبل ذلك كانت صواريخها لا تبعد عن غلاف غزة أو حدود عسقلان، كل هذا من إيران وغير مدفوع الثمن بطبيعة الحال.

​ومن خلال تصريحٍ للواء محمد رشاد نائب رئيس المخابرات العامة المصرية الأسبق خص به “الحل نت”، فإن إيران تقدّم الأسلحة لـ “حماس” بدون أي مقابل، وفي أغلب الأحيان كانت تفكك الصواريخ في معسكرٍ بالسودان ويتم نقلها بريا ثم يتم تجميعها، والدور الإيراني في هذا الأمر كما الكتاب المفتوح واضح، فإيران تعلن كما تعلن “حماس” أن هدفها الموت لإسرائيل وأميركا. فما شهدناه من أسلحة لم يكن لأحد أن يتوقع أن “حماس” تملكها؛ من صواريخ بعيدة المدى قادرة على الوصول إلى تل أبيب، وقبل ذلك كانت صواريخها لا تبعد عن غلاف غزة أو حدود عسقلان، كل هذا من إيران وغير مدفوع الثمن بطبيعة الحال، فهو دعم للحركة من إيران لكسب وخضوع الحركة لها وضمنا لمحور ما يعرف بـ”محور المقاومة”.

​وأضاف اللواء رشاد أن عمليات التسليح يلزمها عمليات تدريب غير هيّنة على هذه الأسلحة، فضرب صاروخ وتحديد هدفه عملية احترافية لا تعرفها إلا الجيوش النظامية، لهذا تعمل إيران على تدريب هذه الفصائل، لا سيما “حماس” على الصواريخ والأسلحة التي تقدمها إليها، فإيران تُعد مصدر التمويل والتسليح الأول لـ “حماس” وغيرها من الفصائل في غزة، وتمثل حاضنة غير هيّنة لهم وتعمل على تدريبهم بجانب تمويلهم ومدّهم بالسلاح.

السابع من أكتوبر وحجم التمويلات

لا تزال إسرائيل وأميركا بعيدة عن معرفة حدود الأموال والأسلحة التي تدخل إلى غزة، لكنهما تحاولان تضييقها قدر الحاجة، ولكن المفاجأة كانت في هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، حيث أُطلق عدد كبير من الصواريخ الثقيلة التي تتعدى تكلفتها ملايين الدولارات. لكن بالنظر إلى بدائية الصناعة في غزة لا تعزز احتمالية صنعها هناك بكل الأشكال، وهذا ما جعل إسرائيل وأميركا تبحثان عن عمليات تمويل وتوريد أسلحة الحركة، و تخوضان حربا موازية للحرب الجارية على الأرض على مستوى الأرصدة المصرفية المشفرة والتمويلات.

فقد فرض مكتب المراقبة للأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية يوم الجمعة الموافق 27 تشرين الأول/ أكتوبر، الجولة الثانية من العقوبات على مسؤولين مرتبطين بـ “حماس”، وكان منهم خالد القدومي، ممثل الحركة في إيران، وعلي مرشد شيرازي، ومصطفى محمد خاني، مسؤولان في “فيلق القدس” التابع لـ “الحرس الثوري الإيراني”. وعلي أحمد فيض إلهي، قائد “لواء صابرين” للقوات الخاصة التابع للقوات البرية في “الحرس الثوري”.

رصدت إسرائيل حسابات تستخدمها “حماس” لطلب التبرعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي في “بايننس”- “الصورة من Shutterstock”

​ونتيجة لهذا حسب ما صرح به آري ريدبورد، فإن نشاط هذه الحسابات شهد انخفاضا كبيرا منذ بدء الحرب في غزة، وأرجع أسباب هذا الانخفاض إلى قسوة إسرائيل، وإجراءاتها الحاسمة حيال التبرعات والحسابات المشفرة بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ففي الحادي عشر من تشرين الأول/ أكتوبر رصدت إسرائيل حسابات تستخدمها “حماس” لطلب التبرعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي في “بايننس Binance” أكبر بورصة للعملات المشفرة في العالم وجمدتها، وفق ما أعلنته الشرطة الإسرائيلية.

​وبالسؤال عن السلاح ودخوله أجاب اللواء محمد رشاد لـ “الحل نت” قائلا: السلاح قد تم دخوله بالفعل، ولا أظن أن “حماس” قد ضربت قبل أن تملك السلاح الكافي، وفاجأتنا بتسليحها في هذه المعركة، فقبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، كانت إسرائيل قد وضعت “حماس” في طور الانتهاء، ورأت أنها استنفدت كل قواتها، ولم يعد لها قوة تُذكر، ولكنها فوجئت بخلاف ذلك، فالعكس كان صحيحا فـ “حماس” اليوم قامت بضربة لم تكن واردة في حسابات إسرائيل، أما على مستوى التمويل، فإسرائيل لا تقوم بالكثير من القيود على التمويل، بل لا تهدف إلى ذلك، فهدفها الأساسي اليوم هو القضاء على “حماس” نهائيا وليس التضييق عليها فحسب، وهذا ما تعلنه إسرائيل وتسعى إليه.

ومن جانبه نفى اللواء رشاد أي احتمالية لدخول السلاح للحركات المسلحة في غزة في هذه الفترة، وقال: الشاحنات التي يُسمح بدخولها عدد قليل ويتم تفتيشها جيدا، وإسرائيل لا تتهاون في هذا، ومن الواضح من خلال استمرار الحرب حتى الآن أن “حماس كانت تملك من الاحتياط ما يؤهّلها لذلك فتعدت الحرب مدة الشهرين، ولا زالت حماس موجودة في الميدان، وبتكتيكات الأنفاق لا يمكن أن نعرف بالضبط مدى صمودها، خاصة أنه لم يتوقّع أحد صمودها حتى الآن”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات