مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي الذي طال انتظاره في باكستان، منذ الإطاحة بحكومة عمران خان، في نيسان/ أبريل 2022، تُواصل “الجماعة الإسلامية”، الذراع السياسية لـ “الإخوان المسلمين”، استعدادها لمعركة الثامن من شباط/ فبراير القادم، وسط صراعٍ سياسي محتدم، وتصعيدٍ غير مسبوق في الخطاب السياسي.

الجماعة الإسلامية قالت في بيانٍ لها، إن يوم الثامن من شباط/ فبراير هو يوم الأمة؛ لتصحيح أخطائها، ودعت الجماهير إلى انتخاب الجماعة الإسلامية؛ من أجل إنقاذ البلاد. وزعمت أنها وحدها تملك القدرة اللازمة؛ لأخذ البلاد على طريق التنمية والتطور.

الجماعة الإسلامية هاجمتْ الأحزاب الرئيسية وهي: حزب الرابطة الإسلامية-نواز، وحزب الشعب الباكستاني، وحركة الإنصاف، واتّهمتها بالحُكم على طريقة عصابات المافيا، كما اتّهمت الحكومة الحالية والحكومات السابقة بالعمالة للولايات المتحدة، والعمل على تدمير اقتصاد البلاد؛ عبر الخضوع لإملاءات “صندوق النقد الدولي”. وقالت إن الأمة مطالبة بتغيير خياراتها القديمة، وأن نجاح “الجماعة الإسلامية” هو نجاح المواطن العادي بالمعنى الحقيقي للكلمة.

الجماعة الإسلامية و”عباءة المحرّر”

كعادته، واصل سراج الحق، أمير “الجماعة الإسلامية”، خطابه الشعبوي، مرتدياً عباءة المحرّر، زاعماً في كلمة ألقاها أمام حشدٍ للجماعة الإسلامية في منطقة الدير السفلى، أنه في حال تكليفه بتشكيل الحكومة، فسوف يحرّر فلسطين وكشمير، ويجبر الولايات المتحدة على الإفراج عن عافية صديقي!

وعافية صديقي، هي امرأة باكستانية، ملقّبة بسيدة تنظيم “القاعدة”. وهي مسجونة في الولايات المتحدة منذ عام 2008 وحُكم عليها بالسجن 86 عاماً بتهمة محاولة القتل ضد جنودٍ أميركيين في أفغانستان. وكان تنظيم “داعش” الإرهابي قد أعلن في وقتٍ سابق عن نيّته تسليم عافية مقابل تسليم الصحفي جيمس فولي الذي قُتل في آب/ أغسطس 2014.

كعادته، واصل سراج الحق، أمير “الجماعة الإسلامية”، خطابه الشعبوي، مرتدياً عباءة المحرّر- “الصورة من الإنترنت”

سراج الحق في مناورته المكشوفة، حاول أن يمارس نوعاً من الضغط على المؤسسة العسكرية الباكستانية، بوصفها تمثّل البنية التحتية الوازنة للنظام السياسي في البلاد؛ واضعاً إيّاها أمام التزامها التاريخي نحو كشمير، وما يصفه بالتخاذل فيما يتعلق بالمواطنة الباكستانية المعتقلة في السجون الأميركية، عافية صديقي، أضف إلى ذلك البُعد الحيوي الذي ضخّه سراج الحق، في مسارات الدعم الشعبي لجماعته، ألا وهو توظيف القضية الفلسطينية، ووضعها ضمن لائحته الانتخابية، منذ سارع إلى الشرق الأوسط، والتقى بإسماعيل هنية في قطر، عقِب انفجار الصراع في قطاع غزة.

وكان أمير “الجماعة الإسلامية”، قد هاجم المؤسسة العسكرية، في حديث متلفز، يوم 22 كانون الثاني/ يناير الجاري، زاعماً أن المؤسسة العسكرية تحابي حزب الرابطة الإسلامية – نواز. وتابع: “هناك مؤامرةٌ تُحاك خلف الأبواب المغلقة، وحزب الرابطة الإسلامية اعتاد ذلك”. كما طالب الجيش بالحياد بين الفرقاء، وهدّد بالتصعيد في حال تمّ تأجيل الانتخابات، مطالباً الشعب بالتّحرك، لإجهاض أي مسعى لذلك. مضيفاً: ” إذا تمّ تأجيل الانتخابات لأي سبب من الأسباب، فلن يتمّ إجراءُ أي انتخابات لمدة 10 سنوات”.

سراج الحق، طالب الشعب برفض الأحزاب الثلاثة الحاكمة، وقال إن بيلاوال بوتو، يريد أن يصبح رئيسا للوزراء؛ لأن والدته وجدّه أيضاً كانوا في نفس المنصب. وقال إن “المطالبينَ بالخبز والقماش والسكن، عليهم انتخاب الجماعة الإسلامية؛ لتصبح باكستان نمراً آسيوياً هو الأقوى”. كما داعب أمنيات الطبقة المحافظة، قائلاً إنه سوف يُلغي نظام التعليم المختلط، ويفصل الرجال عن النساء في أماكن العمل، ويُلغي الفائدة الربوية من البنوك، ويطبّق الشريعة الإسلامية في البلاد.

وقال أمير “الجماعة الإسلامية” إن النّخبة الحاكمة تغضّ الطرف عن “المجزرة الصهيونية في فلسطين”، واتّهم الحكومة بعقد صفقة مشبوهة مع الهند، تتضمن التفريط في كشمير وخيانة شعبها، مطالباً بتحويل الانتخابات المقبِلة إلى انتفاضة شعبية من أجل الحرية.

شعارات اليسار على مذبح “الإخوان”

اعتاد أمير “الجماعة الإسلامية” رفع شعارات اليسار، والمطالبة بحقوق العمال، عبر خطاب تعبوي تشي مفرداته بتناقضات “الإخوان” الحادة، بين ما هو مُعلن، وما هو قائم بالفعل؛ ذلك أن البُنى الاقتصادية ذات البُعد اليميني التي تنتهجها الجماعة في كل أنشطتها التجارية؛ تتباين بشكل حاد مع التصريحات التي أدلى بها سراج الحق، يوم 25 كانون الثاني/ يناير الجاري، أمام حشدٍ من أنصاره في حيدر أباد، حيث قال إن سياسات الحكومة أدّت إلى انتشار البطالة، وإغلاق المصانع، قائلاً إن العمال لا يحصلون على حقوقهم من فائض القيمة، بفعل سياسات الرأسمالية الحاكمة، وهاجم رجال الأعمال بشدّة، ووصفهم بمصاصي الدماء.

وأضاف سراج الحق، “هناك حوالي 30 مليون طفل خارج منظومة التعليم، وعلى الرغم من وجود أراضٍ زراعية، فالفلاح ينام جائعاً، والشعب يزداد فقراً، على الرغم من وجود احتياطيات هائلة من الذهب”. وزعم أنه سوف ينفق أموال البروتوكول على الأيتام والأرامل، ويؤسس نظاماً للتشغيل، كما أنّه سيحرص على جعل باكستان خالية من الديون.

وفي اليوم التالي، 26 كانون الثاني/ يناير الجاري، اتّجه سراج الحق إلى الجهة المقابلة، حيث التقى مجموعة من رجال الأعمال، في كراتشي، وحثّهم على المُضي قُدماً في مشروعاتهم، مثمّناً دورهم الوطني. ووعدهم بجملة من الامتيازات الضريبية، في حال قيامه بتشكيل الحكومة القادمة، داعياً إيّاهم إلى استغلال الموارد. مضيفاً: “لا يوجد نقص في الموارد في باكستان، وإنّما هناك سوء استغلال لها”.

وعرض سراج الحق، عليهم تجربته، عندما كان مسؤولاً عن الشؤون المالية في مقاطعة خیبر بختونخوا (KPK) لمرتين، وكيف أنه نجح في تخليصها من الديون، ومرّر تسهيلات كبيرة لرجال الأعمال.

سراج الحق، قال إن “الجماعة الإسلامية” لديها نحو (1200) خبيراً في مجالات: الزراعة، والتنمية الصناعية، والتعليم، والصحة، هم على أتمّ استعداد للتعاون مع رجال الأعمال، وتقديم الدعم الفني لأعمالهم التجارية.

إثارة النعرات الإثنية

تقوم استراتيجية “الجماعة الإسلامية”، على إثارة البُعد الإثني، من أجل الحصول على دعم الجماعات المحلية المهمّشة، وتأكيد مظلوميتها بهدف كسب تأييدها في الصناديق الانتخابية. وفي هذا السياق، غازل أمير “الجماعة الإسلامية” أهالي بلوشستان، والتي وصلها ضمن قافلته الانتخابية، قائلاً في خطابٍ ألقاه أمام حشٍد في جعفر آباد، إن الثامن من فبراير سيكون يوم سقوط الإقطاعيينَ، الذين استعبدوا أهالي بلوشستان، بحسب تعبيره.

سراج الحق تجاهل الضربة الإيرانية للإقليم، وهو ما يعلّق عليه مصدر سياسي عراقي خاص لـ”الحل نت”، مؤكداً وجود معلومات تفيد بتلقي “الجماعة الإسلامية” دعماً مالياً من إيران.

سراج الحق قال أيضاً، إن الإقطاع هو العدو الحقيقي للشعب. مضيفاً: “عامة البلوش والبشتون محرومون من عيش حياة كريمة، واليوم شباب بلوشستان عاطلٌ عن العمل، وهناك تفرقة عرقية في منح الوظائف”. وتابع: الحُكّام الطغاة في إسلام آباد، مسؤولون عن الحرمان الذي تعانيه بلوشستان”. وزعم أن نسبة الفساد في مشاريع التنمية بالإقليم وصلت إلى 65 بالمئة.

أمير “الجماعة الإسلامية” تجاهل الضربة الإيرانية للإقليم، وهو ما يعلّق عليه مصدر سياسي عراقي خاص، مؤكداً وجود معلومات تؤكد تلقي “الجماعة الإسلامية” دعماً مالياً من إيران، وأن هناك توجيهاتٍ صدرت للشيعة في باكستان بدعم مرشّحي “الجماعة الإسلامية” في الانتخابات العامة المقبلة.

المصدر لفت لـ”الحل نت”، إلى أن سراج الحق حاول امتصاص غضب البشتون، بعد الضربة الإيرانية الأخيرة لبلوشستان، فوزّع وعوداً انتخابية غير واقعية، وفي الجهة المقابلة، وعد طهران بالقضاء على الجماعات المعارضة لها في بلوشستان، حال وصوله إلى الحكم.

وبالفعل، لم ينسَ سراج الحق توزيع وعوده الانتخابية البرّاقة، زاعماً أن جماعته “الإخوانية” لديها برنامج لتطوير الإقليم، والقضاء على البطالة فيه، وإنشاء مراكز الرعاية الصحية، وتحقيق العدالة بين جميع أبناء الشعب، وإنصاف البشتون، بعد عقودٍ من المعاناة مع الحكومات العنصرية.

والبشتون هم مجموعةٌ عرقيةٌ من جذور أفغانية، يقطنون الشمال الغربي من باكستان، في المنطقة الواقعة إلى الشمال من نهر إيندوس. ويطالب القوميون البلوش بالحكم الذاتي، ويهاجم المطالبون بالاستقلال حكومات باكستان وإيران في منطقة بلوشستان، وهي منطقة غنية بالموارد الطبيعية ومع ذلك هي الأقل نموّاً في باكستان.

انتهازية مطلقة وتواطؤ مع الراسبين في كراتشي

حافظ نعيم الرحمن، أمير الجماعة في كراتشي والذي يُعتبر الرجل الثاني بعد سراج الحق في “الجماعة الإسلامية”، أعلن بكراتشي في أبرز معاقلها الانتخابية، أن “الجماعة الإسلامية استعدت جيداً للاستحقاق الانتخابي”، وزعم أن الذين حكموا الولاية خلال العقود الفائتة، دمّروها تماماً، وأن الأمل الأخير هو انتخاب تنظيمه الإسلاموي.

انتخابات سابقة في باكستان- “أ ف ب”

أمير الظل كما يُطلق عليه، قال إن “الجماعة الإسلامية” سوف تُلغي التعليم الخاص، وسيتم تحويل المدارس الحكومية إلى مدارس نموذجية بالمجّان، وتقديم خدمات دراسية قائمة على تكنولوجيا المعلومات للشباب على جميع المستويات. ووعد بتحويل الجامعات في ولاية كراتشي إلى صروحٍ علميةٍ عالمية، تباهي مستوى جامعة كاليفورنيا في الولايات المتحدة!

وكعادته، شنّ حافظ نعيم الرحمن هجوماً على شركة الكهرباء، (K-Electric)، وأعلن أنه سوف يتوجّه إلى المحكمة، اعتراضاً على منح ترخيصٍ آخرٍ للشركة لمدة 20 عاماً، واتّهمها بنهب أموال الشعب، وسرقة المشتركينَ.

أمير الجماعة في كراتشي، قال إنه بمجرد حصول “الجماعة الإسلامية” على التفويض الشعبي، في الانتخابات المقبِلة، فإنّها سوف تقول كلمتها، وتطيح بالفاسدينَ. مضيفاً: “الجماعة الإسلامية لا تنحني لأحد”. وتابع: “الجماعة ستظهر كأكبر حزب في الانتخابات، وسوف تكتسح جميع المنافسينَ؛ فالشعب لم يعد لديه خيار سوى انتخاب الجماعة الإسلامية”.

وفي تحرّك سياسي أثار الاستهجان والريبة، نظّمت “الجماعة الإسلامية” اعتصاماً أمام مجلس التعليم الثانوي العالي في كراتشي، احتجاجاً على نتيجة السنة الأولى، وحرّضت الطلاب الراسبينَ وأولياء أمورهم على التظاهر، وحشدتهم في مشهد هزيل، يعكس مستويات غير مسبوقة من الانتهازية السياسية.

وبالفعل شارك في الاعتصام عددٌ كبيرٌ من الطلاب وأولياء الأمور، كما شارك في الاعتصام أمير “الجماعة الإسلامية” في كراتشي حافظ نعيم الرحمن، والذي ألقى كلمة تحريضية أمام المحتجّينَ، قال فيها: “لن أسمح بإساءة معاملة هؤلاء الصغار، أيها الإقطاعيون، اسمعوا، لقد بدأت حربنا، ولن نسمح باضطهاد هؤلاء الطلاب”.

كانت مديرية التعليم قد قررت التصدي لحالات الغش الجماعي المتفشية في الولاية، وأحكمت للمرة الأولى منذ فترة طويلة، وبشكل مفاجئ، قبضتها على مراقبة الامتحانات، ممّا أدى إلى رسوب أكثر من 44 ألف طالب في السنة الأولى، وبلغت نسبة الطلاب الراسبين في جميع أقسام السنة الأولى نحو 66 بالمئة من مجموع الطلاب.

من جهته، قال حاكم السند كامران تيسوري، إن 66 بالمئة من طلاب كراتشي فشلوا، بعد أن تمّ منع الغش الجماعي في الامتحانات بشكل قاطع، الأمر الذي يضع علامة استفهام على النظام التعليمي في إقليم السند، بحسب تعبيره. وأضاف أن حكومة الإقليم مطالبة بإصلاح المؤسسة التعليمية.

من ناحية أخرى، رفض رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال في السند، مقبول باقر، ما تقوم به “الجماعة الإسلامية” من تدليس، وقال إن فشل الطلاب لابد أن يدفع تجاه إصلاح الخلل، لا إلى الاحتجاج على النتائج.

في العموم، وبتحليل الخطاب السياسي لسراج الحق، وكذا نائبه حافظ نعيم الرحمن، نجد أن سراج الحق يستخدم لهجة حادة جداً، لوصف الأحزاب التي حكمت البلاد وتداولت السلطة فيما بينها على مدار تاريخ باكستان، منذ الاستقلال وحتى اليوم، حيث يصف النخبة الحاكمة بالمافيا، ويتهمها بالعمالة للولايات المتحدة، إذ قال أمام مؤتمر الانتخابات في مركز سوكور، يوم 28 تشرين الأول/ نوفمبر الفائت إن “فوز الأحزاب القديمة في انتخابات 8 شباط/ فبراير، سيكون بمثابة هزيمة لباكستان؛ ما يعني إعادة فرض الإقطاعيين والرأسماليين، الذين تمّ جلبهم من الخارج، وهي نفس المجموعات التي كانت تعتصر دماء الشعب منذ عقود”.

أمير الجماعة في كراتشي، قال إنه بمجرد حصول “الجماعة الإسلامية” على التفويض الشعبي بالانتخابات، فإنّها سوف تطيح بالفاسدينَ- “الصورة من الإنترنت”

ولذلك، هو يطالب اليوم الباكستانيين الناخبين بــ” دفن سياسات المافيا في الانتخابات الوطنية المقبلة”. خاصة عندما قال في أحد خطاباته الرنانة: “عندما يكون الرئيس، ورئيس الوزراء، والسكرتير الأول، والمدير العام لصوصاً، فلماذا لا يكون حارس السوق لصاً؟ إذا كان الكبار على حق، فإن الصدق سيكون شائعاً في المجتمع، والعكس”. كما قال إن “تسريبات بنما فضحت الجميع”.

يعرف سراج الحق جيداً، الوضع الاقتصادي العصيب في باكستان، ولاسيما بعد الحرب الأوكرانية وقبلها جائحة “كوفيد-19″، لذا فإنه ضغط عبر الاقتصاد على الفئات المهمّشة والفقيرة مثل العمال والطلبة؛ لحشد تأييد واسع له ولجماعته “الإخوانية”، فمعظم القوافل الانتخابية التي تنظمها، تنطلق من مناطق عمالية، وترفع الجماعة دائماً ورقة حقوق العمال المهدرة، لتطلق الوعود هنا وهناك، من أجل الحصول على أصواتهم. لكن صناديق الاقتراع في الثامن من شباط/ فبراير المقبل تظلّ هي النقطة الحاسمة فيما إذا كانت جماعة “الإخوان” ستهيمن على باكستان أم ماذا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 2 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات