بالأرقام.. خسائر بملايين الدولارات لمغامرة “حزب الله” في جنوب لبنان

يشهد الجنوب اللبناني حرباً تصاعدية منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023 بين إسرائيل و”حزب الله”، مما تسبب بأضرار كبيرة على الصعيد الاقتصادي في بلد كـ لبنان يعاني من الانهيار المالي أصلاً، فيما يتذرّع “الحزب” بأنه الدرع الذي يحمي لبنان، ويبدو أن فاتورة تكلفة الحرب تزداد يوماً بعد يوم، وبالكاد “الحزب” يستطيع أن يحمي نفسه من الاغتيالات والاستهدافات التي تقوم بها إسرائيل لمسؤوليه وكوادره، نظراً إلى تفوّقها التكنولوجي.

فعلياً موضوعنا ليس عسكرياً ولا سياسياً، إنما سنركّز على الجانب الاقتصادي الذي أصبح ككرة الثلج المتدحرجة وخصوصاً أن الجنوب اللبناني يشهد نزوحاً كثيفاً مع توسّع القصف الإسرائيلي على نحوٍ يومي، والمزروعات تتعرض لقصف بالقنابل الفوسفورية، مما قضى على المحاصيل وخصوصاً في موسمي الزيتون والتبغ. 

فضلا عن ذلك، فإن الخسائر البشرية والدمار الهائل في القرى الحدودية، عطّل الدورة الاقتصادية وضرب مقوّمات العيش في هذه المنطقة البائسة من لبنان نتيجة حسابات “الحزب” خدمة للاستراتيجية الإيرانية ومصالحها.

بالأرقام.. ماذا يحصل في الجنوب؟

لا بدّ من الإشارة أولاً بأن معظم خبراء الاقتصاد يؤكدون أن لا تقديرات واضحة لكلفة الحرب الدائرة، ولا يمكن إحصاء الأضرار وتقدير كلفتها قبل أن تنتهي الحرب. وهذه التقديرات والإحصاءات قد ترتفع أو تنخفض قليلاً مع انتهاء الحرب حين يَظهر حجم الدمار الحقيقي على الأرض نتيجة القصف الإسرائيلي ويتم إجراء مسحٍ شامل وواضح يحدد الكلفة الحقيقية للأضرار.

حرب بلا قوانين حزب الله يعلن المعركة مع إسرائيل ويحدد شروط الهدنة! (4)
صورة مأخوذة من قرية طير حرفا بجنوب لبنان، بالقرب من الحدود مع إسرائيل، تظهر الدخان يتصاعد بالقرب من موقع إسرائيلي من الصواريخ التي أطلقها حزب الله في 15 ديسمبر 2023. (تصوير وكالة فرانس برس)

لكنهم يرون أن الخسائرَ المباشرة تُقدَّر بأكثر من مليار دولار تقريباً، وهي خسائر مباشرة وغير مباشرة ناجمة عن الدمار الذي أصاب الجنوب. فإسرائيل دمّرت 520 منزل كلياً و3300 آخر بشكل جزئي، إضافة إلى بُنى تحتية وكهرباء وطرقاً وأراضي زراعية شاسعة، وقضت على المحاصيل الزراعية للجنوبيينَ في شكل شبه كامل. 

لكن هذا الرقم ليس ثابتاً وهو يرتكز على تقديرات جغرافية مبنية على حجم المساحات المستهدفة. ويتفق عضو كتلة “التجدد” النيابية، النائب أديب عبد المسيح، مع تقديرات الخبراء الاقتصاديين بأن هذه الحرب التي بدأها “الحزب” من الجنوب اللبناني تجاوزت خسائرها على لبنان حتى اليوم المليار دولار. 

عبد المسيح لفت إلى أنه سيفصّل هذه الدّراسة لاحقاً، وهي تشمل الأضرار المباشرة، كلفة النّزوح الدّاخلي، الخسائر غير المباشرة في قطاعات مهمّة كالزّراعة والسّياحة والخدمات؛ وكلفة إضاعة الفرص، مذكّراً بأنّ حرب تموز/يوليو 2006  كلّفت لبنان 11 مليار دولار آنذاك، أي ما يعادل 15 ملياراً اليوم.

وبحسب أحدث أرقام “منظمة الهجرة العالمية”، سجل نزوح حوالي 86874 شخصاً من المناطق التي تصنّف ساخنة إلى مناطق أكثر أماناً، موزّعين على الشكل التالي: صور 26672، النبطية 15553، صيدا 13086، بعبدا 7761، بيروت 6345، عاليه 4699، بنت جبيل 3703، الشوف 2080، مرجعيون 1353، المتن 1112، حاصبيا 969، جبيل 842، جزين 532، بعلبك 523، البقاع الغربي 362، راشيا 360، الهرمل 250، زحلة 243، كثروان 223، عكار 174، البترون 11، طرابلس 10، الكورة 6، زغرتا 5. 

وتشير الأرقام أيضا إلى أن توزّع النازحين من ناحية السكن هي على الشكل التالي: 79 بالمئة عند عائلات مضيفة، 4 بالمئة بيت آخر يملكونه، 15 بالمئة منازل إيجار، 2 بالمئة في مأوى جماعي.

وتُقدَّر كلفة إيوائهم سكنيّاً ما بين 15 إلى 20 مليون دولار، فيما كلفة تأمين معيشتهم واحتياجاتهم الأساسية تُقدَّر بعشرات الملايين شهرياً، لتأتي هذه الأرقام وتضاف إلى مجموع الخسائر المباشرة الناجمة عن الحرب.

أما الخسائر غير المباشرة على صعيدَي الجنوب ولبنان ككل، فتراوح بين 500 و600 مليون دولار بسبب إقفال مؤسسات كثيرة سياحية وتجارية في الجنوب وتَراجع الموسم السياحي على صعيد لبنان.

انهيار الدورة الاقتصادية

زراعياً، أحصت المنصة الوطنية للإنذار المبكر التابعة للمجلس الوطني للبحوث العلمية، منذ تاريخ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 لغاية الأول من يناير/كانون الثاني 2024، حرق 800 هكتار من الأرض. تتضمن المساحة المحترقة 24 هكتاراً من شجر الزيتون بعدد 5 آلاف شجرة، بعضُها يعود إلى أكثر من 150 عاماً. 

ماذا ينتظر حزب الله بعد إقامة منطقة عازلة جنوب نهر الليطاني؟
منظر جزئي يظهر نهر الليطاني في لبنان في وادي البقاع الجنوبي. (تصوير جوزيف عيد / وكالة الصحافة الفرنسية)

كما أُتلف 22.8 هكتاراً من أشجار الموز والحمضيات، والضرر الأكبر لحق بـ 343.9 هكتاراً من السنديان المعمّر. وتنوعت الأسلحة المستخدمة ما بين قذائف وغارات (2200)، وقنابل مضيئة حارقة (107)، وقنابل فوسفورية (73)، بالإضافة إلى قذائف عادية (27).

الخبير الاقتصادي، الدكتور إيلي يشوعي، ذكر لـ”الحل نت” أن الجنوب اللبناني يُعتبر منطقة زراعية، والقصف الإسرائيلي بالقنابل الفوسفورية لم تقضِ على المزروعات فقط، إنما لوّثت التربة أيضاً، وهي تحتاج إلى سنوات لتصبح خالية من آثار الفوسفور، وهو أمر خطير، مشيراً إلى أنه لو تمّ قطف الزيتون فمن الصعب بيع المحاصيل لأنها قد تكون تضررت بالفوسفور.

على الصعيد الصناعي والتجاري، أصبحت هناك أولوية بالإنفاق، وفق يشوعي، وهذا لا يقتصر على الجنوب اللبناني إنما لبنان كلّه، ولاح في الأفق نقطة إيجابية واحدة تمثّلت في تنشّط الصناعة اللبنانية وخصوصاً في موضوعي الدواء والمواد الاستهلاكية التي باتت تنافس المستورد.

لا شك في أن الدورة الاقتصادية في الجنوب لم تعد سليمة، لكن يشوعي، يرى أن العائلات الجنوبية الشيعية خصوصاً تعتمد على التحويلات المالية التي تصل إليها من أفراد يعملون في الدول الإفريقية، وهم منتشرون في كل القارة الإفريقية ويتمتّعون بإمكانات اقتصادية  كبيرة.

وبالنسبة إلى الخسائر التي تقدّر بمليار دولار، يلفت يشوعي إلى أن الأرقام لا مصداقية لها، لأن الخسائر تزداد يومياً، وكان القصف يطال أطراف البلدات الجنوبية، أما اليوم فأصبح يطاول العمق، مؤكداً أن لبنان عموماً والجنوب خصوصاً يعاني من الانكماش الاقتصادي والإنفاق يحصل على أولويات محددة.

لا يفهم يشوعي المبررات التي تُطلق لإقحام لبنان في هذه الحرب، فهو يعتبر أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب وليس لبنان فقط، وبالتالي لو كان وطننا يتعرّض للاعتداء كان الجميع وافق على مبدأ الدفاع عن النفس، أما اليوم فالوضع ليس مفهوماً، ومهما كانت بيئة “حزب الله” عقائدية ومقتنعة بحربه، إلا أنه عندما يصل الأمر إلى جيوبها وأرزاقها ومنازلها تصبح مكشوفة الرأس، ولا أعتقد ستبقى راضية عن ذلك.

نصرالله أمام ثورة داخلية

في المقابل، يقول مسؤول حزبي معارض في الجنوب، جان العلم، لـ”الحل نت” بأن بيئة “حزب الله” ناقمة كما يصوّر البعض، فهي تنتمي عقائدياً وثقافياً إلى مدرسة “الحزب” وتؤيّد كل ما يفعله، وهو صنع لها كياناً وسلطة، وبالتالي هذا أمر مغري وله ثمن، لذلك “لا ألمس أي تململ، ويعمل الحزب جاهداً لتعويض خسائرها كما تواتر إليّ”.

رايات لحزب الله جنوب لبنان (أرشيفية- رويترز)
رايات لحزب الله جنوب لبنان (أرشيفية- رويترز)

ويرى العلم، أنه لا وجود لدورة اقتصادية كبيرة في الجنوب إنما مِهن صغيرة ومصالح متوسطة، وكان هناك اكتفاء ذاتي في كل قرية، طبعاً لقد فرغت هذه القرى من ناسها، وتأثّر اللحام والحِرفي والمزارع والسنكري وبائع الخضار، وأساتذة المدارس الخاصة يتقاضون ربع أجر.

ويعيش العلم في إحدى القرى الحدودية، ويؤكّد أن هذه القرى مثل عيتا الشعب ومارون وبليدا، تدمّرت بالكامل نتيجة مواجهات “حزب الله” وإسرائيل، ويرى أن الأخيرة عندما تتلقى صواريخ من “الحزب” تردّ بأسلوب الأرض المحروقة في القرى الحدودية، وهي تفعل ذلك عمداً تحضيراً لهجوم كبير لإبعاد “حزب الله” 10 كيلومترات عن الحدود إذا فشلت المفاوضات الدبلوماسية.

عضو تكتل “الجمهورية القوية”، النائب سعيد أسمر، الذي يمثّل منطقة جزين الجنوبية، يكشف لـ”الحل نت”، بأن بعض الصناعات تضررت على نحو لافت مثل أعمال الصخر والحجر في جزين، ولا أحد يستطيع أن يعمل هناك لأنها منطقة عسكرية لـ”حزب الله”، والعمال الذين يعتمدون على هذه الصناعة في حالة يُرثى لها، بحيث أصبحوا عاجزين عن دفع فواتير الكهرباء!

ويوضح أسمر، بأن كثراً من سكّان الجنوب كانوا يصعدون إلى قراهم في عطلة نهاية الأسبوع، ما يُنعش الحركة الاقتصادية، لكن منذ أن بدأ “حزب الله” بالمعارك، امتنعوا عن ذلك، فتوقّفت العجلة الاقتصادية في الجنوب، وليس صحيحاً أن المغتربينَ والعائلات في بيروت قادرون اليوم على إعالة من بقي صامداً في الجنوب، وهؤلاء يرزحون تحت خط الفقر ولم يعد لديهم مدخول.

وختم أسمر بأن الاقتصاد اللبناني عموماً كان مأزوماً، وهناك مئات آلاف العائلات من الجنوب اختفت اليوم من الدورة الاقتصادية اللبنانية، بل باتت تحتاج إلى مساعدات، وهذا ما أثّر على الإنفاق عموماً وأدى إلى مزيدٍ من الانكماش، ويجب أن لا نستهين بذلك لأن هذه العائلات تشكّل شريحة واسعة من المجتمع اللبناني. لقد أضاف “حزب الله” إليهم هموماً جديدة، فلبنان لا يمكنه أن يتحمّل تبعات هذه الحرب!

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
1 تعليق
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات
Danaa
1 شهر

السلام على الجميع،

اسمي السيدة دانة أحمد. أنا امرأة سعيدة اليوم، وقلت لنفسي إن أي مُقرض ينقذ عائلتي من وضعنا السيئ، سأحيله إلى أي شخص يبحث عن قرض. لقد أعطوا السعادة لي ولعائلتي. كنت بحاجة إلى قرض لبدء حياتي من جديد لأنني أم عازبة ولديها 3 أطفال. لقد التقيت بشركة القروض الصادقة والخائفة من الله والتي ساعدتني في الحصول على قرض. إذا كنت بحاجة إلى قرض وسوف تقوم بسداد القرض، يرجى الاتصال بفايزة للتمويل وإخبارهم أن السيدة دانة أحمد هي التي تحيلك إليهم. اتبع جميع التعليمات وسوف تحصل على القرض الخاص بك. اتصل بهم على بريدهم الإلكتروني: ([email protected]) أو WhatsApp: +91 (923) 356-1861. للمزيد من المعلومات.