كشف مقتلُ قائدٍ كبير في “حزب الله” في غارة إسرائيلية في جنوب لبنان يوم أمس الاثنين عن مدى وشدّة الحملة الإسرائيلية ضد الجماعة المدعومة من إيران وحلفائها في المنطقة، وأثار شبح التصعيد والمواجهة على نطاق أوسع.

“حزب الله” اللبناني، أعلن عن مقتل وسام حسن الطويل، المعروف أيضاً باسم “جواد”، والذي كان قياديا في فرقة “الرضوان”، وحدة النخبة في “حزب الله” المسؤولة عن تنفيذ عمليات وهجمات خاصة ضد إسرائيل. 

يُعتبر مقتل الطويل هو الأحدث والأكثر أهمية في سلسلة الضربات الإسرائيلية التي استهدفت “حزب الله” والجماعات التابعة له في المنطقة، وخاصة في سوريا، حيث تشنّ إسرائيل موجة غير مسبوقة من الهجمات القاتلة ضد شحنات الأسلحة والبنية التحتية الإيرانية. ووفقا لستة مصادر مطّلعة تحدثت إلى “رويترز”، فإن إسرائيل غيّرت تكتيكاتها واستراتيجياتها، وتشنّ الآن ضربات جوية أكثر تكرارا وفتكا ضد عمليات نقل الأسلحة الإيرانية وأنظمة الدفاع الجوي في سوريا.

الضرب تحت الحزام

إسرائيل زادت من وتيرة وشدة ضرباتها في سوريا، من مرة أو مرتين في الشهر إلى عدة مرات في الأسبوع، وفي بعض الأحيان حتى يوميا. وبحسب الخبير العسكري، العقيد عبد الله حلاوة، فإن إسرائيل زادت من دقة وفعالية ضرباتها، باستخدام أسلحة وتكنولوجيا متقدمة، مثل الطائرات الشبح و القنابل الخارقة للتحصينات و الهجمات السيبرانية، للتّهرب من الدفاعات الجوية السورية والإيرانية والتغلب عليها، وإلحاق الضرر بأقصى قدر بالأهداف الإيرانية.

تظهر هذه الصورة التي تم التقاطها في 8 يناير 2024 لافتة تصور الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله معلقا على المبنى الذي تعرض لهجوم بطائرة بدون طيار، مما أسفر عن مقتل الرجل الثاني في حماس في معقل حزب الله حليف حماس بجنوب بيروت في 2 يناير 2024. (تصوير أنور عمرو / وكالة الصحافة الفرنسية)

بحسب حديث حلاوة لـ”الحل نت”، فإن الضربات الإسرائيلية الأخيرة في سوريا ولبنان تسببت في خسائر وانتكاسات كبيرة لخط أنابيب وشبكة الأسلحة الإيرانية في سوريا، والتي تستخدمها إيران لتزويد وتسليح وكلائها في المنطقة، مثل “حزب الله” و”حماس”. 

يوم أمس الاثنين لم يكن الطويل هو الوحيد الذي استهدفته إسرائيل، حيث قال “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، إن سكاناً في محافظة درعا جنوبي البلاد، عثروا على جثة ضابط برتبة نقيب في اللواء 112، تحمّله إسرائيل مسؤولية القصف على الجولان. 

هذا الضابط جرى إعدامه ميدانيا بعيارات نارية، وألقيت جثته في محيط مدينة نوى في الريف الغربي من محافظة درعا. ففي 25 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وجّهت إسرائيل تحذيرا عبر منشورات ورقية ألقتها طائرات إسرائيلية على القرى المحاذية جنوب القنيطرة، حمّلت قائد اللواء 112 المسؤولية عن عمليات القصف للجولان من داخل الأراضي السورية.

كما أعلن الجيش الإسرائيلي، مساء أمس الاثنين، عن اغتيال مسؤول بارز لدى حركة “حماس” في بلدة بيت جن جنوب سوريا. وقال الجيش في بيان، إنه تمت “تصفية المدعو حسن عكاشة مسؤول عمليات إطلاق القذائف الصاروخية لحماس من داخل الأراضي السورية نحو إسرائيل خلال الأسابيع الأخيرة”.

الضربات الإسرائيلية دمّرت أو ألحقت أضرارا بالعشرات من شاحنات البضائع والمستودعات والمصانع والقواعد ومستودعات الأسلحة، فضلا عن مقتل أو إصابة مئات الأشخاص المشاركين في برنامج الأسلحة الإيراني، بمن فيهم ضباط ومستشارون وخبراء ومسؤولون إيرانيون

الخبير العسكري، العقيد عبد الله حلاوة

هذه الضربات عطّلت أيضاً وردعت المخططات والأطماع الإيرانية في المنطقة، وتحدت وهددت الوجود والنفوذ الإيراني في سوريا وخارجها. ووفقا للخبير العسكري، فإن الضربات الإسرائيلية بعثت أيضا برسالة واضحة وقوية إلى إيران وحلفائها، مفادها أن إسرائيل لن تتسامح أو تقبل أي تهديد أو عدوان إيراني ضد أمنها ومصالحها، وأن إسرائيل ستتصرف بكل تصميم وقوة للدفاع عن نفسها ومنع إيران من إنشاء موطئ قدم وممر لها في المنطقة.

ردا على الرسالة الإيرانية

ربط العديد من الخبراء الخسائر التي تلقتها إيران ووكلائها في المنطقة منذ بداية كانون الأول/ديسمبر الفائت، بأنه ردٌّ على رفض طهران لفحوى رسالة الولايات المتحدة حول حلّ الأزمة الإقليمية.

القيادي وسام حسن طويل الملقب بـ”جواد” برفقة قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني الذي قتل بغارة أميركية في عام 2020 – إنترنت

حيث يأتي الكشف عن الرسالة من قبل طهران، في الوقت الذي تكثّف فيه إسرائيل هجماتها على العمليات المرتبطة بإيران في سوريا، بما في ذلك قتل قائد كبير في “فيلق القدس” وإخراج شحنات الأسلحة. واغتيال كبار قادة “حزب الله” في لبنان، بعد أيام قليلة من تصفية نائب الزعيم السياسي لحركة “حماس” في بيروت.

سفير إيران لدى سوريا، حسين أكبري، في مقابلة مع صحيفة “العهد” اللبنانية، ذكر أنه منذ عشرة أيام تقريباً، زار وفدٌ من دولة عربية خليجية طهران، حاملاً رسالة من الأميركيين، طالبوا فيها بحل الأزمة في المنطقة بأكملها.

السفير الإيراني قال: إن “ردّنا على العرض الأميركي كان أن لحلفاء طهران حق تقرير مصيرهم ومصير شعوبهم، وقد أكدنا أن قرار حلفائنا السياسي مستقل ولا نقرر بدلا عنهم”.

بعد إعلان السفير الإيراني عن هذه المذكرة، تلقى “حزب الله” أقوى ضربة له منذ اندلاع أحداث غزة، إذ إنه في بيان نعي الطويل استخدم “حزب الله”، للمرة الأولى منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، صفة “قائد” عند نعي أحد عناصره. ويُعد طويل القيادي العسكري الأعلى رتبة في “حزب الله” الذي يُقتل بنيران إسرائيلية منذ بدء التصعيد عند الحدود مع إسرائيل.

كان الطويل أحد أبرز قادة “حزب الله” وأكثرهم خبرة، وكان له دور رئيسي في إدارة وتوجيه أنشطة الجماعة وعملياتها في جنوب لبنان، حيث يحتفظ “حزب الله” بوجود كبير وترسانة من الصواريخ والقذائف. وشارك الطويل أيضاً في التدريب والإشراف على مقاتلي “حزب الله” وحلفائه في سوريا والعراق واليمن، حيث كانت الجماعة تدعم وتقاتل إلى جانب القوات والميليشيات المدعومة من إيران.

رواد مواقع التواصل الاجتماعي تداولوا صورة لوسام الطويل، أبرز قادة كتيبة “الرضوان” التابعة لـ”حزب الله”، رفقة قاسم سليماني قائد “الحرس الثوري” الإيراني السابق الذي اغتالته مسيّرة أميركية في بغداد، كما تداولوا صورا له مع حسن نصرالله أمين عام “حزب الله” وقيادات الحزب البارزين.

“حزب الله” فَقَد أكثر من 153 مقاتلاً في الضربات الإسرائيلية على جنوب لبنان منذ بدء القصف عبر الحدود في أعقاب هجوم “حماس” على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر.

إسرائيل أصبحت أكثر فتكاً

وفقا لما نقلته وكالة “رويترز” عن ضابط في المخابرات العسكرية السورية وقائد في التحالف الإقليمي الذي يدعم دمشق، فإن إسرائيل غيرت استراتيجياتها في أعقاب 7 تشرين الأول/ أكتوبر، فعلى الرغم من أن إسرائيل ضربت أهدافا مرتبطة بإيران في سوريا لسنوات، بما في ذلك المناطق التي ينشط فيها “حزب الله” اللبناني، إلا أنها تشنّ الآن غارات جوية أكثر فتكا ومتكررة ضد عمليات نقل الأسلحة الإيرانية وأنظمة الدفاع الجوي في سوريا.

أكبر ضربة مفاجئة لـحزب الله إسرائيل أصبحت أكثر فتكا؟ (4)
جنود احتياطيون مقاتلون إسرائيليون من لواء الإسكندروني يركضون خلال تمرين تدريبي يحاكي سيناريوهات العمليات على الجبهة اللبنانية إلى جانب دبابات الفيلق المدرع في 4 يناير 2024 في مرتفعات الجولان. (تصوير أمير ليفي / غيتي)

وقال القائد في التحالف الإقليمي و مصدران آخران مطّلعان على سياسية “حزب الله” إن إسرائيل تخلت عن “قواعد اللعبة” غير المعلنة التي ميّزت في السابق ضرباتها في سوريا، ويبدو أنها “لم تعد حذرة” بشأن إلحاق خسائر فادحة بالحزب هناك.

وقال القائد: “لقد اعتادوا إطلاق طلقات تحذيرية – كانوا يضربون بالقرب من الشاحنة، ويخرج رجالنا من الشاحنة، ثم يضربون الشاحنة”، واصفاً الغارات الإسرائيلية على عمليات نقل الأسلحة التي كان “حزب الله” يتعامل معها قبل عملية “طوفان الأقصى”.

ويضيف القائد، “الآن انتهى ذلك، إسرائيل تشنّ الآن غارات جوية أكثر فتكاً وأكثر تكراراً ضد عمليات نقل الأسلحة الإيرانية وأنظمة الدفاع الجوي في سوريا. إنهم يقصفون الجميع بشكل مباشر. إنهم يقصفون من أجل القتل”.

ضابط المخابرات السوري كشف أن الضربات الإسرائيلية الأخيرة أصابت معدات دفاعية حتى قبل أن تتمكن القوات من تركيبها. كما أن المطارات في العاصمة السورية دمشق وشمال حلب، والتي تستخدمها إيران لنقل الأسلحة، أصبحت خارج الخدمة بشكل شبه مستمر بسبب الضربات.

ضابط المخابرات السوري، ترجم القصف الإسرائيلي على المطارات السورية بأنها رسالة إلى الرئيس السوري، بشار الأسد، وتقول: “أنتم تسمحون للإيرانيين وحزب الله بنقل الأسلحة وترسيخ أنفسهم، لذلك سنعطل شريان حياتكم وستجدون أنفسكم في مأزق”.

وكالة رويترز

الأسد نفسه طبقا للوكالة البريطانية، لم يشجع على اتخاذ أي إجراء لدعم “حماس” بعد أن تلقّى تهديداتٍ من إسرائيل. فيما قال ضابط المخابرات السورية: “لا نريد أن نضع أنفسنا في حالة مواجهة أو حرب مفتوحة مع إسرائيل”.

لقد أظهر مقتل الطويل والضربات الإسرائيلية في سوريا مستوى وحجم الضربة الإسرائيلية المفاجئة للرئيس السوري و”حزب الله” وحلفائه، كما شكّلت مستوى جديداً من الضربات القاتلة التي أصبحت إسرائيل قادرة وراغبة في تنفيذها ضد القوات الإيرانية والمجموعات المدعومة والتابعة لها في المنطقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات