“الحد الأدنى من التفاهمات”: ما ينبغي معرفته عن مسار العلاقة بين القاهرة وطهران و”الخطوط الحمراء” للأمن القومي المصري

ثمة مؤشرات وعدة تقارير تؤطّر ملامح ومقاربات تصيغ سيناريوهات عودة العلاقات بين مصر وإيران، وذات المؤشرات تذهب نحو تحرّك كلّ من القاهرة وطهران إلى ذلك على خلفية عدة تطورات في مشهد الشرق الأوسط، خاصة على مستوى الصراع في غزة والذي يمتد منذ السابع من شهر تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي، بينما تتصاعد تبعاته عبر ساحات جديدة من خلال وكلاء إيران، أبرزها ما يرتبط بالبحر الأحمر وباب المندب وثقل تلك التداعيات على الأمن القومي المصري.

من جهة أخرى يبدو الطرفان وهما يسعيان نحو صياغة مسار جديد يخترق السكون الذي غلّف العلاقات الدبلوماسية بينهما، والتي عُرفت الجمود والتوتر طيلة عقودٍ مضت قد تأثرت بتلك الخطوة التي خطّت استئناف العلاقات بين السعودية وإيران في شهر آذار/مارس من العام الماضي.

ومع اتخاذ القاهرة موقفا حذرا في إعادة العلاقات مع إيران لأسباب عديدة، يبدو أن طهران الآن وكأنها تريد الضغط على مصر لدخول مفاوضات معها، مستخدمةً عدة أوراق ضغط، منها التحكم بحركة “حماس” في غزة وعرقلة مبادرات مصر والأردن لوقف الحرب، ودعم “الحوثيين” في اليمن، الذين يهددون تجارة البحر الأحمر، فضلا عن إعادة العلاقات مع رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، وتقديم الدعم العسكري له، مع إمكانية إنشاء قواعد وميليشيات إيرانية في السودان، وهذه التحرّكات الإيرانية تشكّل تهديدا مباشرا للأمن القومي المصري.

لقاءات فاترة

هناك عدة لقاءات غير منتظمة وجولات عبر توقيتات غير محددة، جمعت بين القاهرة وطهران خلال الأعوام الأخيرة، وبحسب بعض التقارير الإخبارية فقد زار وفد استخباراتي إيراني القاهرة في شهر تموز/يوليو من العام 2021 ودخل في مباحثات مع نظرائه المصريين بجهاز المخابرات العامة.

بعد الأردن مصر في رادارات إيران وغزة البوابة (1)
صورة أرشيفية للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي (يسار) أثناء لقائه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال الاجتماع الطارئ لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي في الرياض في نوفمبر الماضي (AFP)

كان الهدف الرئيس من هذه المحادثات استكشاف إمكانيات تحسين العلاقات الثنائية ووضع استراتيجيات تهدف إلى منع أي سوء تفاهم أو اشتباكات محتملة تتعلق بالقضايا الإقليمية. 

مضت تلك اللقاءات على هامش عدّة مناسبات وزيارات خارجية إذ عُقد اجتماع أمني خلال زيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى عمان في شهر حزيران/يونيو من العام 2022، حيث اجتمع مسؤولون مصريون وإيرانيون على هامش الزيارة.

وتبِع هذا الاجتماع اجتماعٌ آخر غير معلن عنه بالقاهرة في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2022، شارك فيه مدير المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل، وعلي سلاجقة، نائب الرئيس الإيراني الذي شارك في قمة المناخ “سي أو بي 27” (COP27)، والتي عُقدت بشرم الشيخ في نهام العام ذاته والتقى وزير الخارجية المصري، سامح شكري.

فضلا عن الاتصال الأخير الذي تلقاّه الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، من نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي خلال نهاية العام الماضي لتهنئته بفوزه بالانتخابات الرئاسية. ووفق المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية فـ”الرئيسَين بحثا خلال الاتصال تطورات الأوضاع في غزة ومتابعة النقاش حول القضايا العالقة بين البلدين”.

وقبل أيام قليلة تلقّى سامح شكري، وزير الخارجية المصري، اتصالاً هاتفيا من حسين أمير عبد اللهيان وزير خارجية إيران، وتم مناقشة تطورات الوضع في غزة والتداعيات الخاصة بذلك، وذلك بحسب السفير أحمد أبوزيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية.

خطوط حمراء لمصر

لا ريب أن انخراط طهران المباشر في عديدٍ من قضايا المنطقة وحضورها الميداني في بؤر جغرافية ساخنة، تتاخم عمق الأمن القومي المصري، يدفع القاهرة نحو بحث شكل العلاقات مع طهران وتقييم تجربة الاتصال المباشر وغير المباشر خلال الفترات الماضية. 

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني (يسار) ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان (أعلى) ينظران إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (وسط) يصافح شخصية أخرى (خليل مزرعاوي/وكالة الصحافة الفرنسية)

أيضا مدى الاحتياج لتطوير ذلك مع تصاعد حدّة التوتر في الشرق الأوسط على خلفية الحرب في غزة، وهجمات وكلاء إيران في المنطقة عبر تلك العلاقات التي تجمع إيران مع العديد من فصائل “المقاومة” الفلسطينية سيما “حماس” و”الجهاد الإسلامي”. 

ومن جانبها تحرص القاهرة على الحفاظ على الاستقرار في القطاع والوصول لصيغة آمنة تسمح بهدنة طويلة تمضي نحو التنفيذ، فضلاً عن تحرّكات القاهرة صوب عتبة التوافق الفلسطيني ومستقبل قطاع غزة وشكل وملامح السلطة التنفيذية هناك.

في هذا السياق يضع مساعد وزير الخارجية المصري السابق، علاء الحديدي، عدداً من المحددات التي ينبغي من خلالها فهم مسارات العلاقة بين مصر وإيران بشكل عام، وخلال الأحداث الأخيرة وتطوراتها وتداعياتها المباشرة على الأمن القومي المصري.

يشير الدبلوماسي المصري في إطار تصريحاته لـ”الحل نت”، إلى أن إيران “أحد اللاعبين الرئيسيين في المنطقة وبالتالي لا يمكن تجاهلها سيما مع تطورات الأحداث بشكل متصاعد، ومن ناحية أخرى ما اتصل بمسار عودة العلاقات السعودية الإيرانية، بصرف النظر عن نوايا كل طرف تجاه الطرف الآخر”.
يتابع السفير الحديدي بقوله: إن “قرار عودة العلاقات بين السعودية وإيران قد يمهّد مسارا لفتح قنوات اتصال مباشر مع طهران”.

تبدو أهمية وضرورة فتح قنوات اتصال مع طهران، للاستماع لوجهة نظرهم، وأيضا للاستماع إلى وجهة نظر الطرف المصري إزاء ما يحدث في المنطقة. وبالتالي تبادل الآراء ومن الممكن إلى حدّ ما نقل المعلومات من دون التنسيق الكامل، الذي ينبغي أن يرتبط أيضا بتطوّر جديد بحسب تقدير القاهرة.

وعلى الأقل يكون الحوار فيما بين القاهرة وطهران على خلفية أن الأحداث الحالية تفرض هذا الحوار، وذلك نتيجة الاشتعال أكثر من ملف وبعضها يخصّ الأمن القومي المصري بشكل مباشر، خاصة ما يتصل بالوضع الخطر في باب المندب، فضلاً عن خطورة الوضع الميداني في غزة، مما وضع أثراً مباشراً على الأمن القومي المصري.

موقف القاهرة موحّد

تطور الأحداث من جانب القاهرة وفقا للدبلوماسي المصري، يعني البحث عن “صيغة تؤدي إلى الحد الأدنى من التفاهمات” حول بعض القضايا التي تشغل بال الدولة المصرية، خاصة ما يتصل بالوضع في غزة وسوريا وكذا تعقد الوضع على باب المندب.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستمع إلى وزير الخارجية سامح شكري في قمة القادة الأميركيين الأفريقيين في واشنطن، 15 ديسمبر 2022 (صورة AP لسوزان والش).

بيد أن هناك حتمية تفترضها القاهرة متواجدة لدى لقيادة السياسية والعسكرية في طهران، متمثلة بالانتباه للخطوط الحمراء الخاصة بالأمن القومي المصري، بحيث تبقى واضحة للطرف الإيراني، وتدرك ذلك على ضوء ما توجهه القاهرة من رسائل. كما أن القاهرة تحدد مواقفها وخطواتها المستقبلية على ضوء تحرّكات طهران.

إذا والحديث ممتد للدبلوماسي المصري علاء الحديدي، حول مسار قنوات الاتصال فيما بين القاهرة وطهران، وعدم الاعتماد على الاتصالات غير المباشرة كون هذه المرحلة لا يمكن أن تمضي دون اتصال مباشر. 

وحول إمكانية تطوّر مسار الاتصالات المباشرة، خاصة وأن عديد التقديرات تتفق على أن إيران ستمضي في تصعيدها داخل الشرق الأوسط من خلال وكلائها لزيادة الضغط على الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، خاصة خلال العام الحالي حيث الانتخابات الرئاسية الأميركية، يذهب الحديدي إلى أن إيران بالطبع لها “حساباتها ولها تقديراتها الخاصة، وبموجب ذلك ستتّخذ ما تراه من خطوات أحياناً تمضي نحو التصعيد في لحظة ما، وأخرى تميل نحو التهدئة سيما إذا تعرّضت المصالح الإيرانية الحيوية لتهديد مباشر”.

إذا كان التقدير الإيراني أن موقف الإدارة الأميركية الحالية هو موقف ضعيف، بدعوى أنها ستدخل مع نهاية العام الجاري على مشهد الانتخابات الرئاسية، وبالتالي ستعمل إيران على زيادة الضغط، والتصعيد ضد مصالح الولايات المتحدة من أجل إجبارها على تقديم تنازلات معينة، ولو تكتيكية، في الفترة القادمة، فيقينا يختلف الحديدي مع هذا التصوّر. 

واعتبر الحديدي، أن السابق “تقدير خاطئ لأنه بالعكس تعمل أي إدارة أميركية في عام الانتخابات بحرص شديد على ألا تظهر في مظهر الضعيف، وربما بدا ذلك واضحا بعد مقتل الجنود الأميركيين في البرج 22، إذ كان جزءاً لافتاً من استجابة الرئيس الأميركي جو بايدن لهذا الأمر هو نتيجة ضغوط الحزب الجمهوري في عام الانتخابات، وحتى لا يظهر بمظهر الطرف الضعيف”.

وبالتالي، من الأهمية بمكان أن تدرك طهران عدم ارتياح القاهرة والدول المعنية لأي توتر وتصاعد في الشرق الأوسط، وعدم قبول ذلك ارتهاناً بحالة الاضطراب في الموقف والنظام الدولي.

المحظورات المصرية

على أية حال، الأمر بالنسبة للقاهرة يستقر نحو العمل على تهدئة البؤر الساخنة في الشرق الأوسط، وتعديل ميزان السيولة في المنطقة وموازنة الدور الإيراني وضبط تحركاته بالقدر الذي يحافظ على المصالح المصرية، كون أي تصعيد إيراني في المنطقة يتناقض تماماً مع المصالح المصرية. 

بعد الأردن مصر في رادارات إيران وغزة البوابة (1)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يؤدي التحية أثناء تفقده القوات مع وزير الدفاع صدقي صبحي، في مدينة السويس الساحلية على البحر الأحمر، مصر. (مينا عبر أسوشيتد برس)

نحو ذلك يفضّل السفير المصري، علاء الحديدي، توصيف تلك الحالة بكونها تستقر عند بعض التفاهمات دون التنسيق التام؛ وذلك بسبب محدّدات السياسة الخارجية لإيران وكون الأجندة الإيرانية معروفة، لذا يأتي تقدير القاهرة أن دخولها في خط علاقة مستقيم مع طهران يساهم في تهدئة بعض ممارساتها التي تصل لدرجة الخطر، بحيث يقلّ تأثيرها. 

وبالنسبة لسيناريو إيران في السودان وإمكانية أن يتكرر انخراط طهران هناك وتكرار مقاربة عواصم عربية أخرى، وأثر ذلك على القاهرة، يشير الحديدي إلى أنه قد يكون ممكنا من جانب طهران والخرطوم لكنه “غير مقبول من طرف القاهرة ولا يمكن أن تسمح به على الإطلاق، ويمثل ذلك جملة من الخطوط الحمراء في ذهنية الدولة المصرية. 

على إيران أن تدرك خطورة ذلك وعدم سماح القاهرة لأي تصوّر من هذا النوع في عمقها القومي وخاصة في السودان وأن ذلك غير مسموح على الإطلاق بالنسبة لمصر وأجهزتها المعنية”.

ثمة دلالة في محيط شكل وهيئة التحالفات غير المكتملة والتفاعلات السائلة، التي تقبل التعاون إزاء بعض الملفات والخلاف في وجهات النظر حول قضايا محددة، وربما التنافس عبر مناطق وموضوعات أخرى أن يكون الوعاء الأكثر منطقية في تحرك القاهرة وطهران نحو التعرف من جديد على العلاقات الدبلوماسية والسياسية بينهما. 

بيد أن واقع الدولتين وتاريخهما يشي بكون حالة التنافس وربما الشديد ستطغى على النقاط الأخرى مما يضع جداريات ثقيلة أمام التحالف الاستراتيجي التام، خاصة أن محور الخلافات فيما بين الجانبين عميقٌ ويطول قضايا محورية تمسّ الأمن القومي المصري بشكل مباشر ولا يمكن توقع أو ترجيح سيناريو أن تتراجع طهران عن مضامين سياساتها الخارجية ولا تحرّكاتها الخشنة في بعض النقاط الساخنة.

في المحصلة، لا يبدو الأمر يسيراً ولا صعباً بشكل كلاسيكي؛ ولكنه أيضا غير مستحيل بمنطق السياسة التي لا تفهم غالبا سوى لغة المصالح والمنافع المتبادلة. وعلى هذا الأساس يمكن تصوّر أن أي تحرّك من جانب القاهرة تجاه كافة تحركات ورغبات طهران لتطبيع علاقاتها مع مصر والخروج بعيدا عن ضيق العزلة، لن يكون سوى تحركات تكتيكية للدولة المصرية صوب نقل المعلومات والتنسيق أحياناً فيما بينها، فضلا عن عزل كافة المخاطر التي تهدد الأمن القومي المصري سيما في باب المندب وغزة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات