تبدو الأمور شديدة الارتباك داخل حركة “حماس” الفلسطينية، في ظل حالة التباين في ترتيب الأولويات، والتضارب بين الأذرع المختلفة. وبحسب مصدر سياسي فلسطيني مطّلع، يرغب جناح رئيسي داخل المكتب السياسي، يتزعمه إسماعيل هنية وبصحبته محمود الزهار وخليل الحيّة، في الحفاظ على الوجود السياسي لـ”حماس” داخل قطاع غزة بأي وسيلة ممكنة، حتى لو تطلّب الأمر المُضي قدماً نحو الانتخابات، أو إدارة القطاع بالاشتراك مع حركة “فتح”، حيث يدرك هذا الجناح صعوبة الموقف العسكري، إلى الحدّ الذي دفع هنية إلى التصريح بعد ممانعته في إشراك القاهرة والدوحة في إدارة القطاع في المرحلة الانتقالية.

من جهته، يتحفّظ خالد مشعل وموسى أبو مرزوق، نسبياً، على المرونة الكاملة التي يبديها هنية فيما يتعلق بمستقبل صقور الحركة في القطاع، خاصة في ظل الانتقادات الحادة التي وجّهها الأخير ليحيى السنوار وشقيقه محمد، وكذا محمد ضيف والقائد العسكري مروان عيسى، بينما وافق خليل الحيّة صراحة على دمج “حماس” في “منظمة التحرير”، وهو ما نقله الأخير لقياديي “فتح”، ناصر القدوة، وسمير مشهراوي، في اجتماع سابق، بل وذهب إلى الموافقة الضمنية على إخراج السنوار من قطاع غزة، لكنّه طالب بضرورة تغيير بنيوي في قيادة “فتح”.

السنوار.. مصير شائك

بحسب المصدر نفسه لـ”الحل نت”، فإن هنية لا يمانع من إخراج السنوار وضيف من القطاع، بل ونقل موافقته الضمنية إلى رئيس جهاز الموساد دافيد بارنيا، عن طريق الوسطاء القطريينَ، في الأسبوع الأخير من كانون الثاني/ يناير الفائت. وطرحت الفكرة بشكل أكثر وضوحاً، بحسب المصدر، في لقاء تمّ الأسبوع الفائت في باريس، وضم رئيس وزراء قطر، ورؤساء المخابرات في الولايات المتحدة، وإسرائيل، ومصر؛ لمناقشة صفقة قد تؤدي إلى إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، وإنهاء الحرب بين إسرائيل و”حماس”.

زعيم حماس في غزة يحيى السنوار (وسط) وزعيم حماس اسماعيل هنية (يسار) يشاركان في جنازة الناشط البارز مازن فقهاء في مدينة غزة في 25 مارس 2017. تصوير: محمد سالم – رويترز.

وكانت الحكومة الإسرائيلية تعهّدت بقتل قياديي “حماس”، السنوار ومحمد ضيف، مع بدء الضربات الانتقامية، في أعقاب عملية “طوفان الأقصى” السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

وبحسب المصدر، فإن المخابرات المصرية التي تحتفظ بوسيلة تواصل مع السنوار في قطاع غزة، نقلت بالفعل إلى الأخير موافقة إسرائيل على خروجه من القطاع، بصبحة ضيف، وأربعة آخرين من القيادات العسكرية لـ “حماس”، كما نقلت له ملامح الإطار العام للهدنة المقترحة، وآلية إطلاق سراح الرهائن.

وكان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أكّد أن “حماس” لديها “رد فعل إيجابي” على الشروط المقترحة للصفقة الجديدة، وأنها قدّمت عرضاً بشروط محددة، يتضمن انسحاباً كاملاً للقوات الإسرائيلية من غزة، وهو ما رفضه نتنياهو، ولم يتم التطرق إلى مسألة نفي السنوار من دعمها.

وبحسب مصدر في “حماس”، فإن اقتراح الهدنة الحالي المكون من ثلاث مراحل قيد المناقشة، ويتضمن وقفاً أولياً للقتال لمدة ستة أسابيع، من شأنه أن يؤدي إلى إطلاق سراح بعض الرهائن، مقابل إطلاق سراح سجناء فلسطينيين، مع تمديد محتمل لوقف إطلاق النار المؤقت.

بدورها، كشفت شبكة (NBC News) في تقرير لها، أن إسرائيل مستعدة للسماح للزعيم العسكري لحركة “حماس” يحيى السنوار، بالخروج الآمن من القطاع، مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن وإنهاء سلطة “حماس” في غزة، حسبما صرح ستة مسؤولين إسرائيليين لها.

وأضاف التقرير أن “الفكرة كانت مطروحة على الطاولة منذ تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي”. وفقاً لمستشارٍ كبير في الحكومة الإسرائيلية. ونقل عن أحد كبار مستشاري رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قوله إنه “لا مانع إذا غادر السنوار، مثلما غادر ياسر عرفات لبنان”. وأضاف: “سنسمح بحدوث ذلك طالما تم إطلاق سراح جميع الرهائن”.

وتابع التقرير نقلاً عن مصادر إسرائيلية مطّلعة داخل الحكومة الإسرائيلية، إن “المنفى كان ضمن مجموعة من المقترحات، طرحها الإسرائيليون على واشنطن، ومن بينها إنهاء حكم حماس، والتخلص من قادتها، وكذا إصلاح نظام التعليم في القطاع”. والذي تراه تل أبيب حاضنة للإرهاب.

وبحسب (NBC News) قال مسؤول أمني إسرائيلي كبير سابق، إن “المنفى هو الحل السحري الذي يريده الجميع”، ما يطرح فكرة الانقسام داخل الحركة، ورغبة جناح كبير داخلها في التخلّص من السنوار ومجموعته.

صراع داخلي

جدير بالذكر أن خليل الحيّة، الذي يشغل منصب نائب رئيس المكتب السياسي لـ”حماس”، دخل في مواجهة علنية مع السنوار، قبل أشهر من عملية “طوفان الأقصى”، حيث أصرّ الحيّة على تعيين يوسف حمدان، مديراً لمكتب “حماس” في الجزائر، في حين أراد السنوار تعيين محمد نصر، المقرّب منه، وفي النهاية نجح الحيّة في فرض حمدان، بمساعدة موسى أبو مرزوق، وهو الأمر الذي دفع السنوار فيما بعد إلى تهميش الحيّة، فيما يتعلق بالأنشطة العسكرية للحركة، وذلك بالاتفاق مع إسماعيل هنية.

لا يبدو أن السنوار سوف يستجيب للعرض المقدَّم إليه، حيث إن خروجه من القطاع، سوف يضرب مصداقيته في مقتل آلاف القتلى منذ السابع من أكتوبر، وكذا خروجه من القطاع يُعدّ بمثابة فصل الختام لمستقبله السياسي.

ويبدو أن التحوّل في موقف هنية، واصطفافه مع خليل الحيّة فيما يتعلق بإخراج السنوار من القطاع، يأتي رداً إلى استئثار الأخير بالقرارات الميدانية منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ومقامرته بمستقبل الحركة؛ عبر جملة من القرارات غير المدروسة، وكذا تعسّفه في الموافقة على مقترحات قطرية ومصرية سابقة، تتعلق بوقف إطلاق النار، ودمج “حماس” ضمن عملية سياسية فلسطينية، تحافظ على وجود نسبي لها في القطاع المنكوب.

ويؤكد مسؤولون إسرائيليون، أن السنوار وضيف، يختبئان في أنفاق على بعد أعماق سحيقة، أسفل خان يونس، وحتى اللحظة، فشلت كل الجهود العسكرية الإسرائيلية في الوصول إليهما، بينما تساقط مئات من الأبرياء، ربما لم يدركوا أنهم دروع بشرية لقائد “حماس”، في مواجهة آلة عسكرية وحشية.

وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، زعم أن الجيش الإسرائيلي عثر على موادٍ تخصّ السنوار، ما يعني وجود عدّة مخابئ يتنقل الأخير بينها، وهو ما تؤكده مزاعم غالانت الذي قال إن “السنوار ينتقل من مخبأ إلى مخبأ”.

ولا يبدو أن السنوار سوف يستجيب للعرض المقدَّم إليه، حيث إن خروجه من القطاع، سوف يضرب مصداقيته في مقتل، بعد سقوط آلاف القتلى منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وكذا يدرك السنوار أن خروجه من القطاع يُعدّ بمثابة فصل الختام لمستقبله السياسي، في ظل الخلافات التي لم تعد مكتومة داخل المكتب السياسي لـ “حماس”.

من جهته، يقول جاكوب ناجل، مستشار الأمن القومي السابق لنتنياهو، إنه يعتقد أن “السنوار لا يزال يظنّ أنه سوف يخرج منتصراً”. وربما كان ذلك هو رهان “حماس” في الأسابيع الأولى للحرب، في ظل تصاعد الضغوط على تل أبيب، من قبل الرأي العام في أنحاء العالم، لكن إصرار الحكومة اليمينة المتطرفة في تل أبيب، وعدم اكتراثها بسقوط آلاف الأبرياء، يصدم كل أمنيات السنوار، بحيث لم يعد أمامه سوى الموت أو المنفى.

أنفاق حركة “حماس”- “الصورة من الإنترنت”

وربما يدرك السنوار طبيعة المتغيرات الحالية، ما يجعله يتشبث بالورقة الأخيرة المتمثلة في ملف الرهائن. وبحسب مصدر أمني مصري مطّلع لـ”الحل نت”، فإن السنوار أبدى دهشته من تساهل إسماعيل هنية، فيما يتعلق بإطلاق سراح جميع الرهائن، دون ضمانات كافية من تل أبيب بوقف الحرب والانسحاب الفوري من القطاع. ولكن، لا يملك قادة “حماس” في الخارج أي قدرة على التأثير على السنوار. وهو ما أكدته “القناة 12” العبرية، والتي قالت إن “النقاش الداخلي بين كبار مسؤولي حماس، حول الاقتراح الحالي، قد توقف إلى حدٍّ كبير، مع اعتراف قادة الحركة خارج القطاع، بأن القرار النهائي يقع على عاتق شخص واحد فقط، لديه القدرة على تحرير الرهائن، هو يحيي السنوار”.

إسرائيل غيّرت استراتيجيتها!

في هذه الأثناء، في إسرائيل، اجتمعت حكومة الحرب مساء الأحد الفائت، حيث قالت وسائل إعلام إسرائيلية، إن الوزراء ناقشوا، من بين أمور أخرى: ما إذا كان من الممكن العودة إلى العمليات القتالية الكاملة بعد توقّفٍ طويل؛ وضرورة أن يشمل أي اتفاق جميع الرهائن الـ “132”، والذين ما زالوا محتجزينَ في غزة”.

وخلال الاجتماع، أصرّ وزير العدل من “حزب الليكود”، ياريف ليفين، وانضم إليه وزير التعليم يوآف كيش، ووزير المواصلات ميري ريجيف، ووزير الخارجية يسرائيل كاتس، ووزير الشتات عميحاي تشيكلي، على أن أي قرارات تتعلق بصفقة محتملة لتبادل الرهائن، يجب أن تتم الموافقة عليها من قِبل “الكنيست” بكامل هيئته. وقال مسؤول إسرائيلي لـ “تايمز أوف إسرائيل” إن الوزراء طالبوا بضرورة موافقة مجلس الوزراء بالإجماع، على أي اجتماعات أخرى في الخارج لرئيس الموساد دايفيد بارنيا، مع وسطاء دوليين.

وخلال الاجتماع، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إن نسبة ثلاثة سجناء أمنيين فلسطينيين مقابل كل رهينة يتم إطلاق سراحها، كما كان الحال في صفقة الرهائن في تشرين الثاني/ نوفمبر، يجب أن تكون النقطة المرجعية لأي اتفاقيات أخرى.

وشهدت هدنة تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، التي استمرت أسبوعاً إطلاق سراح 105 رهائن إسرائيليين وأجانب، 80 منهم فقط ضمن بنود الصفقة، مقابل الإفراج عن 240 امرأة وسجيناً أمنياً فلسطينياً دون السّن القانونية.

وشدّد نتنياهو على أن إسرائيل لن تنهِ الحرب، حتى تتحقّق جميع أهدافها، وهي “القضاء على “حماس”، وإعادة جميع الرهائن، وضمان أن غزة لن تمثّل مرة أخرى تهديداً لإسرائيل”. وبحسب “القناة 12” العبرية، طالب وزير الاقتصاد نير بركات، وهو أيضاً من “حزب الليكود”، بأن يشمل الاتفاق إطلاق سراح جميع الرهائن في مرحلة واحدة، بدلاً من مراحل مشروطة بشروط معينة، كما دعا إلى وقف المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة. وأضاف: “أنت تقدم هدايا لحماس، والسنوار يحتفل”.

وفي معرض حديثه أيضاً ضد الخطة المرحلية، في اجتماع مجلس الوزراء يوم الأحد الفائت، قال وزير الشتات شيكلي: “علينا أن ننظر إلى الحرب باعتبارها ماراثوناً، إذا أوقفنا القتال الآن لمدة شهر، فلن ننهي الماراثون ولن نتمكن من القتال بنفس القوة”.

ووفقا لأعضاء آخرين في الحكومة، نقلاً عن موقع “واينت” الإسرائيلي، قام نتنياهو بتدوين وعرض الآراء المعارضة لشروط صفقة الرهائن، التي تم التعبير عنها خلال اجتماع مجلس الوزراء، من أجل الإشارة إلى أنّ يديه مقيدتان.

وبحسب “أسوشيتد برس”، لا يزال الجانبان متباعدين بشأن الشروط، ويعمل الوسطاء في قطر ومصر والولايات المتحدة على سدّ الفجوات بينهما، لكن إسرائيل ما زالت تضع تدمير القدرات العسكرية لـ”حماس” هدفاً رئيسياً في حربها ضد الجماعة المسلحة. ويبدو أن إسرائيل التي وافقت في الماضي على إجراء صفقات غير متوازنة لتبادل الأسرى، والتي كان من بينها صفقة تحرير الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط من أسر “حماس”، في العام 2011، مقابل 1027 أسيراً فلسطينياً، غيّرت استراتيجيتها، حيث تريد “حماس” إطلاق سراح مئات السجناء، بينما يعارض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وشركاؤه من اليمين المتطرف ذلك.

قد يكون نفي السنوار ومجموعته، حلّا سحرياً للطرفين، فإسرائيل من جهة تكون قد تخفّفت من عبئ ملاحقة أخطر عناصر الحركة، بالإضافة إلى ما يسببه السقوط المحتمل لضحايا جدد من إحراجٍ لها أمام الرأي العام العالمي، الذي لم يعد يحتمل كل هذا القدر من الدماء.

كما تريد إسرائيل إبقاء جزءٍ من قواتها على الأرض؛ لمواصلة تدمير شبكة الأنفاق الواسعة، والقضاء على منصّات إطلاق الصواريخ، وملاحقة المسلحين؛ بمعنى آخر تفكيك البنية العسكرية لحركة “حماس”، في إطار هدفها المتمثل في تدمير قدراتها. وفي المقابل تريد “حماس” أن تلتزم إسرائيل بوقف دائم لإطلاق النار، قبل أن تبدأ التفاوض على إطلاق سراح جميع الرهائن على مراحل مختلفة.

وقد يكون نفي السنوار ومجموعته، حلّا سحرياً للطرفين، فإسرائيل من جهة تكون قد تخفّفت من عبئ ملاحقة أخطر عناصر الحركة، بالإضافة إلى ما يسببه السقوط المحتمل لضحايا جدد من إحراجٍ لها أمام الرأي العام العالمي، الذي لم يعد يحتمل كل هذا القدر من الدماء. ومن جهة أخرى سوف يؤدي خروج السنوار إلى استعادة المكتب السياسي لـ”حماس”، سيطرته على الحركة، وبالتالي احتواء القسام، وإدارة عملية سياسية، تتبعها بالضرورة جملة من التنازلات، يحاول الجناح السياسي تقليل خسائرها إلى أقصى قدر ممكن.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات