إدلب

حسام موصللي

وسط فرح يَشوبُه الكثير من التخوف، وأمل بتجربة جديدة يُغلّفه تشاؤم من تجارب سابقة مُتوّجة بالفشل، تَتصدّرُ مُحافظة إدلب حَديث السّاعة اليوم، وذلك بعد مُضي أسبوعين حَافلين بالأحداث تكلّلا في نِهاية المطاف بانسحاب قوات النظام السوري من مُعظم المدينة التي تحوّلت إلى سَيطرة قوات المُعارضة المُسلّحة مُتمثّلة بجيش الفتح الذي استطاع تحرير المدينة بعد خمسة أيام على إعلان تشكيله فقط، وهو يضمُّ تحت لوائه فصائل أحرار الشام وجبهة النصرة وجند الأقصى وجيش السنّة وفيلق الشام وصقور الشام ولواء الحق وأجناد الشام.

مع ذلك، ووفقاً للمشهد على الأرض، وما يَصدُر عن استغراب يعكس استهجان مؤيدي النظام السوري، فأنّه لا يَبدو أن الأسد قد سعى بشكلٍ من الأشكال للحفاظ على سيطرته على المدينة، بل إن عمليات الفرار الجماعية لعناصر الجيش السوري وميليشيات الدفاع الوطني، باتجاه الساحل السوري، لم تعكِس على الإطلاق أيّ نية للمواجهة والقتال، واكتفى في المقابل بتغطية انسحابه بالقصف الجوي والصواريخ والقذائف، فضلاً عن استخدام غاز الكلور المحرم دولياً لمرتين على التوالي خلال أسبوع واحد؛ ضارباً بذلك قرار مجلس الأمن بحظر استخدام السلاح الكيماوي في سوريا عرض الحائط. ولعلّ أن توجُّه النظام السوري، ومن خلفِه المحرّكون الإيرانيون، نحو تسليم مدينة إدلب دونما مقاومة، ليس بعيداً بصورة ما عن انسحابه من مدينة الرقّة- المعقل الحالي لتنظيم الدولة الإسلامية الآن. ومع أن الأخير كان قد طُرِد منذ مدة من أراضي مدينة إدلب وريفها بعد اشتباكات عنيفة مع جبهة النصرة وأحرار الشام، إلا أنّه أثبتَ منذ إعلان تشكيل دولة الخلافة، وإلى غاية اللحظة أنّه مازال في جعبته مخزون مُخيف من المفاجآت؛ ولن يكون آخرها الهجوم المباغت الذي نفّذهُ مُسلّحو التنظيم على قرية المبعوجة في ريف السلميّة قبل أن يَنسحبوا مُخلّفين وراءهُم مَجزرة راح ضحيتها قرابة خمسين مواطناً حرقاً وذبحاً.

وبالتالي، ليست المدينة بمنأى أبداً عن أعين تنظيم الدولة الإسلاميّة، وخاصّة في ظلّ الارتباك وبوادر الخلاف بين الفصائل المسلحة التي تسيطر على المدينة الآن. وعملياً، من وجهة نظر النظام السوري، ليس هناك سيناريو أفضل من سيطرة داعش على إدلب، حيث سيقتصر دوره على تأمين الغطاء الجوي، إلى أن تحين اللحظة الحاسمة التي يأخذ فيها التنظيم دوره.

وكنتيجة حتمية، سنشهد توسعاً في رقعة عمليات التحالف الدولي، وبالتالي تعزيزاً لموقف الأسد حيث أكبر طموحاته الآن هو استعادة جزء من شرعيته في المنظومة الدولية باعتباره شريكاً في الحرب على الإرهاب. من ناحية ثانية، وبعيداً عن السياسات المرحليّة والإستراتيجية، ليس في مقدور أحد أن ينفي ما للحدث من أهمية كبرى، وما قد يُشكّله من مُنعطف تاريخي لصالح الثورة السورية التي عاد علمها ليرفرف عالياً فوق عدد من مؤسسات الدولة في مدينة إدلب، وهذا فقط في حال جرى استغلاله بصورة مُناسبة ووطنية إلى أقصى حدٍّ ممكن. بيد أن المعطيات الأولى لا تشير إلى أن الأمور ستختلف عمّا حظيَت به البلاد من فرص سابقة، خاصة وأنّ الجهات التي تقعُ على عاتقها المسؤولية قد أثبتَت خلال السّنوات الماضية مواهب عظيمة في إضاعة ما تيسر من أشعة الأمل التي قد تؤدي إلى تحولات جذرية في المسيرة التراجيدية للحدث السوري. ومن هذا المنطلق، كان من الطبيعي جداً أن قوبِلَ مُقترح الحكومة السورية المؤقتة بصدد نقل مقرّها إلى إدلب ومزاولة عملها للمرة الأولى على الأراضي السورية، برفض شديد اللهجة من قِبل فصائل جيش الفتح، وذلك كنتيجة منطقية للفشل الذريع الذي مُني به الكيان المُسمّى بالحكومة منذ أن تأسس في شهر مارس من سنة 2013.

يُضاف إلى ما سبقَ ذكرُه، أن حالة القطيعة والفجوة العميقة ما بين ثنائيات الداخل والخارج، والإسلاميين والعلمانيين، والسلميين والعسكريين، وغيرها، قد بلغَت مرحلة بعيدة بحيث صار الخطاب المُتبادل بين الطرفين عدائياً لا تكاملياً، وثأرياً لا توعوياً.

ومن ذلك، نرى أن ردود الفعل التي رافقت حادثة تحطيم تمثال إبراهيم هنانو مثلاً لم تتجاوز الصراخ والشتائم مع الابتعاد التام عن الموضوعية في تقدير حجم هذه الحادثة وآليات التعاطي معها، حتى وصل الأمر إلى تبادل التهم والتخوين على حساب تجاوز المشكلة ذاتها وحلّها؛ ناهيك عن الهم الوطني الأكبر، وإلى مجرّد حالات نزاع فرديّة لا فائدة منها سوى تمييع القضية الأساسية دونما التطرق إلى العلاج الناجع.

إن كان هُناك أولوية لشأنٍ ما وخلال أقصى سرعة مُمكنة، فينبغي تكريس قصارى الجهد في استغلالِ تحرير المدينة والعمل على إعادة إحياء روح التعاون الفكري من خلال خلق روابط وثيقة بين أبناء الوطن الواحد للوصول إلى صورة توافقية، يُعتمَد عليها كركيزة أولية في رفع درجات الوعي والمواطنة بصورة تدريجية ومنطقية، ومن خلال دعم المدينة المنكوبة بشتى الوسائل الممكنة؛ عِوضاً عن الخطاب الفوقي الذي يعتمد التنظير لا العمليّة، وتبديد الدعم في ما لا طائل منه كما تجري العادة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.