عودة الفعاليات الثقافية والفنية إلى الرقة بعد دحر «داعش»

عودة الفعاليات الثقافية والفنية إلى الرقة بعد دحر «داعش»

الرقة (الحال) – لم يكتف تنظيم الدولة الإسلامية (#داعش) أثناء فترة حكمه على مدينة الرقة بتدمير بُناها التحتية ونهب آثارها وإعدام شبابها، بل وعمل أيضاً على طمس ثقافات المدينة وتاريخها من خلال تدمير مراكزها الثقافية ومدارسها ومكتباتها العامة والخاصة، بالإضافة لممارسة عناصره حملات ضد الأدباء والشعراء والمثقفين في المدينة عن طريق ملاحقتهم وإخضاعهم لدوراته الشرعية، وإلزام مدرسيّ المدينة بتعليم مناهجه الخاصة التي فرضها على الطلاب، وإيقاف المدرسات عن التعليم، الأمر الذي دفع أغلب المثقفين والفنانين للهجرة خارج المدينة.

مدينة الرقة التي قال عنها الخليفة العباسي هارون الرشيد إنها من «منازل الدنيا الأربعة»، عانت ومنذ أيام حكم النظام السوري من تهميش بحضارتها ودفن لفنها التي كانت تتميز به، لكن منذ سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (#قسد) عليها في 17 أكتوبر عام 2017، عاد الأهالي ليظهروا إبداعاتهم الفنية والثقافية بكل حرية، ويداً بيد مع مجلس المدينة المدني ولجنته الثقافية التي تقوم بمساعدة الفنانين ورعاية فنهم بأنواعه كافة.

 

هدم معالم المدينة ونهب آثارها

بعد أن بسط التنظيم سيطرته على الرقة، جعل من آثارها مصدراً لتمويل عناصره الذين كانوا يخوضون معارك عنيفه في سوريا والعراق، بحسب يوسف الرحمن (ناشط من مدينة الرقة) الذي تحدث عن تهريب وهدم آثار المدينة لموقع «الحل» قائلاً: «إن التنظيم عقب سيطرته على الرقة قام بإنشاء هيئة مختصة بشؤون الآثار(دار الركاز) وظيفتها الكشف عن المواقع الأثرية في المدينة وريفها، باستخدام أجهزة ومعدات تنقيب خاصة وبإشراف خبراء آثار ومختصي تنقيب».

يضيف الرحمن أنه في عام 2015، قام التنظيم بهدم جزء من سور الرقة الأثري لفتح ممر (علي مظفر)، بهدف السماح لشاحناته القادمة من العراق والمحملة بالسلاح بالمرور منه بشكل أسرع، إذ أن الممر المذكور يربط مدينة الرقة القديمة بالأوتستراد الرئيس للمنطقة الصناعية، منوهاً لانتشار أخبار في ذلك الوقت تتحدث عن نية التنظيم هدم كامل السور، ما أدى لتجمع الأهالي عند السور، ما دفع بالتنظيم للعدول عن قراره وإخبار الناس بأن العمليه ستقتصر على جزء صغير ولا يوجد أيّة نية لهدم السور.

كما قام عناصره بتحطيم تمثال الخليفة هارون الرشيد في المدخل الشرقي لحديقة الرشيد، وتماثيل الأسود الاثنين في المدخل الغربي من الحديقه ذاتها، ونهب متحف المدينة وآثاره، بالإضافة لعملهم على استبدال أسماء الأماكن العامة كالساحات والأحياء والمدارس، بأسماء مستمدة من التاريخ الإسلامي.

 

عودة الثقافة والفن الأصيل للرقة

عمدت قوات سوريا الديمقراطية في إدارة المدينة على المجلس المدني الذي يتفرع منه لجان عدّة تقوم  بإدارة المدينة ورعايتها على المجالات كافة، ومن ضمن تلك اللجان؛ لجنة الثقافة والفن التي وقع على عاتقها إعادة تفعيل دور الفن والثقافة التي حاربها «داعش» بالأساليب كافة.

يقول خالد اليونس (من سكان مدينة الرقة) لموقع «الحل» إن لجنة الثقافة ومنذ الأيام الأولى من إنشائها عملت على إعادة الحياة الثقافية والفنية  للمدينة عبر الاجتماعات مع المثقفين والفنانين، ومساعدتهم على العودة لممارسة هواياتهم كالرسم والغناء والنحت وإقامة معارض لهم، وافتتاح المركز الثقافي في الرقة، بالإضافة للحفاظ على المقتتنيات الثقافية العامة والخاصة، والعمل على ترميم متحف المدينة الكبير وسور المدينة الأثري وتوثيقهم لحمايتهم من الأعمال التخريبية، كما قامت اللجنة بترميم أفران القرميد والمكتبات الثقافية كالمكتبة الوطنية، منوهاً إلى أن اللجنة عملت يداً بيد مع لجنة التربية والتعليم، بهدف مساعدة الطلاب على العودة لممارسة هوياتهم عبر تنظيم فعاليات عدّة لهم، كمعارض للرسومات المتحركة وحفلات فنية ومسابقة في الشعر.

من جهته تحدث عمار الحاج محمد (من سكان حي الطيار) لموقع «الحل» قائلاً: بسبب سياسة التنظيم وممارسات عناصر أضطًررنا لترك حينا ونزحنا إلى مخيم عين عيسى، وفي إحدى الحفلات التي نظمتها إدارة المخيم شارك أبني الصغير أحمد مع الصغار بأداة مولية فراتية ليعجب بصوته أحد أعضاء فرقة تراث الرقة، حيث طلب مني أن ينضم أبني إليهم ووافقت بكل سرور ليبدأ مشواره مع الفرقة.

يكمل الحاج محمد، بعد طرد «داعش» من المدينة وتأمين أحيائنا من مخلفاتها، «عدت وعائلتي إلى منزلنا في حي الطيار، رغم فرحتنا بعودتنا لمنازلنا وتحرير مديتنا إلى أن أحمد بات حزين بسبب تركه للفرقة، حتى قامت لجنة الثقافة والفن بتنظيم نشاطاً ثقافياً في المدينة بعنوان (قصيد وسوالف) بإحدى مقاهي المدينة، ليشارك أحمد بتجارب البحث عن خامات جديدة، وبعد تقديمه لمولية نالت أعجاب اللجنة المنظمة قام أحد أعضاء اللجنة بالتحدث معي حول إمكانية انضمام احمد لإحدى الفرق التابعة للجنة ليعود لممارسة هوايته وتنميتها»، وفق قوله.

 

مساهمات الأهالي مع اللجنة

يقول عبد الغفور الخلف (نائب رئيس لجنة الثقافة والفن) إن اللجنة قامت بافتتاح مكتبة خاصة لمدينة الرقة، لتكون مرجعاً لكل من يحب الثقافة والقراءة، إذ تواصل الكثير من المدنيين وأمناء المكاتب في المدينة وريفها مع اللجنة وقاموا بتسليمنا أكثر من 4000 كتاب كانوا يخفوها عن تنظيم «داعش» الذي كان يقوم بحرقها آنذاك، ويأتي هذا الفعل نتيجة حبهم وشغفهم لثقافة مدينتهم، مشيراً إلى أن «اللجنة كانت قد عثرت على 6500 كتاب من تحت أنقاض كلية الطب ونقابة المحاميين»، منوهاً إلى أن اللجنة «وضعت شعار للحصول على 100 ألف كتاب، حيث يبلغ العدد الذي حصلنا عليه حتى الآن 15 ألف كتاب تم نقلهم إلى مركز الثقافة والفنون في المدينة».

من جهته أوضح حسن مصطفى (الرئيس المشترك للجنة الثقافة والفن) أن اللجنة «مستمرة في العمل على إعادة إحياء الموروث الثقافي والتراث الفني الرقاوي الكردي السرياني إلى المدينة، بعد غياب دام لأكثر من 10 سنوات، بفعل التهميش الذي كان يتبعه النظام السوري قبيل (داعش)، وذلك من خلال تشكيل فرقة للتراث الشعبي مكونه من فنانين من كافة آطياف الشعب الرقاوي».

 

إعداد: علي إبراهيم – تحرير معتصم الطويل

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.