جهود مصرية قطرية وبدعم أميركي تجري منذ فترة في سبيل التوصل إلى هدنة أخرى في قطاع غزة ما بين إسرائيل وحركة “حماس”. وعلى إثر ذلك تم تقديم عدّة مقترحات وخطط من الوسطاء من أجل التوصّل إلى الخطوات الأولى لإنهاء الحرب والمأساة المستمرة في غزة منذ نحو 4 أشهر والتي راح ضحيتها أكثر من 27 ألف شخص.

وفي ما تمّ تداوله في صحف ووسائل إعلام غربية وعربية، إضافة إلى تصريحات مسؤولين غربيين، ثمة خطة تم تقديمها على طرفي الصراع، وقد أبدت إسرائيل موافقتها عليها، فيما كان ردّ “حماس” محاطاً بالسّرية، لكن وصفه مسؤولون بـ “الإيجابي”.

غير أن وكالة “رويترز”، نشرت تفاصيل ردّ “حماس” على الخطة التي قدّمها الوسطاء القطريون والمصريون والأميركيون، والتي تقضي بإطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة ووقف العمليات العسكرية المستمرة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

واقترحت “حماس” خطة لوقف إطلاق النار من ثلاث مراحل، متمسكة في جوهرها بشرطها، ألا وهي “وقف الحرب نهائياً والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من غزة”. بمعنى آخر، “حماس تريد التوصل إلى اتفاق فقط إذا ضمنت استمرار سيطرتها على غزة وإنهاء الحرب، وكلاهما ترفضهما إسرائيل”.

بالتالي لا بدّ من طرح بعض التساؤلات هنا، حول ما إذا كانت إسرائيل ستوافق على مسودة ردّ “حماس” بشأن الخطة المقترحة للتوصّل إلى هدنة في غزة، أم أن شروط الحركة الفلسطينية صعبة على تل أبيب، وبالتالي استمرار الحرب لفترة أطول وتدمير أجزاء أخرى من قطاع غزة وزيادة أعداد الضحايا يوماً بعد الآخر.

تسريبات ردّ “حماس”

وفي سياق مسودة “حماس”، فقد تم اقتراح خطة لوقف إطلاق النار من ثلاث مراحل، تقوم بموجبها الحركة الفلسطينية المصنّفة على قائمة الإرهاب الأميركية، بتبادل الرهائن الإسرائيليين الذين تم اختطافهم في 7 تشرين الأول/أكتوبر، بسجناء فلسطينيينَ.

جنود إسرائيليون يطلقون قذيفة هاون، مع استمرار الصراع بين إسرائيل وحركة “حماس” على الحدود مع غزة، إسرائيل في 22 يناير/كانون الثاني 2024. تصوير: أمير كوهين، رويترز.

وبحسب “رويترز”، فإن مسودة ردّ “حماس” على جهود الوساطة لوقف إطلاق النار تقترح “مرحلة أولى مدّتها 45 يوماً لتبادل السجناء الفلسطينيين، وإطلاق سراح بعض الرهائن الإسرائيليين غير العسكريين، وتسليم المساعدات الإنسانية”.

وتسمح المرحلة الأولى من مقترح “حماس”، بـ”إعادة بناء المستشفيات ومخيمات اللجوء في غزة، وخروج القوات البرية الإسرائيلية من المناطق السكنية”.

كما تطالب “حماس” بـ “تأمين إعادة إعمار غزة وضمان الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية وتبادل الجثث والرفات”.

وتقترح حماس أيضاً إجراء “محادثات غير مباشرة مع إسرائيل في المرحلة الأولى، لإنهاء العمليات العسكرية واستعادة الهدوء التام”، وفقاً لمسودة من الوثيقة، اطّلعت عليها “رويترز”.

وطبقاً للمسودة، فإن “حماس تقترح مرحلة ثانية يتم فيها إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين، مقابل عدد معين من السجناء الفلسطينيين، و انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من غزة”. والمرحلة الثالثة المقترحة، “ومدتها 45 يوماً، يتم فيها تبادل الرفات والجثث”.

وتشكل الخطة، التي تم التفاوض عليها بوساطة الولايات المتحدة وقطر ومصر، إطاراً واسعاً يتضمن وقفاً مبدئياً للقتال لمدة 6 أسابيع، وإطلاق سراح جميع الرهائن المدنيينَ المحتجزينَ في قطاع غزة.

في المقابل، ستطلق إسرائيل سراح 3 سجناء فلسطينيين مقابل كل رهينة. وسيكون ذلك بمثابة أطول فترة توقف للقتال في غزة.

ردّ إسرائيل والوسطاء

في معرض ردّ إسرائيل على مسودة اقتراح “حماس” لوقف إطلاق النار بغزة، نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، عن مسؤول إسرائيلي مطّلع، قوله إن “إسرائيل غير راضية عن ردّ حماس”.

بينما ذكر مسؤول إسرائيلي آخر لموقع “أكسيوس” الأميركي، أن “رد حماس يحمل بعض الجوانب الإيجابية وبعض الجوانب السلبية، لكن إسرائيل تعتبره موقفاً مفتوحاً للمفاوضات”.

وتزامن ردّ “حماس” على الخطة المقترحة مع زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى قطر، في خامس زيارة له للمنطقة منذ اندلاع الحرب بغزة.

وفي مؤتمر صحفي في الدوحة مع بلينكن، قال رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إن المفاوضينَ تلقّوا “ردّاً من حركة حماس بشأن اتفاق الإطار يتضمن ملاحظات، وهو في مجمله إيجابي”.

ما التوقعات؟

في المقابل، وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية نقلاً عن مسؤولين، اليوم الأربعاء، فإن “طلب حماس وقف جميع العمليات العسكرية في غزة لا يمكن قبوله”، في حين تقول مصادر مطّلعة إن وسطاء يحاولون إقناع “حماس” بمطالب أخرى، مثل إطلاق سراح بعض السجناء البارزين الذين يطالبون بهم “حماس” مقابل التراجع عن طلب انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة.

من المتوقع أن تساهم مصر وقطر وبدعم أميركي بدورٍ في الوصول لمقاربة مرنة سياسية تؤدي للتهدئة الإقليمية بعيداً عن وجهات النظر المتشددة من طرفي الصراع بغزة.

وأردفت مصادر سياسية مصرية مطّلعة لـ”الحل نت”، أن الوسطاء يضغطون على “حماس” للتراجع عن مطلبها المتمثل بـ”الانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة وإبقائها على رأس السلطة بالقطاع”، في ظل استحالة قبول حكومة نتنياهو بشرط “حماس”.

ونوّهت المصادر نفسها إلى أن الوسطاء يريدون إنهاء الحرب في غزة على عدّة مراحل، لأن وقفها دفعة واحدة (كما ترغب به حماس) غير ممكن في الوقت الحاضر والحساس جداً، وبالتالي يجب على “حماس” القبول بالطرح الذي قدّمه الوسطاء، نظراً لأن إصرار الحركة الفلسطينية على مطلبها قد يقوّض كل الجهود المبذولة منذ أشهر. وبالتالي إطالة أمد الحرب وإلحاق المزيد من الدمار والخسائر بالقطاع والفلسطينيين.

وبحسب التقديرات، فإن زيارة بلينكن إلى قطر ومصر وإسرائيل، تأتي بهدف وقف الحرب في غزة، حيث كان مناقشة بلينكن لملف الحرب في غزة مع الوسطاء وإسرائيل على رأس أولوياته في زيارته هذه، ويبدو أن مهمة واشنطن والوسطاء ستستغرق قدراً كبيراً من الوقت والجهد.

لذا من المتوقع أن تساهم مصر وقطر وبدعم أميركي بدورٍ في الوصول لمقاربة مرنة سياسية تؤدي للتهدئة الإقليمية بعيداً عن وجهات النظر المتشددة من الطرفين في ظل تنامي العمليات والتصعيد في غزة كما في جبهات أخرى مثل سوريا والعراق ولبنان واليمن، وعسكرة جماعة “الحوثي” اليمنية للملاحة الدولية بالبحر الأحمر.

إضافة إلى ذلك، يجب ألا ننسى أن الرأي العام، سواء في فلسطين أو في المنطقة عموماً، أصبح يدرك جيداً أن هذه الحرب لم تجلب سوى الخراب والدمار والتهجير للفلسطينيين الذين يزيد عددهم عن مليوني فلسطيني في غزة، بجانب أن موقف الفلسطينيين من قضيتهم وحقوقهم بات “أضعف”. ولذلك، فهم مع أي لحظة توقف لإطلاق النار والقصف والقتل والخراب في القطاع، وهو ما لا توليه “حماس” أي أهمية سوى تحقيق أهدافها وأجندات راعيتها (إيران) وإن كان على حساب أشلاء سكان غزة، ولكن ومع ذلك، فقد يتجه الوسطاء وواشنطن إلى تفاهم حول بعض الملفات التي تهم طهران بالدرجة الأولى، وبالتالي التوصل إلى تسوية ما في الوقت القريب.

الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي مع وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن- “الصورة من الإنترنت”

ويبدو أن الوسطاء سيستمرون في التفاوض مع طرفي الصراع حتى يتم التوصّل إلى هدنة قريبة، نظراً لأن المسألة لم تعد قضية الرهائن بقدر ما هي التوصل إلى صيغة كاملة بشأن عدّة ملفات بعضها يتعلق بغزة وحكمها والسلاح بيد الفصائل الفلسطينية، وأخرى تتعلق بميدان الصراع والذي امتد عملياً خارج القطاع، ولا سيماً مؤخراً عند الحدود الأردنية السورية.

وبالتالي هذا الصراع ككل بات يحتاج لمقاربة جديدة، فالطرف الإيراني لديه مصالح وأجندة مع أطراف الصراع يحتاج لبدء المفاوضات حولها وكسب امتيازات و”حزب الله” اللبناني بالتبعية لديه تصورات تتعلق بترسيم الحدود البرية ومنها النقاط الحدودية المتنازع عليها، وتحديد قواعد اشتباك جديدة. وفي ضوء كل ذلك يجب ألا ننسى أن إسرائيل لن تسمح بوضع غزة ما قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لكن في كافة الأحوال مع تمادي الصراع لحدود تصعيدية ستكون في الأفق محطة تهدئة متوقّعة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات