في صف دراسي مهجور، تقوم “دانييل دبيس” بإعطاء درسها في الجغرافية، بينما تقوم زميلتها بتصويرها. ليتم بعد ذلك إرسال الفيديو إلى طلابها، الذين يقبعون في منازلهم منذ إغلاق المدارس في شمال غربي #سوريا خوفاً من الإصابة بفيروس #كورونا.

وكما هو الحال في أي مكان آخر في العالم، فرض التعليم عن بُعد، نفسه في سوريا التي مزقتها الحرب. ومع ذلك، فإن هذا الحل صعب المنال في بلد يعاني من تدهور في البنية التحتية، حيث لا يتوفر الإنترنت والكهرباء، إلا قليلاً وبشكل متقطع.

في مدرستها في مدينة #إدلب، رسمت “دبيس” خريطة سوريا على السبورة، وبدأت بالشرح أمام زميلتها، التي كانت تصورها باستخدام هاتفها الذكي. حيث سيتم إرسال مقطع الفيديو هذا إلى طلابها، الذين تزيد أعمارهم عن 15 عاماً، من خلال رسائل عبر الواتس آب. «اليوم، سيتم درسنا بطريقة أخرى، مع التعليم عن بُعد (…) بسبب جائحة كورونا»، تقول “دبيس”.

حتى تاريخ اليوم، لم يتم تحديد حالات إصابة بفيروس كورونا رسمياً في منطقة إدلب والمناطق المحيطة بها، وهي آخر معقل كبير للمعارضة المسلحة والجهاديين، حيث يبلغ عدد سكانها حوالي ثلاثة ملايين نسمة.

لكن وخوفاً من وقوع كارثة إنسانية في حال تفشي الفيروس القاتل، أغلقت السلطات المحلية المدارس والمطاعم ودعت الناس إلى البقاء في منازلهم.

«واتس آب وكهرباء مقطوعة»

في المدرسة التي تعمل فيها “دبيس”، تستطيع 650 فتاة فقط، من أصل ما يقارب من ألف طالبة، متابعة التعليم عن بعد بسبب نقص المعدات، تؤكد المعلمة بأسف.

حيث تقول موضحةً: «غالبية الطلاب ليس لديهم اتصال مستمر بالإنترنت، ومن الصعب إعادة شحن الهواتف المحمولة مع انقطاع التيار الكهربائي المستمر»، مؤكدةً بأن إن الأطفال عادة «لا يملكون جهاز كمبيوتر ويستخدمون هواتف الآباء الذكية».

تقضي “نور سرميني” التي تعيش أيضاً في مدينة إدلب، أيامها ووجهها مثبّت على شاشة الهاتف، وتنتشر دفاتر ملاحظاتها أمامها على السرير، وتتواصل عبر الرسائل الصوتية مع مدرّستها لحل المعادلات الرياضية.

فهذه الفتاة، البالغة من العمر 17 عاماً والتي تتفاعل مع مجموعات الواتس آب التي أنشأها معلموها، مصممة على مواصلة دروسها. وتقول “سرميني” واصفةً عزم معلميها: «حتى القصف فشل في منعهم من القيام بعملهم».

وفي بلد في حالة حرب منذ عام 2011، فإن هناك أكثر من 500 مدرسة في منطقة إدلب قد تضررت أو دمرت بالكامل أو توجد في مناطق خطرة، وفقًا لمنظمة Save the children البريطانية غير الحكومية.

وتستفيد المنطقة منذ شهر آذار الماضي من هدنة غير مستقرة وضعت حداً للهجمات المميتة التي تقوم بها دمشق وحليفها الروسي. لكن في غضون بضعة أشهر، حرم هذا التصعيد بالفعل حوالي 280 ألف طفل من التعليم، بحسب منظمة اليونيسف.

والوضع صعب بشكل خاص في مخيمات النازحين داخلياً، حيث تعيش عشرات الآلاف من العائلات في فقر مدقع، أو في مناطق مكتظة بالخيام أو أماكن إقامة مؤقتة، ولا تحصل إلا على ساعات قليلة من الكهرباء بواسطة ألواح الطاقة الشمسية.

وفي خيمة تم تحويلها إلى مدرسة في أحد هذه المخيمات، بالقرب من قرية #كفر_يحمول، سجّل “أحمد راتب” للتو درساً في الرياضيات.  حيث يقول بهذا الخصوص: «نحاول ألا نحرم الأطفال من التعليم».

موضحاً أن الدروس يتم إرسالها بواسطة إما الواتس آب أو التيليغرام. ويقرّ المعلم، مع ذلك، بأن بعض الطلاب اضطروا إلى إيقاف الدروس «لأنه لم يكن لديهم كمبيوتر محمول ولا هاتف ذكي».

«أسئلة بلا إجابات»

تؤثر الصعوبات ذاتها على المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية، حيث تواجه العائلات انقطاع التيار الكهربائي ولا يحق لها سوى استهلاك كم محدود من الانترنت.

ولمكافحة فيروس كورونا، الذي أصاب 19 شخصاً، وفق الإحصاءات الرسمية، وأسفر عن وفاة شخصين في المناطق الحكومية، كثفت السلطات من الإجراءات الوقائية، لاسيما إغلاق المدارس والجامعات. ومع ذلك، فإن وزارة التربية لديها قناة تلفزيونية متخصصة تبث فيها دورات باللغة العربية والإنجليزية والعلوم.

وفي المناطق شبه المستقلة في الشمال الشرقي التي يسيطر عليها الكرد، تم إغلاق المدارس كذلك. ويقول “نور الدين محمد”، أحد مسؤولي الإدارة الذاتية في المنطقة، إنه تم التخطيط لطرق بديلة لتوفير التعليم عن بعد في الأيام القادمة.

وسيتم بث الدروس على التلفزيون المحلي واليوتيوب، وسيجيب المعلمون على أسئلة التلاميذ عبر الواتس آب. “حياة عباس” انتهت لتوها من تسجيل درس باللغة الكردية. لكن هذه المعلمة، البالغة من العمر 43 عاماً، تعرف مسبقاً أنها ستفتقد الاتصال المباشر مع الطلاب في الصف.

وجلّ خوفها من الدورات التعليم عبر الانترنت عن بعد هو «أن يكون لدى التلاميذ أسئلة، لكنهم لا يستطيعون العثور على الإجابات».

 

عن موقع (La Croix)


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.