عمّار ديّوب

لَعِبَ #داعش لعبة الدين فأسس نفسه أولاً، ولم يرفضه أحد في البداية إلا القلة التي تعرف ماذا يعني التنظيم الجهادي، ودوره المحدد في تخريب الثورات! ثم وحينما اشتد عوده لم يترك طريقة للتنكيل بالسوريين ولم يفعلها. لا تظهر وجوه عناصره، وحينما تظهر تكون من غير السوريين. كانت دائماً الشبهات تقول أنّ فيه عناصر أمنية للنظام السوري، ولم يكن ذلك كذباً كما يبدو وإلا فكيف يقوم بالعمل ذاته تجاه الناشطين. ضحك داعش طويلاً على سذاجة الإيمان البسيط وتوسع وصار سرطاناً يقتات على جسد الثوار. داعش التنظيم الأخطر على الثورة السورية كما حال التنظيمات الجهادية. هو أداة استخباراتية لدول عديدة كذلك.

 

نادرة هي المواجهات التي خاضها داعش مع النظام أو العكس، وكافة معاركه كانت مع #الجيش_الحر والفصائل الإسلامية و pyd، أي أن داعش وُجِدَ في الأرض المحررة آتياً من #العراق، وحررها من أحرارها. هذه كما يبدو وظيفته، تخريب الثورة وقتل أساطيرها الأولى والأشد رفضاً للنظام، فلقد اختار داعش  ضحاياه بدقة استخباراتية، ولم يختَرْ معتقليه بعشوائية أو بلا دلالات، داعش قتل الثوار وكأنّه يعمل لصالح النظام، ولصالح كل دولة تتخوف من أن تتجاوز الثورة سورية وتندلع في بلدان أخرى.

آخر القتل اغتيال الصحافي ناجي الجرف، ويشار أن الجرف أخرج فلماً توثيقياً عن انتهاكات داعش في مدينة حلب، ويبدو أن الفلم آلم داعش جيداً.

بعد أن تمدد داعش بأرض الثوار، أعطاه النظام مناطق عسكرية كثيرة، ولا سيما في الرقة، وآخرها مطار مدينة “الطبقة/ الثورة” ولاحقاً مدينة #تدمر.. عدم وجود مواجهات حقيقية مع النظام إلا ما ندر يدعم هذا العطاء الباذخ.

التحالف الدولي الذي تأسس لمحاربة داعش، أعلن أنه لن يأتِ بجنديٍّ واحدٍ إلى الأرض السورية، وشكّل فصيلة أصغر من أي فصيل مشكل في #سوريا ووظيفته محاربة داعش فقط، وأصر على كتابة إفادات بأن المجموعة المدربة لن تحارب النظام السوري، وحينما عادت إلى سوريا تركت دون حماية وسقط بعضها والعتاد بيد جبهة النصرة! التحالف هذا لم يدعم قوى سورية تحارب داعش في #حلب أو سواها، يستثنى من ذلك تنظيم البي يا دي الكردي وتنظيمات عربية متحالفة معه، وحتى دعمهما كان محدوداً وهزيلاً وكان مقابل ذلك تدمير بلدة #كوباني.

داعش هذا استولى في العراق، ولا سيما في مدينة الموصل، على ترسانة عسكرية أمريكية مخيفة، والأمر عينه في سوريا، وكأن التحالف لم يتأسس للقضاء على داعش بل لتوظيفه من أجل إحداث تغيير في كامل أنظمة المنطقة وبدءاً من العراق وسوريا، وإلا فكيف يمكننا فهم وجود كل هذه الطائرات وهامشية تراجع هذا التنظيم منذ بدأ التحالف بـ “قصفه”. داعش طفل مدلل، ولم يحن الوقت لقتله كما يبدو. والأخطر ما تتناوله بعض التحليلات بأن داعش وجد ليبقى وليس لينتهي دوره، ولكن سيتم  تحجيمه في ظل التوافقات الدولية والاقليمية.

تدخلت #روسيا كذلك بحجة محاربة الإرهاب، ولا سيما داعش وجبهة النصرة، أيضاً كانت حربها موجهة ضد الفصائل المحلية والسكان المدنيين والبنى التحتية، قاصفة المستشفيات والأفران والأسواق، ولم تطل نيرانها تلك المجموعات إلا نادراً، وكأنّ داعش بشكل خاص لا يُرى، وليس من بشرٍ!.

هناك قرار دولي ومن أعلى سلطة دولية، أي مجلس الأمن، يعتبرُ داعش والنصرة مجموعات إرهابية. الإشكالية تكمن في عدم محاربتها، إذاً وجد القرار لتغيير أنظمة المنطقة، ولترتيب العلاقات بين الدول العظمى وفقاً لاستراتيجيات جديدة، وحالما يحصل توافق على قضايا دولية وإقليمية يتم البدء بالتخلص من هذه المجموعات الجهادية.

حدثٌ آخر يكاد يكون صارخاً في الاستهانة بدماء السوريين وبالثورة وبكل شيء، وهو اتفاق النظام السوري وإيران مع تنظيم داعش على نقل عناصره من منطقة الحجر الأسود في جنوب العاصمة #دمشق إلى #الرقة، ومئات العناصر لحركة النصرة إلى مدينة #إدلب. الغرابة هنا أن هذا يحدث في ظل توافق دولي وإقليمي على ضرورة تصنيف التنظيمات الإرهابية، وطبعاً في رأس القائمة ووفقاً للقرار المشار إليه أعلاه داعش والنصرة، ونضيف أن هذا يحدث وطائرات كل من التحالف الدولي وروسيا في الأجواء السورية، فكيف إذاً هذه الدول تحارب داعش والنصرة وعناصر هذه التنظيمات تشحن بـ “باصات” تابعة للنظام إلى أماكن تواجدها، وعلى مرأى هذه الطائرات؟!

الآن يُعدُّ داعش من أثرى التنظيمات الجهادية الإرهابية العالمية، ويعطي رواتب بالعملة الصعبة لعناصره، ويغذي تنظيمات في العالم لتدين له، وأصبح له تواجد قوي في سوريا والعراق وليبيا، وهناك مؤشرات للأمر عينه في اليمن وسواها، وقام بعدة عمليات في لبنان وفرنسا وتركيا وتونس ومصر وهدّد مؤخراً السعودية وإسرائيل وروسيا. إذاً داعش خرج من حدوده السورية والعراقية وصار يتوسع عالمياً، ولكنه لم يواجه جدياً إلا مؤخراً في العراق وبإشراف أمريكي مباشر ولا سيما في منطقة الرمادي، وقبل ذلك في منطقة كوباني السورية، أي ووجه حينما تجاوز المسموح به، وكذلك واجهه النظام حينما تجاوز خطوطاً حمراء معينة، ولكن وضعه وحتى اللحظة الراهنة ليس بخطر أكيد.

داعش والنصرة والتنظيمات الجهادية لا أرضاً سورية لها، وأغلبية السورين المنضوين فيها، فعلوا ذلك بسبب توقف الدعم لتنظيماتهم أو من أجل تحصيل رزقهم. هذا ما يجب فهمه بشكل عميق للمساهمة في فك أغلبية السوريين الرافضين لهذه العقلية والمنضويين في هذه التنظيمات عنها. الآن داعش والنصرة وفي حال بدأت عملية التفاوض سيكونان على قائمة المطلوب رؤوسهم.. أكرر في حال حدث التوافق الدولي والإقليمي على بدء هذه العملية.

طبعاً ستظل هذه المجموعات ورقة رابحة بيد كافة القوى المتصارعة في الشأن السوري والعراقي وربما الليبي، ولكن قوى الثورة والمعارضة السوريتان يجب أن تقول وبشكل واضح أن هذه المجموعات لا صلة لها بالثورة وهي تخدم النظام والدول الإقليمية والعالمية وبذات الوقت تشجع عناصرها من غير الجهاديين على الخروج منها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.