لم تصل زيادة الرواتب والأجور المقطوعة للعاملين والموظفين في القطاع العام من مدنيينَ وعسكريينَ ومتقاعدين ومياوميينَ وأصحاب المعاشات التقاعدية، التي صدرت يوم الاثنين 5 شباط/ فبراير الماضي في المرسومين التشريعيين رقم (7) و (8) لعام 2024، والمتضمن زيادة قدرها 50 بالمئة من الرواتب والأجور وتُعد سارية ابتداء من الشهر المقبل.

إذ تبخرت هذه الزيادة قبل أن تصل إلى جيوب المقصودينَ حيث أصدرت “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك” بياناً، قالت فيه: إن الوزارة عدّلت سعر ربطة الخبز التمويني زنة (1100) غرام للمواطن من 200 ليرة إلى 400 ليرة سورية في الأفران العامة والخاصة، أي بنسبة 100بالمئة.

وأضافت أنها عدّلت كذلك سعر ليتر المازوت المدعوم المقدّم للأفران العامة والخاصة من 700 ليرة إلى 2000 ليرة سورية، أي بنسبة 185 بالمئة.

ونقلت صحيفة “الوطن” المحلية عن الوزارة قولها، أن السعر الجديد “ليس رفعاً لسعر ربطة الخبز بقدر ما هو مساهمة من المواطن في تحمّل جزء بسيط من عبء التكلفة لضمان استدامة تدفق وتوفر هذه المادة الأساسية، موضحةً أن تكلفة تأمين الرغيف اليومي ارتفعت إلى ما يزيد عن 7 آلاف ليرة”. 

ولم تتطرق الزيادة إلى الخبز السياحي، والذي ارتفع بدوره مع نهاية كانون الثاني/ يناير الماضي، إلى 11 ألف ليرة سورية للربطة الكبيرة، بينما ارتفع سعر الربطة الصغيرة إلى 6500 ليرة.

وترافق ارتفاع سعر الخبز مع إعلان التعرفة الجديدة لأسعار الكهرباء المنزلية وفق الشرائح لتصبح كالتالي: 

-الشريحة الأولى: الاستهلاك من(1-600) كيلو واط ساعي بسعر 10 ليرة في الدورة الواحدة.

-الشريحة الثانية: الاستهلاك من(601- حتى 1000) كيلو واط ساعي بسعر 25 ليرة في الدورة الواحدة. 

-الشريحة الثالثة: الاستهلاك من (1000حتى1500) كيلو واط ساعي بسعر 135 ليرة في الدورة الواحدة.

-الشريحة الرابعة: الاستهلاك من(1501حتى2500)كيلو واط ساعي بسعر 600 ليرة في الدورة الواحدة.

-الشريحة الخامسة: الاستهلاك الذي يزيد عن 2500 كيلو واط ساعي بسعر 350 ليرة في الدورة الواحدة.

على أن يتم العمل بهذه الأسعار على الفواتير المنزلية مع بداية شهر آذار/ مارس القادم.

إن الزيادة ليست كافية لسدّ لأي شيء في حياة المواطنين والعاملين لدى الحكومة السورية، وإنما هي مبرر لرفع سعر المادة الأساسية أي الخبز، التي يستهلكها السوريون جميعاً في مناطق سيطرتها، بالإضافة إلى رفع أسعار الكهرباء والبنزين إلى جانب المواد الغذائية التي تشهد تزايداً بوتيرة تصاعدية.

فالزيادة غير مؤثرة لأنها لم تشمل الغالبية من العاملينَ في القطاع الخاص، وهي تخص فئة غير كبيرة في المجتمع السوري، لذلك نجدها مبرراً لما تقوم به حكومة حسين عرنوس، في حلولها من أجل ذرّ الرماد في عيون السوريين إنها تسعى لحل أزمة الغلاء، وهي تزيد الأزمة تفاقماً على الموظف والمواطن السوري من خلال الاستمرار في إيجاد المبرّرات لرفع الأسعار بشكل عام، وليس العمل على تثبيت الأسعار، وزيادة السيولة النقدية بالليرة السورية في السوق، وهذه الزيادة مع غياب الإنتاج الحقيقي، وغياب الدخل من العملات الصعبة بسبب غياب التصدير إلى خارج البلاد، ستؤدي بدورها إلى ضغوط تضخّمية على الليرة السورية.

فارق كبير بين الأجور والمعيشة

تتسم الأسواق السورية بعدم وجود أي رقابة تموينية على الأسعار، وفوضى تسعيرية مع حالة فوضى عامة، متزامنة مع ارتفاع يومي لأسعار المنتجات الغذائية وغير الغذائية، إذ زادت الأسعار منذ بداية العام الجاري بالحد الأدنى بنسبة 25 بالمئة ، حيث يقوم التجار بحساب أسعار موادهم حسب سعر الدولار بالليرة السورية معتبرينَ أن سعر الدولار الحقيقي 25 ألف ليرة، وليس 15 ألف ليرة كما هو متداول في الأسواق. 

وسجّلت العديد من المواد ارتفاعاً من أسواق العاصمة السورية دمشق، حيث بلغ سعر كيلو السكر 16 ألف ليرة، وسعر كيلو الأرز المصري 17 ألف ليرة، وسعر صحن البيض(30 بيضة) وصل إلى 66 ألف ليرة، وسعر كيلو اللبن البقري 9000 ليرة، وكيلو الفروج 55 ألف ليرة، وسعر كيلو لحم الغنم 225 ألف ليرة، ولحم البقر 140 ألف ليرة.

إن متوسط الرواتب والأجور في القطاع العام الحكومي بعد الزيادة وصل إلى (375 – 400 ألف) ليرة سورية بين ( 25 و27 دولار أميركي)، بينما يبلغ الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص والعام (280 ألف ليرة، ما يعادل 19 دولار). 

بالإضافة إلى ذلك رفعت المؤسسة السورية للتجارة مطلع العام الجاري بعض أسعار المواد الغذائية المدرجة على البطاقة الذكية، وبحسب لائحة الأسعار الجديدة أصبح سعر لتر الزيت النباتي 22.500 ليرة وكيلو البرغل 7500 ليرة، وكيلو العدس 18 ألف ليرة، وعلبة التون 14 ألف ليرة.

وبرّر المدير العام للمؤسسة السورية للتجارة زيادة هزاع، في حديث لموقع “أثر برس”، المحلي و المقرّب من “الحكومة السورية” سبب ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية بأنه يعود لوجود عقود جديدة، وبالتالي رفع الأسعار والتكاليف تبعاً لتغير الجهة التي توفر المادة، ما يستدعي إجراء تغيير طفيف في أسعار بعض المواد بناء على العقد الجديد الموقع.

ويعزي رئيس مكتب التسويق في اتحاد الفلاحين السوريين أحمد الهلال، في حديث صحفي منذ أيام، أن ارتفاع سعر المازوت أثّر بشدة على أسعار الخضار، فتكلفة سيارة نقل الخضار من الساحل إلى دمشق وصلت إلى 6 ملايين ليرة سورية، بعد أن كانت تكلّف مليوني ليرة، فضلاً عن ارتفاع سعر البذار كون جميع البذار مستوردة، وارتفاع أجور النقل العالية سببت زيادة سعر البذار، ليشتري الفلاح اليوم البذار بـ”الحبة والحبتين”.

وأشار هلال، إلى أن تصدير الخضار والفواكه لم يتوقف إلى دول الخليج والعراق ما أثّر سلباً على سعر المنتجات المحلية خاصة مع الخسائر الكبيرة لأصحاب البيوت البلاستيكية في مناطق القدموس وبانياس، حيث وصل سعر كيلو البندورة إلى 11 ألف ليرة، موضّحاَ أن القدرة الشرائية للمواطن السوري ضعيفة، كاشفاً أنه من المخطط استيراد 30 ألف طن من مادة البطاطا خلال الشهر الثالث من العام الجاري ريثما يتم إنتاج البطاطا الربيعية.

إضافة إلى ارتفاع سعر الأسمدة أكثر من 350 بالمئة من العام الماضي، لتقضي هذه العوامل مجتمعة على ما تبقّى من أملٍ في نهوض القطاع الزراعي.

الأجور الحالية تغطي 1.5 بالمئة فقط 

وكانت جريدة “قاسيون” المحلية، الذي يصدرها “حزب الإدارة الشعبية” في دمشق قد كشفت في دراسة خاصة بها أنه مع “انتهاء العام 2023، بكل ما حمله من ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، وعلى مشارف عام 2024، ارتفع متوسط تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكونة من خمسة أفراد، وفقاً لـ”مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة”، يتخطى عتبة الـ 12 مليون ليرة سورية.

أما الحد الأدنى لتكاليف المعيشة للأسرة السورية فوصل إلى  764. 534.7 ليرة سورية، ويتسارع هذا الارتفاع في التكاليف في وقت لا يزال يرزح فيه السوريون تحت وطأة حد أدنى للأجر في البلاد لا يتجاوز 185. 940 ليرة سورية، في نهاية العام الفائت.

وأشارت “قاسيون” في دراستها إلى أن متوسط تكاليف المعيشة تضاعفت 3 مرات خلال عام 2023، بينما الأجور زادت مرة واحدة بنسبة 100بالمئة، ورغم ذلك لم تعد هذه الأجور قادرة على تغطية إلا 1.5 بالمئة  من تكاليف المعيشة.

وتعاني سورية من أزمة اقتصادية حادة ومن مشكلات نتجت من نزوح ملايين داخل مناطق سيطرة الحكومة السورية بسبب استمرار الحرب منذ أكثر من 13عاماً، وكانت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين شابيا مانتو، قالت في مؤتمر صحفي عقدته الثلاثاء الماضي، في جنيف، بمناسبة ذكرى الزلزال في سورية وتركيا قد قالت أنه: ” يعيش نحو 90 بالمئة  من سكان سورية في فقر، ويعاني 12،9 مليوناً منهم من انعدام الأمن الغذائي، ويحتاج 16،7 مليون شخص إلى مساعدات عاجلة، في حين يوجد 7،2 ملايين نازح من الداخل السوري”.

وذكرت تقارير للأمم المتحدة أن 50 بالمئة من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وهناك 2.9 مليون آخرين معرضين لخطر الانزلاق إلى الجوع، وأكدت تلك الأرقام لدراسة “قاسيون” أن الأجور تحتاج إلى المضاعفة 13 مرة لكي تستطيع مواكبة ارتفاع الأسعار الجاري.

التكييش في سوريا
الآقتصاد في سوريا

شركات النقل والشحن تعاني من التضخم

وفي حديث مع موقع “داما بوست” المقرب من الحكومة السورية، قال أمين سر أتحاد شركات الشحن في سوريا، حسن عجمي، أن “العقبات والمشاكل في وجه الشحن الخارجي في سوريا كبير جداَ، وأدت إلى ارتفاع تكاليف الشحن للمواد المستوردة بنسبة 100 بالمئة” . 

وقال عجمي، تتمثل تلك العقبات في عدم وصول شركات الطيران العالمية إلى سوريا، والشحن عبر مطار بيروت يزيد من التكلفة، وعدم وصول البواخر العالمية إلى المرافئ السورية، وخلال هذه الفترة ظهرت أيضاً مشكلة البحر الأحمر، وجميع هذه العقبات تزيد من كلف الشحن الجمركي.

وأشار العجمي، إلى أن التجار الذين لديهم بضاعة مثبته قبل أزمة البحر الأحمر قامت بتعديل أسعارها وفق التكاليف الجديدة التي فرضت عليها.

ولفت العجمي، أن شركات الشحن السورية تقوم بتصدير البضائع إلى جميع دول العالم بما فيها “أميركا ترانزيت” عن طريق لبنان، وتقوم بتسليم البضاعة على باب الشركة أو البيت.

واعتبر عجمي أن تنشيط التصدير يحتاج إلى تسهيلات في الدرجة الأولى لتخفيف تكاليف وتوفير مقومات الإنتاج بأدنى تكاليف ممكنة كون الصناعي عندما يرتاح بالإنتاج يكون لديه القدرة على التصدير والمنافسة بالجودة والسعر.

وأخيراً أن حكومة عرنوس بسياستها وقراراتها الاقتصادية والمعاشية تثبت عدم مراعاتها للبيئة الحاضنة التي وقفت طيلة سنوات الأزمة إلى جانبها، وأنها تتعامل مع هذه البيئة ليس فقط كدافع ضرائب، وإنما تعتبر ذاتها جابي ضرائب خاص، يعمل على تأمين ما تحتاجه هذه الحكومة، وليس ما يحتاجه المواطن السوري الذي يعيش في ظلها، بالإضافة إلى عدم استفادتها وتوظيفها للخبرات الاقتصادية السورية الموجودة، وإنما الانفراد بالقرار الذي يحفظ على مصالحها، وليس مصالح البلاد في هذه المرحلة.

وهذا بدوره يؤكد على الطبيعة البيروقراطية والمدرسية التي تتعامل بها مع الخبرات والكفاءات، وهذا نابع من عقلية التفكير الحكومي الرافض للرأي الآخر، فالوضع السوري اليوم لم يعد يسمح بمزيد من الضغط على الإنسان السوري في هذه المناطق. ويبقى السؤال المهم جداً هل حان الوقت لكي يتعامل مع الاقتصاد والوضع المعيشي بمزيد من المهنية عبر الاستعانة بخبراء ولجان قادرة على رسم حلول قابلة للحياة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات