يُطرح النقاش دائماً حول السلفيين وتأثيرهم على الحضور الإرهابي في المنطقة، واتضح ذلك في الحالة السورية، خاصة أن هناك اتجاهاً رسمياً وسياسياً وثقافياً يرى أن السلفيات بكامل تصنيفاتها تصبّ في نهر واحد وهو تعزيز التطرف الديني، حيث لا توجد حدود فاصلة بينهم وبين الإرهابيين الآخرين، على الأقل في القواعد الفكرية التأسيسية أو الهدف الاستراتيجي الأكبر وهو الوصول للسلطة بأي شكل من الأشكال.

ومن هنا نرى أنهم يتقاذفون الاتهامات بينهم في مدى مرجعية تنظيمات مثل “القاعدة” أو “داعش”، خاصة بين “الإخوان” والسلفيين؛ حيث يتّهم أتباع حسن البنا (مؤسس الإخوان المسلمين)، السلفيين أنهم الأب الشرعي لهذه الجماعات، في حين يتبرأ الآخرون من هذه التُّهم، مؤكدين على أن نشأة هذه الأفكار في المحاضن الإخوانية، باعتبار أن الأسس الأيديولوجية لهذا التيار نبعت من كتابات سيد قطب وغيره من المفكرينَ المحسوبينَ عليهم.

السلفيون والإخوان والدواعش لا فرق

كانت الأصولية الشديدة النابعة من التراث لدى السلفيين وجهاً كبيراً لخلاف “الإخوان المسلمين” معهم، وكان نقد السلفيينَ لممارسات “الإخوان” السياسية السبب الأقوى للخلاف، لأن الولاء الحركي الذي يصبّ عند السلفيين في مشايخ السلف، ويتجسّد عند “الإخوان” في الولاء للقيادة وسياساتها، أدى في أحيان كثيرة إلى تعارض أهداف الطرفَين ومصالحهما، فالخلاف كلّه من أجل السيطرة والمصلحة.

ومع المركزية التي جعلت لكلٍّ من السلفيين و”الإخوان” مرجعية تنظيمية تقرر أساليب وطرق العمل الدعوي بناءً على وسائل متعددة تتراوح بين القرار الفردي، كما هي الحال في الدعوة السلفية، إلى الشورى المقيّدة عند الإخوان، أصبح هناك فصام عانى منه كلا الفريقَين، فظهرت الخلافات في أداء السلفيين و”الإخوان” في مرحلة “الربيع العربي”، إلا أن ذلك لم يمنع تعاونهما أحياناً، ودعمهما للجماعات المسلحة التي يطلق عليه جهادية في أحيانٍ أخرى.

على سبيل المثال، اعتبر منظّر “الدعوة السلفية” الشيخ ياسر برهامي في كتابه “فقه الخلاف” أن منهج الجماعة الإسلامية والجهاد مشروعٌ للتغيير وأن كلا منهم على ثغر، ورأى أن الخلاف بينهم مشروع، وأن هناك مفاسد في أعمال الجهاديين إلا أن ذلك تنوّعٌ مباح، وفي المقابل عندما سُئل القائد السابق لتنظيم “القاعدة”، أيمن الظواهري، عن موقفه من السلفيين، وهل الخلاف معهم سائغ؟ أجاب في شريط صوتي بموقع “التوحيد والجهاد”: “موقفنا من الدعوة السلفية ومن أعلامها الصادقين هو الحب والتقدير والاحترام”.

وكان من الملاحظ في بداية “الثورة السورية” كيف أن الرافعة التي دفعت باتجاه ما حصل هم السلفيون و”الإخوان”، وكيف كانوا هم من يقومون بالدعوة للهجرة وحمل السلاح، وكيف كانت كل الفتاوى التي تكفّر الآخرين تصدر من دعاة سلفيين.

وخلال العامين الأخيرين أصبح دعاة “الإخوان” يعملون من خلال مؤسسات إقليمية معروفة، فيما أصبح الدعاة الحركيون السلفيون والسروريون هم من يتحركون، خاصة في الشام ودول الخليج ويدفعون في اتجاه استمرار الوضع على ما هو عليه.

ونشط السلفيون في العالم الموازي، واحتلوا الفضاء الإلكتروني، وأولوا اهتماماً بعدة دوائر، الأولى هي علاقة التيار السلفي بالمجتمع والدفع باتجاه نزوح كتلة اجتماعية عابرة للطبقات إلى المساحة السلفية فكراً وسلوكاً ومظهراً، مثل عثمان الخميس أو مصطفى العدوي، وغيرهما، ممن تمدّدوا في المجال العام من خلال منطلق رئيسي هو “تقدير المصالح والمفاسد”، والتعاطي مع السياسة والنظام الحاكم وعدم الصدام معه مطلقاً والاستفادة منه حسب الممكن والمتاح.

من المؤسسات الكبيرة التي دعمت الجماعات الإرهابية في سوريا هي (التجمّع السلفي الإسلامي)، المرتبط بجمعية إحياء التراث الإسلامي بالكويت.

ما يهمّنا هنا هي تلك الاتجاهات السلفية التي ساهمت ودفعت واستمرت حتى اللحظة في العمل الخلفي وراء التنظيمات الإرهابية في سوريا، مثل “السلفية الجهادية”، التي تقوم مقاربتها على تكفير الحكومات وتتبنى التغيير الراديكالي والمسلّح، ويمثّل خطاب هذا التيار الحاضنة الأيديولوجية لشبكة “القاعدة” و”داعش”، ويتماهى تماماً مع خطّهما السياسي والحركي، والسلفية الحركية، التي تُزاوج بين حركية “الإخوان المسلمين” من حيث العمل الحركي والسياسي والعقيدة السلفية، وبعضها يدعو لممارسة العمل السياسي والمشاركة الديمقراطية ولكنه أقرب إلى فكر سيد قطب والدعوة لتطبيق مفهوم الحاكمية؛ مثل تيار الصحوة الإسلامية في السعودية (سفر الحوالي، وسليمان العودة)، والجزء الثاني من يلتزم بالخط السلمي ويتجنب المواجهة مع النظم السياسية.

يقول الباحث المتخصص في شؤون الإسلام السياسي، والجماعات المتطرفة،  طارق أبو السعد في حديث خاص لـ “الحل نت” إن السلفية تدفع في بناء قاعدة خلفية للتيارات الأخرى، وتخلق مساحات لكي تتحرك فيها كل التنظيمات، إذ إن هناك توافق بينهم جميعاً في الهدف الاستراتيجي الأكبر وهو إسقاط السلطة، والاختلاف فقط في الوسائل.

السلفيون يدعمون الإرهاب بسوريا

إن هذه الاتجاهات أنتجت لنا ما يسمى “تيار الأمة”، الذي بدأ حينما تعاون نعيم التلاوي مع الكويتي الموجود بتركيا حاكم المطيري، وهما من وضعا قواعد أربعة ركائز أساسية للتيار هي مفهوم الأمة العابر للحدود الجغرافية، والعمل الشعبي المشترك “تأسيس الأحزاب السياسية”، ومواجهة حالة الاستبداد الداخلي، وتبني المنهج القطبي في التغيير، والتغيير العنيف للسلطة.

وقد أصبح لهذا التيار نشاط كبير في سوريا، وخلال عام 2023 زار محمود فتحي، المقيم في مدينة إسطنبول أكثر من مرة مدينة إدلب ليدعم ” هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، وبعض التنظيمات الأخرى.

ويتضمن هذا التيار ثلاث مكونات رئيسية، وهي مكتب الأمانة العامة الذي يتكون من (علي السويدي، ومنيف الطوالة، وهاشم العوضي)، ومؤسسات رأسية تتكون من (الاتحاد العالمي للمؤسسات الشرعية، والاتحاد العالمي للمؤسسات الإنسانية، ومنتدى المفكرين المسلمين)، والمؤسسات الأفقية وتتكون من (الرابطة العالمية للحقوق والحريات، ورابطة التربويين، ورابطة الإعلام، والاتحاد العالمي للدعاة، والحملة العالمية لمقاومة العدوان، والهيئة العالمية للسنة.

ومن المؤسسات الكبيرة التي دعمت الجماعات الإرهابية في سوريا هي (التجمّع السلفي الإسلامي)، المرتبط بجمعية إحياء التراث الإسلامي بالكويت، التي قدمت تمويلاً كبيراً للتنظيمات عن طريق شافي العجمي وحجاج العجمي وحامد العلي، وكلهم موجودين بتركيا، وفق “مركز كارنيغي” للدراسات.

يقول الكاتب الصحافي أحمد الخطيب في حديث خاص لـ”الحل نت”، ليس أوضح على دعم السلفية للتنظيمات الإرهابية في سوريا من تأسيس “فهد الخنة” و”محمد هايف المطيري” زعيم تجمع ثوابت الأمة، “مجلس الداعمين للثورة السورية”، وهو منبر للسلفيين الحركيين الذين يجمعون التبرعات للمقاتلين السوريين ممن يرفضون فكر تنظيم “القاعدة”، ولعبوا دوراً قيادياً في توحيد ست ميليشيات سلفية وتأسيس جيش الإسلام في ضواحي دمشق، وتبرعوا له بمبلغ 470 ألف دولار أميركي ليتمكن من بدء عملياته.

يضيف أحمد الخطيب بقوله، إنه بالتزامن مع الدعوات السلفية للقتال في سوريا ظهرت خارطة من التنظيمات المنتمية لهذا التيار في شكله العام سواء سلفية جهادية أو إصلاحية.

من خارطة التنظيمات التي أنتجتها السلفية في سوريا، “جيش البادية”، ومجموعة أخرى باسم “جيش الملاحم”، و”تنظيم حراس الدين” بقيادة أبو الهمام السوري، التابع “للقاعدة” والذي نشأ في 27 من شباط/ فبراير  2018، وأصبح له مجموعات أخرى أهمها “جيش الساحل” و”كتيبة الغرباء” و”سرية عبد الرحمن بن عوف” و”كتيبة البتار”.

مجلس الإسلام السوري- “إنترنت”

وأصبحت حركة “أحرار الشام”، هي من أهم الفصائل التي تمثل الفكر السلفي المتشدد وكان الذي يقوم بالتنسيق معها الكويتي “حاكم المطيري” والليبي ”أبو منذر الساعدي” وكلاهما يقيمان في تركيا.

وكانت هناك جماعة أخرى ترفع راية “القاعدة” وهي “أنصار الإسلام”، وهي جماعة سلفية جهادية (كردية معادية لحكومة إقليم كردستان العراق وقوات سوريا الديمقراطية “قسد”) تأسست شمال العراق مطلع الألفية الثالثة بعد اندماج عدة تنظيمات إسلامية فيما بينها (التوحيد – حماس – الإصلاح) ودخلت إلى سوريا أواخر عام 2012 وتواجدت في الساحل (جبل الأكراد) وريف حلب.

وعملت “رابطة علماء الشام” كداعمة سلفية شرعية للفصائل والتيارات على الأرض السورية، وهي مؤسسة سلفية سرورية، جاءت عقب تأسيس رابطة “أهل حوران”، المختصة في العمل الإغاثي والاجتماعي والثقافي.

وقد تم فيما بعد تأسيس “المجلس الإسلامي السوري”، الذي عقد لقاؤه التأسيسي في إسطنبول 2014، بهدف جعله المرجعية الدينية الرئيسية للفصائل والميليشيات السورية، وتألف من 128 عضواً وضم قرابة 100 رابطة وهيئة شرعية انتشرت في سوريا وخارجها، وأهمها “رابطة علماء الشام”.

وهكذا استمرت الاستراتيجية السلفية الإخوانية داخل المنطقة العربية في التعاون الخلفي مع الجماعات المسلحة الإسلاموية، والاستفادة من الحضور السياسي المسموح به بأقصى درجة ممكنة والتوغل وصناعة منطقة رمادية غير مرئية، وسيولة غير عادية بين الأجنحة المختلفة، وظهر هذا جلياً في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات