ثمة نوع لافت من التوترات بين وكلاء إيران وإسرائيل، خاصة جنوب لبنان، حيث تتصاعد وتيرة القصف يومياً، كماً ونوعاً، بين الطرفين، إضافة إلى الهجمات التي لا تتوقف من قبل “الحوثيين” على الملاحة الدولية في البحر الأحمر، بدعوى استهداف المصالح الإسرائيلية والأميركية، ناهيك هجمات جماعة “المقاومة الإسلامية” في العراق على القواعد الأميركية، والتي لم تتوقف منذ هجمات تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وأخيراً إطلاق عدة صواريخ من قبل جهات مجهولة، يرجح أنها لميليشيات إيرانية، باتجاه الجولان.

ولكن ما يلفت النظر ووسط الحرب المستمرة في غزة، أن جميع الميليشيات والمتحالفين مع طهران، المتمركزين في اليمن وسوريا ولبنان والعراق يهاجمون إسرائيل والمصالح الغربية في وقت واحد. ولذلك يجدر التساؤل هنا، ما فرص فتح جبهة ثانية، ما بين تل أبيب ووكلاء إيران؟

تزايد التوترات بين إسرائيل وميليشيا إيران

نحو ذلك، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، أن تزايد التوترات بين إسرائيل والجماعات المتحالفة مع إيران في سوريا والعراق واليمن، يثير مخاوف بشأن فتح جبهة ثانية.

ورغم أن المنطقة الحدودية مع جنوب لبنان تشهد توترات ومناوشات متبادلة بين إسرائيل و”حزب الله” منذ هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلا أن القادة الإسرائيليين حذروا في الأيام الأخيرة من أن “صبرهم بدأ ينفد” فيما يتعلق بالمحاولات الدبلوماسية لإنهاء الهجمات على مناطق شمال إسرائيل، حيث نزح أكثر من 230 ألف إسرائيلي من منازلهم بسبب الاشتباكات.

لبناني يتفقد منزلاً استهدفته غارة جوية إسرائيلية في بلدة كفركلا الحدودية- “إ.ب.أ”

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، إن إسرائيل مستعدة للتحرك لاستعادة الأمن على الحدود الشمالية لإسرائيل، ووافقت على خطط قتالية لتحقيق هذه الغاية، مضيفاً خلال مؤتمر صحفي، مؤخراً “وافقنا على خطط عملياتية في مواجهة استمرار الأعمال العدائية”.

وقال نتانياهو: “إذا قام حزب الله بتوسيع القتال، فسوف يتلقى الضربات التي لم يحلم بها أبدا”، مشيراً إلى أن “تهديده ينطبق أيضاً على إيران”، قبل أن يلفت إلى أن  بلاده “تظل منفتحة على حل دبلوماسي للأزمة”، وسط استمرار “حزب الله” في تنفيذ عمليات عدة ضد أهداف عسكرية إسرائيلية، واضعا ذلك في إطار دعم “المقاومة الفلسطينية”، حسبما يقول في بياناته.

ليس “حزب الله” المدعوم من طهران، ينفذ عمليات ضد إسرائيل، بل في سوريا أيضاً، حيث قتل 23 مقاتلاً موالياً لإيران، يوم السبت الفائت، نتيجة غارات جوية رجح “المرصد السوري لحقوق الإنسان” أن تكون طائرات إسرائيلية نفذتها في شرق سوريا، وقتل أربعة مقاتلين آخرين في شمال البلاد في غارة إسرائيلية. ولم تؤكد إسرائيل هذه الغارات.

كما أعلن الجيش الإسرائيلي، الأحد، أنه حدد واعترض “هدفا جوياً معادياً” قادماً من سوريا. وقال إنه اعترض أيضاً “طائرة معادية” كانت متجهة نحو أراضيه، بحسب “وكالة فرانس برس”.

هجمات “الحوثيين والمقاومة الإسلامية”

في المقابل، لا تزال هجمات “الحوثيين” بالطائرات المسيّرة والصواريخ على السفن مستمرة، بدعوى أنها “مرتبطة بإسرائيل”. وتهدد هذه الهجمات بتعطيل التجارة العالمية.

وقد قال وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس، الاثنين، إن “بريطانيا مستعدة لاتخاذ إجراءات مباشرة ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن الذين يهاجمون سفنا في البحر الأحمر”.

في الأثناء دخلت المدمرة الإيرانية “البرز” البحر الأحمر عبر مضيق باب المندب الاستراتيجي، وفق ما أعلنت وكالة “تسنيم” للأنباء. يأتي هذا على وقع ارتفاع التوتر المرتبط بالممر المائي والأهمية التي يكتسيها دولياً.

وبحسب “أ ف ب”، يتصاعد التوتر في مضيق باب المندب الذي يعتبر ممراً حيوياً للملاحة والذي شهد إطلاق مروحيات أميركية النار الأحد على زوارق تابعة للحوثيين، هاجمت سفينة حاويات جنوب البحر الأحمر.

يأتي ذلك، وسط إعلان “المقاومة الإسلامية” في العراق، اليوم الثلاثاء، تنفيذها هجوماً بالمسيّرات على قاعدة للجيش الأميركي شمال شرق سوريا، مؤكدة استمرارها للقواعد الأميركية في كل من سوريا والعراق.

وفي وقت سابق من اليوم الثلاثاء، أعلنت “المقاومة الإسلامية” الموالية لإيران، مهاجمة قاعدة أميركية في شمال شرق سوريا وأخرى في إقليم كردستان العراق.

وتشنُّ ما يعرف بـ”المقاومة الإسلامية” في العراق، هجمات على قواعد أميركية في العراق وسوريا، وتزعم أن هجماتها تأتي “دعماً للفلسطينيين في حربهم ضد الجيش الإسرائيلي”.

مراوغة إيرانية

في سياق الهجمات المستمرة التي يشنها حلفاء إيران وميليشياتها ضد إسرائيل والمصالح الغربية في الشرق الأوسط، تبدو فرص فتح “جبهة ثانية”، وتحديداً في جنوب لبنان مع إسرائيل، غير مرجحة. وإذا فتحته تل أبيب، فإن إيران عبر ميليشياتها ستخفض مستوى الرد والهجمات، حتى لا تتسع دائرة الحرب خارج حدود قطاع غزة، أي أنها ستكون “حرب مؤقتة وبسيطة”، بحسب ما يرى الباحث السياسي سامح مهدي.

مهدي أردف لموقع “الحل نت”، أنه رغم الهجمات التي يمكن وصفها بـ”الخجولة” التي يشنها حلفاء إيران ضد إسرائيل، إضافة إلى استهداف جماعة “الحوثي” و”المقاومة الإسلامية” في العراق في البحر الأحمر وسوريا والعراق، فإن كل ذلك لا يعني إنها “حرب حقيقية” ضد إسرائيل والغرب. فمثلاً ما ثمار ونتائج هذه الهجمات؟ هل أوقفوا الحرب في غزة أم حققوا شيئاً للفلسطينيين؟ بل على العكس من ذلك، يمكن اعتبارها هجمات لـ”حفظ ماء الوجه”، وقد قالتها طهران منذ اليوم الأول علناً، إنها لن تتدخل عسكرياً نيابة عن حركة “حماس”، أي أنها لن تفتح أي جبهة أخرى مع إسرائيل وخاصة في لبنان.

قال ثلاثة من قادة الميليشيات التابعة لإيران لصحيفة “واشنطن بوست” إنهم يوازنون هجماتهم بعناية لمنع اندلاع حرب أوسع، وأن طهران تفرض عليهم نوع الهجمات لتجنب مواجهة أكبر.

وأشار المحلل السياسي إلى أن طهران ترى بأن الجبهة اللبنانية يجب ألا تقع في فخ الحرب. كما ينبغي أن يظل الوضع في سوريا والعراق هادئاً، وعدم تصاعد التوترات هناك حد “المناوشات” خير دليل على ذلك.

وطبقاً لمهدي، فإنه يمكن القول إن كل هذه المراوغات من قبل وكلاء إيران هي رسائل خفية للأطراف الدولية للجلوس إلى طاولة المفاوضات حول بعض الملفات وانتظار حصتها من هذه الترتيبات الجديدة للمنطقة، إضافة إلى أنها رسالة ضغط على إسرائيل للدخول في تسوية مع “حماس” وفق شروط الأخيرة، التي تبدو شبه “مستحيلة”، وإلا فإن الحرب ستبقى مستمرة لأشهراً أخرى، وهو ما سيجعل نفوذ “حماس” عسكرياً وسياسياً يتراجع، وبالتالي استحواذ طهران على “الورقة الفلسطينية” والتفاوض عليها في المفاوضات الإقليمية والدولية.


ودعما لهذا التحليل، قال ثلاثة من قادة الميليشيات التابعة لإيران لصحيفة “واشنطن بوست” إنهم يوازنون هجماتهم بعناية لمنع اندلاع حرب أوسع، وأن طهران تفرض عليهم نوع الهجمات لتجنب مواجهة أكبر.

هجمات “الحوثيين” للملاحة الدولية، دفعت بالولايات المتحدة للرد بالقصف عليهم، وقد قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، إزاء ذلك يوم الأحد الفائت، إن الولايات المتحدة لا تسعى إلى اتساع الصراع في الشرق الأوسط، مضيفاً في مقابلة مع قناة “أيه بي سي”: “كل ما نريده أن يوقف الحوثيون هذه الهجمات وكنا واضحين بشأن ذلك مراراً وتكراراً”.

ولذلك، فإن حدوث حرب أوسع في الشرق الأوسط بين الميليشيات الإيرانية وإسرائيل والدول الغربية أمر مستبعد جداً، نظراً لأن إيران لا تملك هذه القدرة العسكرية لمواجهة الغرب من جهة. ولأن الأطراف الدولية تتجنب إدخال المنطقة في صراعات “لا نهاية لها، محصلتها صفر” بسبب طهران التي تواصل زعزعة استقرار المنطقة من أجل تحقيق أهداف تكتيكية واستراتيجية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات